IMLebanon

«الدولة الفاشلة»: لا قدرة للتعامل مع أزمة النزوح

Akhbar
فراس أبو مصلح

ماذا فعلت الحكومة اللبنانية لمواجهة ضغوط اللاجئين في لبنان؟ في الواقع، لم تفعل شيئاً. وربما هذا هو الجواب الوحيد الذي التقى عليه 4 خبراء شاركوا في ندوة تحت عنوان «سبل تخفيف عبء اللاجئين السوريين» بدعوة من مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية

يطغى سيل التهويل والتحريض في الكلام حول أزمة اللجوء السوري في لبنان على النقاش الهادئ لحقيقة الأزمة وسبل معالجتها أو حتى إدارتها، فيغدو التداول بأعداد النازحين وفعلهم بأرقام المؤشرات الاقتصادية المختلفة وسيلةً للتخويف ومسوّغاً «علمياً» لإطلاق النفير الطائفي والعنصري واستجداء صدقة «المجتمع الدولي»، أكثر منه توخياً للدقة في تناول واقع الأزمة بأبعادها كافة، البنيوية والطارئة.

لم تشذ ندوة بحث «سبل تخفيف عبء اللاجئين السوريين على لبنان» التي عقدها مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية منذ أيام عن النمط السائد هذا، فتجاهلت معظم المقاربات تشوهات الاقتصاد السياسي اللبناني ونموذج «الدولة الفاشلة» غير القادرة على التعامل مع أي نوع من الأزمات، وصورت الأمر «كما لو كان اللبنانيون يعيشون في نعيم» قبل تدفق اللاجئين.
«الأرقام الواقعية للاجئين بلغت ما يقارب 1,442,550 نازحاً»، يقول ربيع الهبر، المدير العام لشركة Statistics Lebanon، مستنكراً أن يتمكن «من دخل عرسال (من النازحين) أن يصبح من سكان برمانا أو أنطلياس أو السكسكية، دون حسيب أو رقيب»(!)، شاكياً أن «نسبة كبيرة قد تفوق الـ 40% من النازحين تأتي من مناطق لا تشهد أعمالاً حربية.
يعدد الهبر أوجه «الواقع السوري المخيف» في لبنان، ومنه أن الولادات لدى اللاجئين بلغت 31 ألفاً عام 2013، مقابل 72 ألفاً لدى المواطنين اللبنانيين عام 2013، متوقعاً أن يتساوى العدد في وقت قريب! يطلق الهبر العنان لسيل الأرقام «المخيفة»، من استهلاك النازحين للخبز والماء والكهرباء، وأعداد سياراتهم وأطفالهم في المدارس، وحتى أعدادهم في السجون.
الأمم المتحدة تمنح النازحين صفة اللجوء، وليس السلطات اللبنانية، يوضح الهبر، مؤكداً أن «لا حق للنازحين بالحصول على المساعدات»، وأن ما تقدمه الدولة اللبنانية، إنما تقدمه «بدافع إنساني» فقط!

تجاهلت معظم المقاربات تشوهات الاقتصاد السياسي
يقترح الهبر تجميع النازحين في مخيمات تحت سلطة الأمم المتحدة، تؤمّن لها الخدمات على نفقة «المانحين» وليس الدولة اللبنانية، قبل ترحيلهم إلى مخيمات تقام في بلداتهم المدمرة فور انتهاء الأعمال الحربية(!)، إضافة إلى استحداث عقود إيجار خاصة للنازحين، لا تزيد مدتها على ثلاثة أشهر، وفرض ضريبة خاصة على العمال منهم، وعلى المؤسسات التي توظفهم، «حفاظاً على تعلق السوري بوطنه الأم»!
تؤدي أزمة النازحين إلى خفض الناتج المحلي القائم 2.9% لكل سنة حرب، أي ما قيمته 7.5 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات، يقول الخبير الاقتصادي في البنك الدولي إبراهيم جمالي، مشيراً إلى تضاعف البطالة جرّاء النزوح إلى أكثر من 20%، وزيادة الإنفاق الحكومي 1.1 مليار دولار، وتدني الإيرادات 1.5 مليار دولار، وذلك بين عامي 2012 و2014، و«دفع 170 ألف لبناني إلى الفقر»، إضافة إلى المليون فقير ما قبل الأزمة.
حاول البنك الدولي والحكومة اللبنانية حث «المجتمع الدولي» على المساعدة، فأنتج الأخير «خريطة طريق للتدخلات ذات الأولوية»، التي تتضمن مساعدة عاجلة قصيرة المدى، كتوسيع «البرنامج الوطني لاستهداف الفقر» (توزّع بموجبه حالياً على بعض العائلات «الأكثر فقراً» في بعض المناطق بطاقات تخوّلهم الحصول على بعض المواد الغذائية)، إلى جانب مشاريع أخرى طويلة الأمد، تتطلب «تغييرات هيكلية جذرية لقطاعات الكهرباء والاتصالات» وغيرها، يوضح جمالي، مشيراً أن لا هبات تقدمها «الدول المانحة»، بل قروض مع «تسهيلات» و«مساعدات تقنية».
المستشار السابق لرئاسة مجلس الوزراء والبنك الدولي، سمير الضاهر، من دعاة «ضبط النزوح وتنظيمه»، وتحديد رزمة للخدمات المقدمة للاجئين بمعايير «لا تشكل امتيازات وحقوق المواطنين معياراً لها»!
يوضح الضاهر أن «الصدمة الاقتصادية» الناتجة من النزوح تأتي لتفاقم أزمة «بلد لم يتعاف من الحرب»، أي لم يعد إنشاء مؤسساته وبناه التحتية.
ما عاد مسموحاً حصر المعالجة باستجداء الجهات المانحة التي «تشح بالدفع وتتباطأ بالتنفيذ»، يقول الضاهر، متحدثاً عن نذر «تحوّل النزوح إلى هجرة اقتصادية، وإقامة طويلة غير قابلة للعكس»، منتقداً غياب السياسة الرسمية إزاء الأزمة، «وكأنها من السحب العابرة»!
لا يمكن القفز فوق نموذج الدولة وطريقة إدارة الشأن العام عند نقاش أزمة اللجوء وآثارها، يقول الزميل محمد زبيب، رئيس قسم المجتمع والاقتصاد في جريدة «الأخبار»، مؤكداً انتفاء القدرة على التعامل مع الأزمة بنموذج الدولة القائم، الذي وصفه الباحث القانوني داود خيرالله بنموذج «الدولة الفاشلة»، حيث لا مؤسسات منتظمة وفاعلة.
«يتم التعامل مع أزمة اللجوء «كما لو كان اللبنانيون في نعيم» قبلها، يقول زبيب، مؤكداً أن الاختلالات الموجودة أساساً في بنية الدولة واقتصادها السياسي كانت سبباً رئيسياً للصراعات التي انفجرت في سوريا وكيانات عربية أخرى، والتي تتحمل مسؤوليتها سياسة تشجيع الريع على حساب القطاعات الإنتاجية، ما أدى إلى إفقار الريف وتهجير أبنائه إلى المدن. نموذج الدولة تلك غير قادر على التعامل مع أي تحدّ، مصيرياً كان أو عَرَضياً، يجزم زبيب، مؤكداً أن الشأن العام في لبنان يدار من قبل قوى ليس لديها أي رؤية لمقاربة الأزمة أو أي من الشؤون الحياتية.
ممنوع أن ينفرد البنك الدولي بتحديد السياسات الوطنية، يقول زبيب، داعياً إلى التعامل مع اللجوء كأمر واقع، و«استثمار المزايا» الموجودة في الكيانين اللبناني والسوري، كأن يتم وضع خطة لتحفيز السوريين الصامدين في بلداتهم على الاستمرار بالإنتاج الزراعي، عبر إنشاء مؤسسات في لبنان للاستثمار في الصناعات التحويلية للمواد الأولية السورية؛ وشرط ذلك إعادة النظر بطبيعة الدولة والاقتصاد، وإن في إطار مفاهيم الرأسمالية الليبرالية نفسها.