IMLebanon

الحكومة تتلطى خلف البنك الدولي: «خصخصة» الكهرباء قريبا

Akhbar
نادر صباغ

انهى رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم اتصالاته في بيروت امس، الا ان ما تسرّب عنها كشف ان مضمونها يتجاوز كثيرا اهداف الزيارة المعلنة لدعم لبنان في مواجهة ضغوط اللاجئين السوريين، فالاتصالات الجدّية تركزت على سبل دعم الحكومة لاطلاق اوسع عمليات الخصخصة في الكهرباء والمياه وقطاعات اخرى

حتى على البنك الدولي، «يصعب استيعاب ما يحصل في هذه المنطقة» من العالم. هكذا يستهل رئيس البنك جيم يونغ كيم كلامه في اللقاء الذي جمعه مع عدد من الصحافيين في فندق «موفينبك» أمس بختام زيارة إلى لبنان دامت يومين. «الوضع السياسي في المنطقة حرج للغاية، ولست متفائلا لجهة الوصول إلى حل قريب للأزمة السورية وتداعياتها» يؤكد بكلمات مختصرة.

قد لا يكون كيم يشبه أسلافه ممن تعاقبوا على رئاسة البنك، إلا أن الرجل الآتي من عالم الطب والعلوم الإنسانية، لا من خلفيات سياسية او اقتصادية، الذي تظاهر يوما ضد المؤسسة التي يرأسها حاليا، لن يقدر على اجتراح المعجزات أمام هذا الكم الهائل من التعقيدات والمتطلبات الكثيرة التي أفرزتها أحداث سوريا، فيها وعلى دول الجوار.
الجولة التي قام بها كيم في المنطقة، ومن ضمنها لبنان جاءت أشبه بمحاولة أراد من خلالها أن يلفت نظر المجتمع الدولي عبر زيارة شخصية لصعوبة الأوضاع في سوريا ولبنان والأردن، ولحث الدول المانحة على دعم جهود لبنان من اجل استيعاب مشكلة النازحين السوريين.
إذا للزيارة هدفان كما هو معلن. الاول: استطلاع تأثير أزمة النازحين السوريين على الوضع في لبنان، والثاني: صياغة خطة مشتركة بين الحكومة اللبنانية والبنك الدولي، في ما يخص موضوع الطاقة، أي الكهرباء والمياه والطاقة المتجددة. وهي الاجندة الخفية التي تحمل اسما فنيا هو «الاصلاحات».

الكهرباء: مرحلة جديدة

في كلامه أمس، تتردد عبارة «لمسنا التزام الحكومة اللبنانية إجراء إصلاحات هيكلية في قطاع الطاقة» في أكثر من موضع. أمر يؤّشر إلى أن رؤية البنك الدولي لحل أزمة الطاقة في لبنان عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP ستدخل مرحلة جديدة قد تظهر قريبا، ويبدو أن الظروف السياسية السائدة ستساعد على تمريرها.

الرئيس تمام سلام تعهد أمام رئيس
البنك الدولي إجراء إصلاحات هيكلية في قطاع الكهرباء
فمسؤولو البنك يرون تشابها كبيرا بين حالة لبنان والأردن في موضوع الشراكة التي يمكن أن تقوم بين القطاعين العام والخاص في مشاريع خدماتية عامة، ويشيرون إلى تجارب ناجحة من وجهة نظرهم في هذا الإطار، متمثلة في مشروع مطار الملكة علياء ومشروع توليد الطاقة من الهواء، فلماذا لا تستنسخ التجربة في لبنان؟
في كلامه أمس، يشير كيم إلى أن رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام تعهد أمامه الالتزام بإجراء إصلاحات هيكلية في قطاع الكهرباء، بحيث يصبح التيار متوافرا 24 ساعة يوميا في جميع المناطق. ويؤكد رئيس البنك أمام الصحافيين «هناك الكثير من الحلول المبتكرة في مجال الطاقة التي اعتمدت في العديد من الدول، والتي أعطت نتائج إيجابية، لكن على الحكومة اللبنانية أن تتخذ قرارها…. نحن نقدم التوصيات، ولا نقدم الوصفات الجاهزة للحكومة اللبنانية، بل نساعدها على إيجاد الحلول». ويضيف «لقد أكد المسؤولون في وزارة المالية أنهم سيُجرون الاصلاحات التي من شأنها أن تحل الكثير من المشكلات الحالية».
مسؤولو البنك الذين رافقوا كيم في زيارته، أكدوا أمس أنه جرى التوافق مع الجانب اللبناني على إجراء عدد من الاصلاحات التي ستطاول عمل الحكومة ومؤسسات القطاع العام، وأن مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص PPP لا يعني خصخصة هذه القطاعات، وخاصة في مجال الكهرباء والمياه، مع تسجيلهم ملاحظة لافتة، وهي أنهم لمسوا اهتماما كبيرا من قبل القطاع الخاص اللبناني للمشاركة في الاستثمار بمشاريع الكهرباء والمياه، وهو أمر مشجع كثيرا برأيهم.

سوريا بالأقمار الاصطناعية

برأي كيم «يقف الشرق الأوسط اليوم أمام مفترق طرق… فهناك احتمال بأن تزداد حدة الأزمات السياسية التي تشهدها المنطقة منذ ثلاث سنوات، وأن ترتفع وتيرة عنف الصراع، وأن تستمر الأوضاع الاقتصادية في التدهور، مع احتمال انتشار الأزمة إلى البلدان المجاورة، لكن يجب أن نلتزم احتمالا آخر أكثر تفاؤلا للمنطقة، وهو الاستفادة من إمكاناتها بتحقيق نمو مستدام».
على صعيد الأزمة السورية، يقر رئيس البنك الدولي بأنها أمر معقد جداً، ويدخل فيها الكثير من اللاعبين الدوليين الذين يؤثرون في قضية المانحين، لذلك تجد من الطبيعي والمستغرب في آن واحد أن يُجمع فقط مبلغ 20 مليون دولار أميركي لصندوق دعم لبنان، فيما الحاجات كبيرة جدا.
تشير تقديرات منظمة «الأسكوا»، التي خرجت بها منذ نحو 4 أشهر الى ان كلفة إعادة إعمار سوريا ستتخطى عتبة 150 مليار دولار، لكن ليس للبنك الدولي أية تقديرات دقيقة حول الحجم الفعلي لأكلاف إعادة إعمار سوريا، «فالبلد في حالة حرب، ونحن نعتمد على الصور التي نحصل عليها عبر الاقمار الاصطناعية لنعرف ماذا يجري هناك. عملية إعادة إعمار سوريا تتطلب إنشاء صناديق كبرى، ولا يمكننا أن ننتظر التوصل إلى حل سياسي حتى نبدأ بالعمل، علينا وضع تصور لما ستؤول إليه المنطقة في المستقبل».
وردا على سؤال عما إذا بقي الاسد في سدة الرئاسة، فهل سيتدخل البنك الدولي في عملية إعادة الاعمار، يجيب «سننتظر إلى حين قيام حكومة معترف بها دوليا، فنحن لا نعرف بعد رد فعل المجتمع الدولي حيال هذا الموضوع، الامر سيستغرق وقتا إلى حين التوصّل إلى توافق دولي».

أهداف الزيارة المعلنة

الزيارة التي انتهت أمس رمت إلى استيضاح المرحلة الاقتصادية الراهنة القصيرة المدى في لبنان، تمهيداً للتقرير الذي سيضعه خبراء البنك المختصون حول آفاق الاقتصاد اللبناني والتحديات التي يواجهها، وذلك انطلاقاً من تأثير الاقتصاد اللبناني على الوضع المعيشي. ومن المنتظر أن يعرض التقرير أيضاً ملف سلسلة الرتب والرواتب وتداعياتها على المالية العامة في لبنان، والإصلاحات المطلوبة لمواجهة التحديات لرفع نسب النمو وتأمين التوازن في مالية الدولة.
يقول كيم «نحن هنا لنبحث في سبل تلبية الحاجات الملحة، ولا سيما على صعيد الاصلاحات في قطاعات مختلفة، ولتحفيز النمو الاقتصادي ودعم الاستراتيجيات على المدى المتوسط والطويل، التي تشمل الجميع».
وزار كيم السعودية ولبنان والأردن لمدة أربعة أيام، وقال إن رسائله الرئيسية خلال هذه الزيارة تتركز على أهمية علاقات الشراكة، والحكم الرشيد، والشفافية، وتوفير فرص العمل للنساء والشباب.
وكان البنك الدولي قد اجرى تقويما للأثر الناجم عن لجوء عدد من السوريين الى لبنان يقارب ربع سكانه، وخلص الى أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 2.9 في المئة سنوياً بين عامي 2012 و2014، وإضافة إلى ذلك، وخلال ذلك الوقت، وقع 170 ألف لبناني في براثن الفقر، وتضاعف معدل البطالة إلى أكثر من 20 في المئة، وقُدر إجمالي الخسائر الاقتصادية في كل من القطاعين العام والخاص بنحو 7.5 مليارات دولار.