IMLebanon

كيم للحكومة: لإصلاحات لا ترتبط بالأزمة السورية

Safir
باسكال صوما

ترتدي زيارة رئيس «البنك الدولي» جيم يونغ كيم للبنان، طابعاً خاصاً، لا سيما في ظلّ تفاقم أزمة النزوح السوري إلى لبنان من جهة، والتدهور الذي يعيشه الاقتصاد اللبناني من جهةٍ أخرى. هاتان النقطتان إضافة إلى مواضيع الطاقة والبنى التحتية، أبرز ما جاء في لقاءات كيم مع كل من رئيس الحكومة تمام سلام ووزيري المال علي حسن خليل والاقتصاد والتجارة آلان حكيم الذي استقبله في «مطار رفيق الحريري الدولي».
وتكشف مصادر مالية ومصرفية لـ«السفير» أن «أهمية الزيارة تعكس استمرارية متابعة المؤسسات الدولية لقرارات الدولة اللبنانية، والحثّ على الاصلاحات الضروية المتاحة في ظل الظروف الأمنية والسياسية المحلية والإقليمية، تلافياً لتعرض مالية الدولة لتخفيض جديد لتصنيف لبنان المالي والتقليل من مخاطره».
وتلفت هذه المصادر الانتباه إلى «أهمية ما أشار إليه وفد البنك الدولي حول قدرة لبنان على الصمود وتحمل أعباء النازحين السوريين في ظل أزمته الاقتصادية والمالية».
لعل أبرز ما جاء في جولة كيم أمس، هو تشديده أمام سلام، على ضرورة «رفع الدعم المالي في لبنان»، داعياً في الوقت نفسه، «الحكومة اللبنانية إلى القيام بإصلاحات»، ما دفع سلام للقول صراحةً: «نحن غير قادرين على تحمل عبء النزوح السوري وحدنا، فلبنان غير قادر على تلبية الاحتياجات الملحة والمتزايدة يومياً، في مجالات الصحة والتربية والكهرباء والمياه والبنى التحتية والخدمات العامة والأمن».
أزمة متعددة الجوانب
رأى سلام خلال لقائه مع سفراء الدول المانحة وكيم، أن «أهمية الدعم الدولي تتخطى دقة وحراجة موضوع مصيري يخصّ الشعب اللبناني، إنما تعني تفادي أزمة متعددة الجوانب، متشعبة الخصائص، قد تتفشى في المنطقة إلى حدود يصعب تقديرها اليوم». وأبرز دور الآلية التي وضعتها مجموعة الدعم الدولية، التي تتمثل بصندوق ائتماني لتمويل برامج ومشاريع كفيلة بالحد من تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، وتساهم بكبح الانزلاق إلى اضطرابات أمنية».
وأكد سلام أن «لبنان اليوم في حاجة ماسة وملحة إلى دعم كبير وسريع وفاعل من قبل الأسرة الدولية كي يتمكن من منع انهيار الهيكل الاقتصادي، وما لذلك من انعكاس على الأوضاع الإنسانية وعلى الأمن والاستقرار، ولكي ينجح، في إعادة المستويات المعيشية والخدماتية إلى ما كانت عليه».
ولفت الانتباه إلى أن «لبنان جهد على مدى عقود، لوضع نظام مالي أمّن له حماية تامة من الأزمة العالمية، حيث حقق الاقتصاد اللبناني نسب نمو بمعدل 8 في المئة على مدى السنوات الصعبة حين كان العالم يتخبط بعاصفة مصرفية متشعبة الجوانب والتأثيرات». ثمّ استدرك، مشيراً إلى أن «الأزمة السورية التي بدأت في العام 2011، شكّلت نقطة انطلاق لتحول معاكس ومفاجئ في هذا الاتجاه التنموي».
وأضاف: «عانى لبنان، ولا يزال، من انخفاض ملموس في النشاط الاقتصادي يصيب جميع القطاعات الأساسية ويترجم بخسارة فعلية في المداخيل، من أجور وأرباح وضرائب، ستناهز سبعة مليارات ونصف مليار دولار بين العامين 2012 و2014».
ولم ينس سلام التطرّق إلى ضرورة «الاستمرار في خلق الأجواء اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت، احتراماً للدستور وتطبيقاً لمبدأ تداول السلطة».
تكاليف الأزمة السورية
في المقابل، شدد ممثل الأمين العام لـ«الأمم المتحدة» ديريك بلامبلي على «أهمية الشراكة بين الأمم المتحدة والبنك الدولي والحكومة اللبنانية لتنفيذ وتلبية الطلبات وبذل مختلف الجهود في السنوات الماضية». وأثار مسألة تكاليف «الأزمة السورية على لبنان التي تقدّر بـ 2.6 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من السكان أصبحوا تحت خط الفقر نتيجة الأزمة».
وإذ أشار إلى أنه «منذ 25 أيلول الماضي تزايد ضغط النزوح السوري إلى لبنان»، أكد «وجود ضغوط ومشكلات بين السكان المحليين الذين يستضيفون النازحين في البقاع والشمال، والنازحين».
خطة طريق للنمو
من جهته أبرز كيم أهمية «خارطة الطريق التي وضعها البنك الدولي مع الحكومة اللبنانية، وهي عبارة عن خطة لا تركز على استجابات للتنمية المباشرة فقط، بل أيضاً على بناء وإنشاء أسس النمو والازدهار لهذا البلد في المستقبل». وتحدث عن ضرورة قيام الحكومة بإصلاحات ضرورية لا ترتبط بالأزمة السورية، وقال: «ما زال العمل طويلا أمامنا خصوصاً في مجال الطاقة والنقل والتواصل والمواصلات».
ودعا كيم إلى ضرورة قيام الحكومة بإصلاحات في مجالات الماء والكهرباء والنقل والاتصالات، كي يكون لبنان في مسار يسمح له باختبار النمو الاقتصادي الذي يشمل الجميع والذي يستحقه هذا البلد».
الطاقة والبنى التحتية
في اجتماعه مع خليل شبّه كيم الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين بأعداد المهاجرين المكسيكيين التي تدخل إلى الولايات المتحدة وتشكل ضغوطاً اجتماعية واقتصادية كبيرة، لافتاً الانتباه إلى أن استقبال لبنان اللاجئين السوريين هو أمر مهم، وخدمة كبيرة ناب فيها عن معظم دول ومؤسسات العالم.
وناقش كيم مع خليل ضرورة توسيع التعاون في العديد من المشاريع الجديدة القائمة خصوصاً في مجالي الطاقة والمياه، متمنياً أن «تتقدم هذه المشاريع بين لبنان والبنك الدولي لتحسين البنى التحتية لهذا البلد لا سيما مع وجود النازحين السوريين».
من جهته، أكّد خليل «التزام البنك الدولي مساعدة لبنان في قضية النازحين، ما يعكس التزام ومسؤولية المجتمع الدولي تجاه هذه القضية التي تتجاوز حدود وإمكانيات لبنان». ورأى أن «تجربة لبنان في المرحلة الماضية كانت صعبة، إذ لم يتلقَّ مساعدات كافية لتغطية هذه المسؤولية».
وقال: «أكدنا ضرورة توسيع التعاون في المشاريع التي تساعد لبنان على تجاوز الثغرات والعقبات في بناه التحتية، لا سيما في مشاريع الكهرباء والمياه، ما يساعد لبنان على إعادة تصحيح وضعه المالي».
الأسر الأكثر فقراً
في موازاة ذلك، اطّلع كيم على سير العمل في «مركز الخدمات الإنمائية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية ـ البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً»، في برج حمود، وعلى عدد من المدارس التي تستقبل أطفالاً نازحين، ترافقه نائبة الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنجيلا اندرسون، المدير التنفيذي للبنك الدولي ميرزا حسن ومدير «دائرة الشرق الأوسط» فريد بلحاج.
في هذا الإطار، أكّد كيم أمام مديرة المركز برناديت كريدي وممثل وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور جان مراد على «حاجة لبنان إلى زيادة الدعم لمساعدة المواطنين اللبنانيين، والنازحين السوريين». وحذر من أن «الوضع الاجتماعي مهدد بالتفاقم إن لم تتم معالجته بسرعة وبالدعم المناسب لاستيعاب تأثيرات توافد النازحين إلى الأراضي اللبنانية».
وإذ كشف أن «بلايين الدولارات تصرف لتغطية نفقات اللاجئين، إضافةً إلى البرامج التي تطبَّق على الأرض»، أوضح أن «الحاجة ليست الى توفير البنى التحتية لمراكز المساعدات فقط، بل تتعداها الى توفير الأدوية». وقال: «سأحمل الرسالة الآتية الى العالم: الجهود البشرية المبذولة هنا جبّارة ولا ينقص إلا المزيد من الدعم المالي».
ندوة مع الطلاب
في سياق متصل، عقد كيم ندوة مع طلاب لبنانيين في وزارة التربية والتعليم العالي، حيث أجاب عن أسئلة الطلاب الذين قدموا من أكثر من جامعة وأكاديمية. وتطرّق بشكلٍ أساسيّ إلى «تأثير الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني بقطاعاته كافة»، مؤكّداً «دعم البنك الدولي للبنان واستمراره في تقديم الدعم للنازحين». وأمل أن «يتحقق الحلّ السلمي في سوريا قريباً، حتى يعود النازحون إلى سوريا».
وكان حكيم الذي استقبل وفد البنك الدولي في المطار، قد شدد على أهمية «الزيارة اقتصادياً للبنان، لا سيما في سياق جهود تحفيز الاقتصاد اللبناني». وأوضح أن «هناك هدفين لهذه الزيارة، الهدف الأول: على مستوى اللجوء السوري الذي يشكل عبئاً كبيراً على لبنان، والهدف الثاني: هو وضع خطة مشتركة بين لبنان والبنك الدولي، في ما يخص الطاقة، أي الكهرباء والمياه والطاقة المتجددة».