IMLebanon

الثروة النفطية الموعودة: الأولوية لأرباح الشركات على حساب المواطنين

فراس أبو مصلح

يرى عدد من الخبراء أن مشاريع قوانين الأنشطة البترولية تعطي أرباح شركات الغاز والنفط وشركائها المحليين «الأولوية على حقوق الوطن والمواطنين»، فتمنحها إعفاءات و«تنزيلات غير محدودة» في الضرائب؛ ويشكك هؤلاء في قدرة الدولة على مراقبة ومحاسبة الشركات تلك في المقام الأول انطلاقاً من «حق المواطن بالاطلاع على عمل هيئة إدارة قطاع البترول، الذي تربطه بشركات النفط 30 عاماً»، على حد تعبير ناصر حطيط، رئيس مجلس إدارة الهيئة، نظمت الأخيرة بالتعاون مع المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق ورشة عمل، شارك فيها عدد من الخبراء، بحثت النواحي المالية والاقتصادية لاتفاقية الاستكشاف والإنتاج ومسودة قانون الأحكام الضريبية للأنشطة البترولية.
كانت الخلاصة الأبرز للنقاشات أن الاتفاقية ومسودة القانون المذكورتين تحابيان مصالح شركات النفط على حساب «مصالح الوطن والمواطن»، وذلك لجهة انخفاض إجمالي عائدات الدولة من الإتاوة والضرائب والرسوم، فضلاً عن الإعفاءات الضريبية و«التنزيلات غير المحدودة» الممنوحة للشركات، والتشكيك في قدرة الإدارات المُفرغة والمهمشة على الرقابة ومحاسبة «شركات أضخم من دول»!
تأجلت المزايدة على عقودAkhbar النفط مرات ثلاث، وقد نكون مقبلين على تأجيل رابع، قال حطيط، مشدداً على ضرورة إقرار مجلس الوزراء خارطة البلوكات النفطية البحرية ونموذج الاتفاقية بين الدولة وشركات النفط. تلقى لبنان «الضربة الأولى» بسبب التأخير في إقرار المراسيم المذكورة، أعلن حطيط، كاشفاً عن استغناء العدو «الإسرائيلي» عن مشروع إنشاء معمل تسييل الغاز الطبيعي بعد «تأمين» تصريف إنتاجه من حقل غاز Leviathan البحري المقابل لشواطئ فلسطين المحتلة في الأسواق الأردنية والمصرية، وغيرها من الأسواق القريبة، حارماً لبنان إيّاها، لكن هل يخدم الاستعجال في إقرار مجلس الوزراء للمراسيم المذكورة، بصيغتها الحالية، مصالح الدولة وغالبية المواطنين التي تنتظر بدء عملية استكشاف واستخراج النفط بفارغ الصبر، أم يخدم شركات الغاز والنفط الأجنبية وشركاءهم المحليين؟
«باستطاعة الدولة أن تحصّل حصتها (من إيرادات النفط) بغض النظر عن النظام المالي المتبع»، يقول وسام الذهبي، رئيس وحدة الشؤون الاقتصادية والمالية في هيئة إدارة قطاع البترول، شارحاً أن النظام الذي اعتمدته الهيئة منذ عام 2006 هو مزيج من نظامَي عقود الامتياز concession واتفاقيات الاستكشاف والإنتاج، حيث تتألف حصة الدولة من عناصر ثلاثة، الإتاوة و«بترول الربح» والضرائب والرسوم، مشكلة «وعاءً واحداً متكاملاً»، غاب عنه فرض العلاوة عند توقيع العقود أو بدء الإنتاج signature or production bonus.
الإتاوة royalty هي النسبة المئوية من إيرادات النفط أو الغاز التي تُقتطع لحساب الدولة عند الإنتاج، «ويُفترض ألا تتجاوز 4%» على الغاز، يقول الذهبي، لافتاً إلى «تحدي مراقبة الإنتاج اليومي»، وبالتالي تحديد الإتاوة الواجبة على الشركات. أما «بترول الربح»، فيجري تقاسمه بين الدولة والشركة المنتجة بعد استرجاع الأخيرة أكلافها الاستثمارية، وذلك وفق نسبة معينة «r factor» تُحتسب بقسمة إيرادات الشركة على أكلافها الإجمالية، فترتفع حصة الدولة مع زيادة ربحية الشركة بارتفاع سعر البترول أو زيادة الإنتاج أو انخفاض أكلاف الإنتاج. والجدير ذكره أن الذهبي أعرب عن تخوف الهيئة من لعبة «تضخيم الأسعار transfer pricing» بين الشركة الأم والشركات التابعة، أو بين الشركة المشغلة وباقي شركات الكونسورتيوم الفائز العقد، مشيراً إلى طلب الهيئة ضمانة غير محدودة من قبل الشركة الأم unlimited parent company guarantee، مشدداً على «مسؤولية الدولة في مراقبة التكاليف» التي تصرح عنها الشركات.
«هدف أي نظام ضريبي خاص بالنفط هو تحقيق أعلى حصة ممكنة للدولة، مع الحفاظ على ميزة جذب المستثمر الأجنبي، بما يضمن النمو المستمر للقطاع وتجنب تشوه الاقتصاد الوطني»، عقّب حسين العزي، الباحث القانوني في المركز الاستشاري، وفيما رأى العزي أن عدم فرض علاوة هو «أمر مبرر في ظل تخلي معظم الدول المصدرة للنفط عن نطام العلاوات»، أكد أن نسبة الـ4% كإتاوة على الغاز الطبيعي هي «نسبة متدنية قياساً بالمعدل المعتمد في الدول النامية ذات الظروف المشابهة»، داعياً إلى رفع النسبة على نحو تصاعدي تبعاً لزيادة حجم الإنتاج. أما نسب الضرائب والرسوم المعتمدة في مشروع القانون، فرأى العزي أنها منخفضة مقارنة بالدول ذات الظروف المشابهة، حيث تبلغ الضريبة على أرباح الشركات في الغابون 35%، وفي الجزائر 38%، وفي قبرص 32.5%، مقارنة بـ15% في لبنان، داعياً لاعتماد الضريبة التصاعدية على الأرباح، «ربطاً بمستويات الإنتاج أو معدلات العائد على الاستثمار، ضماناً لحق الدولة». نبه العزي من خطورة عدم وضع سقوف «لضبط الأكلاف والنفقات التي تدخل في حساب بترول الكلفة»، فكلما زادت نسبة الأخير تناقصت نسبة بترول الربح، وبالتالي انخفضت الحصة الإجمالية للدولة. انتقد عزي كذلك «الإعفاءات والتنزيلات غير المحدودة» في مواد مشروع القانون، كإعفاء الشركات من الضريبة على كلفة الفائدة، ومن بعض أحكام قانون الضريبة على القيمة المضافة، ومن الرسوم الجمركية على الاستيراد وإعادة التصدير؛ كما لم يرَ العزي مبرراً لإعفاء الشركات من رسم الطابع المالي.
المدير السابق للمحاسبة العامة في وزارة المالية أمين صالح «ضد القانون جملة وتفصيلاً»، فهو يرى أن «الأسباب الموجبة للقانون غير دقيقة»، وأن المشروع مطابق لقانون ضريبة الدخل (وخاصة لجهة نسبة الـ15%)، ما ينفي الحاجة إلى نص جديد ومعايير جديدة من شأنها «إرباك الإدارة والنصوص والمشرّع الضريبي». يؤكد صالح أن «الشركات ملزمة بمعايير المحاسبة والرقابة» بحكم القوانين الحالية، مشدداً على أنّ من الأفضل تعديل النظام الضريبي الحالي «غير العادل والفاسد» ليشمل الأنشطة البترولية، بدل استحداث قانون جديد بالكامل. يقترح صالح رفع الضريبة على أرباح الشركات وجعلها تصاعدية، مشيراً إلى أن الإعفاءات من رسم الطابع والضرائب على العقارات الواردة في مشروع القانون «خيار سياسي» لا يوافق عليه.
الضريبة على توزيع الأرباح بحسب مشروع القانون منخفضة جداً، مقارنة بقبرص و«إسرائيل»، حيث تراوح بين 25 و30%، لفت الباحث الاقتصادي غازي وزنة، عازياً ذلك إلى السياسة التي ترى في منح التسهيلات لجذب الشركات المستثمرة الاعتبار الأهم، «كأن لذلك الأولولية على حقوق الوطن والمواطنين». «يصعب محاسبة شركات أضخم من دول»، يقول وزني، مؤكداً أن الخيار الأسلم في هذه الحالة رفع الاتاوة لتأمين مدخول مضمون وثابت، مشيراً إلى أن معدل الاتاوة الذي ينص عليه مشروع القانون منخفض، وأن نسب الغتاوات عالمياً تصل إلى 20%، بمعدل وسطي يبلغ 10%.
يشارك كمال حمدان، الباحث الاقتصادي ورئيس مركز البحوث والاستشارات، وزني الرأي، فيشكك في قدرة الدولة، ببناها الاقتصادية والإدارية الهشة، على مراقبة «مستثمرين لهم 100 سنة من الخبرة»، داعياً أيضاً «للتعويض» عن ذلك بتعظيم نسبة الاتاوة من سلة عائدات الدولة، لأنه «لا دولة ولا شفافية»، ولا قدرة للنظام الطائفي ذي المكونات المرتبطة بالراعي الخارجي على «التعامل المتكافئ مع الشركات». يبدي حمدان توجسه من غياب «الاطلاع التفصيلي على الفرضيات» المتعلقة باحتياطات الغاز وظروف استخراجها، محذراً من أن «للأكمة ما وراءها»، ويدعو أيضاً إلى رفع ضريبة الدخل وجعلها تصاعدية، «لأنها في المستويات الدنيا». الخيارات في السياسات الاقتصادية باتت محدودة جداً في الظرف الراهن، فـ«إما إعادة النظر بالنظام الضريبي، أو طبع العملة»، يؤكد حمدان، مشدداً على ضرورة انتهاج سياسة نفطية تعطي الأولوية للأثر الاجتماعي الاقتصادي عبر الاستثمار في الصناعات البترولية وفي الخدمات الأساسية كالتعليم، والتركيز على كيفية الحؤول دون تحول النفط إلى «جزيرة» منعزلة عن المجتمع واقتصاده.