IMLebanon

%50 من المتخرّجين يهاجرون و34 % نحو البطالة…مدخول العائلة 1.5 والمصروف 3 ملايين ليرة!

Safir

باسكال صوما

تواصل تكاليف الحياة اتجاهها التصاعدي، كذلك نسب البطالة والفقر والأقساط والفواتير على أنواعها، مقابل مداخيل تراوح مكانها في أحسن الأحوال، وتتراجع في العديد من القطاعات.
اليوم يجد العامل اللبناني نفسه أمام ضرائب جديدة يلوّح لها في الأفق؛ من ارتفاع أقساط المدارس، إلى قانون الإيجارات وسط أزمة سكن كبيرة، حيث أرخص شقة في ضواحي بيروت لا يقلّ سعرها عن 150 ألف دولار.
أما ما يتعلق بتوافر فرص العمل، فإنّ ما بين 40 و50 في المئة من الشباب المتخرّجين يهاجرون سنوياً بحثاً عن فرصة عمل، وفق ما يكشفه الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي لـ«السفير»، مشيراً في الوقت نفسه، إلى أن معدل البطالة العامة يتجاوز الـ20 في المئة، بينما البطالة بين الشباب تصل إلى أكثر من 34 في المئة.
يرى يشوعي أنه «في ظل الانكماش الاقتصادي المتواصل والخطير الذي يعيشه لبنان، كان لا بدّ على الحكومات والوزارات المعنية أن تتخذ الإجراءات اللازمة وتعتمد السياسات الاقتصادية الإصلاحية، حتى لا نصل إلى ما نحن عليه اليوم».
وإذ يأسف لتفاقم معدّلات البطالة لا سيما بين الشباب، يطالب الدولة «بفتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار، والتزام إنتاج الكهرباء والنقل العام والمياه وغيرها، ما ينظّم هذه القطاعات ويفسح المجال لفرص عمل جديدة».
على الرغم من إبدائه بعض التفاؤل مع «توقع عودة السيّاح إلى لبنان هذا الصيف»، يشدّد يشوعي على ضرورة «تأمين التقديمات الاجتماعية للمواطنين الذين يتحمّلون أكثر من طاقتهم، في زمن الحروب واللااستقرار الإقليمي»، داعياً إلى «وضع موازنة داخلية، لوقف الهدر وتوزيع الموارد والأموال كما يجب».
ويلفت في الوقت نفسه الانتباه إلى «أهميّة تطبيق اللامركزية الإدارية عبر انتخاب مجالس للأقضية، وحكومات تنموية في المناطق تهتمّ بالشؤون الصحية وفرض الضرائب، وتوقيع العقود مع القطاع الخاص».
«كل شي غالي»
أمام هذا الوضع الاقتصادي الذي يزداد قتامة، ترتفع صرخات العائلات التي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأعباء. فليلى الخوري (أرملة وأم لثلاثة أطفال) تقول لـ«السفير»: «كل شي غالٍ»، موضحة أنها «بعدما فقدت الأمل في الحصول على وظيفة تكفي لتأمين المصاريف، باتت تمارس أكثر من عمل». تعمل الخوري في تنظيف البيوت والطبخ بعد الظهر، وقبل الظهر في مكتب لاستقدام الخدم، إذ تردّ على الاتصالات وتدوّن المواعيد، إضافةً إلى عملها في الخياطة والتطريز.
تستدرك الخوري مؤكّدةً أنّ «ما تجنيه لا يكفي لسدّ حاجاتها وحاجات أسرتها، علماً بأنّ قسط تلميذ واحد في المدرسة يفوق المليوني ليرة سنوياً كحدٍّ أدنى، تضاف إليه تكاليف الكتب والقرطاسية والتنقل من المدرسة وإليها، وغير ذلك».
مصاريف الخوري الشهرية تتخطى الـ3 ملايين ليرة، فيما مدخولها لا يتعدّى المليون ونصف المليون ليرة. إذ تدّخر شهرياً 500 ألف ليرة، لتستطيع دفع أقساط أولادها المدرسية التي تتعدّى الـ6 ملايين ليرة سنوياً، و150 ألف ليرة شهرياً للسائق الذي يقلّ أولادها إلى المدرسة. وبذلك يبقى لها 850 ألف ليرة.
الفاتورة الغذائية
بالنسبة لمصاريف المواد الغذائية، تحتاج الخوري وعائلتها إلى 20 ربطة خبز كل شهر (30 ألف ليرة)، زجاجة زيت الزيتــون (8 آلاف ليرة)، حبوب (فاصوليا، أرز، عدس، ملح، سكر) حوالي 50 ألف ليرة. ومن 4 إلى 5 كلغ لحمة غنم أو بقر شهريًّا، علماً أن سعر كيلو الغنم 30 ألف ليرة، ولحم البقر 15 ألف ليرة. يُضاف إلى ذلك الخضار والفاكهة التي تكلّف الخوري ما لا يقل عن 100 ألف ليرة شهرياً حدًا أدنى، إلى جانب الألبان والأجبان (كيلو لبنة بلدية 7 آلاف ليرة، وجبنة عكاوي على سبيل المثال 8 آلاف ليرة). وبذلك تبلغ الفاتورة الغذائية ما لا يقلّ عن 300 ألف ليرة شهرياً، كحدٍّ أدنى.
هذا طبعاً قبل الحديث عن فواتير الكهرباء (حوالي 80 ألف ليرة شهريًّا) واشتراك المولد الخاص (150 ألف ليرة)، ومياه الشرب (50 ألف ليرة).
الخوري التي تسكن حالياً في منزل إيجاره قديم (100 ألف شهرياً)، تسأل: «إذا نفذ حكم الإعدام بحق المستأجرين، أين أعيش أنا وأولادي ومن أي مدخولٍ ندفع الإيجار الجديد؟».
حتى الآن يكون الحساب التقريبيّ لمصاريف الخوري الشهرية حوالي مليون و300 ألف ليرة، قبل التطرّق إلى اللباس ومصاريف تنقلها وأسرتها، إذ تشير الخوري التي تملك سيارة صغيرة أنّ «مصروف البنزين الشهريّ لا يقلّ عن 300 ألف ليرة»، موضحة أنها «تضطرّ إلى الاستدانة لشراء حاجيات أولادها، وتغرق في الديون من شهرٍ إلى شهر».
الهجرة هي الحل؟
قصّة الخوري شبيهةٌ بكثيرين من أصحاب الدخل المحدود، في بلدٍ تغيب عنه التقديمات الاجتماعية، أو تأتي منقوصةً في أحسن الأحوال.
أما ناجي خياط الذي يعتني بأهله وأخيه المريض، فلا يجد سبيلاً للاستمرار سوى الهجرة. ويوضح لـ«السفير» أنه «يعمل منذ ثلاث سنوات في مستشفى في بيروت وما زال يتقاضى الراتب نفسه وهو مليون و200 ألف ليرة»، يدفع منها 300 ألف ليرة للأدوية، وبما تبقى من الراتب عليه أن يؤمّن حاجات عائلته.
يسأل خياط: «هل من الإنصاف أن يتقاضى خريج إدارة أعمال هذا الراتب ولا يستطيع عيش حياة كريمة؟». ويضيف: «في أغلب الأشهر، أضطرّ للاستدانة، فأشتري المواد الغذائية والحاجات الأساسية بالدين، لأنّ راتبي لا يكفي أكثر من منتصف الشهر».
في موازاة ذلك، لم تتجاوز معدّلات النمو الـ1 في المئة في العام 2013، ودفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة 170 ألف لبناني إلى ما دون خطّ الفقر، بالإضافة إلى مليون لبناني يعيشون تحت هذا الخط حالياً. في المقابل يبقى الحدّ الأدنى للأجور 675 ألف ليرة، لا يكفي بطبيعة الحال لسدّ الحاجات الأساسية من طعامٍ وشراب.