IMLebanon

ما الرابط بين زيارة كيم وإقرار «السلسلة»؟

Joumhouriya-Leb
انطوان فرح
تبدو زيارة رئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم اليوم الى بيروت في توقيتها السليم، لأنها قد تدفع المجتمع الدولي الى التعاطُّف بفعالية مع الوضع اللبناني، وإقرار برنامج مساعدات أكثر سخاء وواقعية، ارتباطاً بالكلفة الاقتصادية التي يتحمّلها البلد جراء أزمة النزوح السوري العشوائي الى أراضيه.

سوف يتمكّن الرئيس الثاني عشر للبنك الدولي، وهو الطبيب والفيلسوف في «مجال علم الإنسان»، (الأنثروبولوجيا)، والذي كرّس نفسه لخدمة التنمية الدولية لأكثر من عقدين من الزمن، ساعد خلالها في تحسين حياة السكان الذين يعانون من نقص الخدمات على مستوى العالم، من الاطلاع ميدانيا خلال زيارته لبيروت، على ثلاثة أمور رئيسية :

اولا- معاناة الاقتصاد اللبناني، جراء تحمّل التكلفة المرتفعة للنزوح السوري بكل تفرعاته، وعلى كل المستويات.

ثانيا – معاناة اللاجئين أنفسهم وظروف الحياة الصعبة التي يعيشون فيها على الأراضي اللبنانية.

ثالثا – ألأزمة المالية المزمنة، المرتبطة بمالية الدولة التي تتجه نحو المزيد من التعقيدات، وتقترب من خط الانهيار، من دون «جميلة» تأثيرات النزوح السوري.

وفي هذا الاطار، ورغم ان البلد يعيش بلا موازنات منذ عشر سنوات، وهي فترة قياسية، قد تكون فريدة من نوعها في العالم، الا ان مشاريع الموازنات التي ظلت حبرا على ورق، تتحدث عن نفسها، وتعطي الزائر فكرة موضوعية عن حقيقة الوضع المالي للدولة اللبنانية.
وقد يكون من محاسن الصُدف، ان وزير المالية علي حسن خليل، ورغم علمه المسبق ان لا أمل في إقرار موازنات في هذا الظرف، قد أنجز على الورق، مشروع موازنة للعام 2014، تستطيع أرقامه أن تُنبّه الجميع، بمن فيهم الزائر الدولي، الى عدم قدرة الدولة على تحمّل المزيد، وحاجتها الى علاجات مالية طارئة، لتحاشي مواصلة الانحدار نحو الهاوية.
ومن دون التمحيص في تفاصيل ما رسمه وزير المال لأرقام العام 2014 من نفقات وايرادات، يمكن الاكتفاء بالعنوان العريض، لاكتشاف المخاطر المالية التي أصبحت على وشك التحوّل الى كارثة على المستوى الوطني. اذ يلحظ مشروع الموازنة، زيادة الانفاق بحوالي ملياري دولار مقارنة بأرقام الانفاق في العام 2013.
والمشكلة في هذا الرقم الاضافي انه لا يشمل زيادة في الانفاق الاستثماري، بما يعني ان الدولة لا تستطيع أن تسعى الى خفض هذا الرقم، وهي امام احتمالين لا ثالث لهما: اما ان تعمد الى زيادة الايرادات بالنسبة نفسها لتحافظ على نسبة العجز القائم. واما ان تتصرّف كما فعلت في السنتين الماضيتين من خلال زيادة الانفاق، وعدم التمكّن من إقرار وسائل زيادة الايرادات، بما يؤدّي حكماً الى زيادة نسب العجز، وبالتالي، ارتفاع وتيرة نمو الدين العام الذي تجاوز عتبة الـ65 مليار دولار. يأتي ذلك في ظل نمو اقتصادي شبه سلبي لن يزيد في أحسن الحالات عن 2 في المئة، وقد يتراجع الى 1 في المئة، أو ما دون ذلك.
في مواجهة الخيارين، تبدو القرارات التي قد يتم اتخاذها موجعة وقاسية، وقد تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي برمته، وعلى القدرة الشرائية للمواطن. وينبغي عدم إغفال حقيقة أن الخيارات لن تكون ميسّرة، على اعتبار ان فرض ضرائب ورسوم جديدة يحتاج اولا الى تشريع. وكما هو الوضع اليوم، لا يبدو ان المجلس النيابي قادرا على التشريع، قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. كما ان فرض الضرائب على القطاعات قد يؤدي عمليا الى ركود اضافي في الحركة الاقتصادية، وهذا الأمر لن يكون في مصلحة الاقتصاد الوطني.
لكن بين الخيارين، واذا كان لا بد من اعتماد أحدهما، على اعتبار ان الخيارات الاخرى المرتبطة بوقف الهدر، ومعالجة مشكلة الكهرباء، غير متاحة واقعياً لاعتبارات غير منطقية لكنها قائمة ولا يمكن تجاوزها، يبقى خيار فرض الضرائب والرسوم هو الاقل ضررا لئلا تواجه المالية العامة خطر الانهيار والافلاس، ونحن على ابواب دراسة تصنيف ائتماني جديد للدولة من قبل مؤسسات التصنيف الدولية.
بناء على هذا الواقع، والتشابُّك القائم بين التوازنات السياسية، والعشوائية في رسم السياسات المالية، والعجز عن الاصلاح، كل ذلك يقود الى الاعتقاد ان الدولة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية قد تكون مضطرة الى إقرار سلسلة الرتب والرواتب، بأرقام مخفضة جدا، لكي تُتاح لها فرصة تمرير الضرائب والرسوم الجديدة، لتغطية الانفاق الاضافي (مليارا دولار)، لضمان عدم انهيار المالية العامة.
وهي لا ترغب في أن يخرج رئيس البنك الدولي بانطباع مفاده ان مالية الدولة تتجه نحو الافلاس، ولو انه ليس هنا لمراقبة المال العام، بل لمتابعة اوضاع النازحين، لكن صلة الوصل بين البنك الدولي وصندوق النقد قائمة. ومن هنا ستسعى السلطات اللبنانية الى تقديم صورة مقبولة، وسيكون عليها اقناع الزائر بأن ما رسمته على الورق في مشروع موازنة 2014 سيتم تطبيقه.
وبالتالي، قد يشكل هذا الوضع نوعا من «ضربة حظ» لهيئة التنسيق النقابية، في حال نجحت المساعي القائمة حاليا، للتفاهم على مشروع «السلسلة» بهدف إقرارها في بند وحيد في المجلس النيابي، مع الاتفاق ضمناً على ممارسة ضغوطات سياسية لسحب هيئة التنسيق من الشارع، ومن ثم إقفال باب التشريع بانتظار الحدث السعيد المتمثل بسد الشغور الرئاسي، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
المصدر: الجمهورية