IMLebanon

بريطانيا.. الرذيلة في حساب الناتج المحلي الإجمالي

Great-Britain-Flag-great-br
تيم هارتفورد
الخبر السار هو أن اقتصاد المملكة المتحدة على وشك أن ينمو بنسبة 5 في المائة. والخبر السيئ هو أن هذا النمو لا يعكس فعلياً نمواً اقتصادياً وإنما تغيير في التعريفات الإحصائية. والخبر الغريب هو أن هذا يحدث في جزء منه بسبب متطلبات المعايير الإحصائية الأوروبية التي تقضي بأن الإنفاق على الكوكايين والرذيلة يجب أن يظهر في الإحصاءات الرسمية للمملكة المتحدة.
عند هذه المرحلة تستطيع أن ترفع حاجبك علامة على الاندهاش. وتذكر أن الاقتصاد اليوناني نما بنسبة 25 في المائة بعد شمول الإحصاء الرسمي في البلاد على العمل في مجال الرذيلة والمخدرات غير المشروعة ضمن تقديراتها للنشاط الاقتصادي – وهي الخطوة التي أدت، ومن خلال مصادفة مدهشة، إلى تحسين صورة العجز في ميزانية البلاد. كان ذلك في أيلول (سبتمبر) 2006، لكن التطورات لم تسر سيراً حسناً منذ ذلك الحين.
ومن المؤكّد أن مكتب الإحصاءات الوطنية لديه فقط شعور غامض إلى حدٍ كبيرٍ بشأن ما يجري في المناطق السفلى للاقتصاد البريطاني.
يشعر النقاد أن هذا بعيد عن الموضوع. لماذا يجب أن نحتفل بالعاملين في مجال المخدرات والجنس من خلال تخليدهم في الحسابات الوطنية؟ لكن مثل هذه الانتقادات مشوشة بطريقة تؤثّر أكثر بكثير من هذه المراجعة الإحصائية بالذات.
نحن بحاجة إلى فهم ثلاثة أشياء حول إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي:
أولاً، الناتج المحلي الإجمالي نفسه صعب الوصف – إنه محاولة تركيبية، لأغراض عملية، حول أمر يعد بحد ذاته عصياً على الوصف.
ثانياً، الحسابات القومية ليست مصممة لإعطاء جولة من التصفيق للأشياء الجيدة والصراخ بصوت عالٍ ضد الأشياء السيئة. ومن المفترض أنها لقياس التعاملات الاقتصادية.
وثالثاً، أي شخص يفكر في أن الساسة يحاولون تعظيم الناتج المحلي الإجمالي، فإنه لم يكن ينتبه كثيراً لما يفعله السياسيون.
قبل مائة عام، وإذا كنت قد سألت شخصاً ما، “كيف هي حال الاقتصاد؟”، لا أحد كان سيفهم ما كنت تقوله. آنذاك كان الاقتصاديون يحاولون تتبع إنتاج الفحم، أو عدد الأشخاص الذين يعملون في الوظائف. لكن فكرة وضع جميع المعاملات الاقتصادية في مفهوم حزمة واحدة كبيرة ومحاولة قياس ما مدى حجم هذه الحزمة؟ فهذا اختراع أحدث وأكثر جذرية إلى حد بعيد. عندما حاول الاقتصاديون، مثل سيمون كوزنتس، في البداية حساب الدخل القومي في الثلاثينيات من القرن الماضي، كانوا يحاولون فهم الأعطال من فترة الكساد الكبير، وقياس القدرة الإنتاجية المحتملة للاقتصاد الذي كان يستعد للحرب.
استخدام وطحن الأرقام كان دائماً له هدف. كانت الحكومات تحاول معرفة حجم الاقتصادات، كما يحاول الجزار معرفة حجم بقرة. فجأة أصبحوا يأخذون القياسات على الطريقة التي يأخذ بها الطبيب النبض.
وليام الفاتح في كتاب “يوم القيامة”، وهو السجل المعتمد لملكية الأراضي في أوقات الغزو النورماندي، استبدل به الكتاب الأزرق للحسابات القومية في مكتب الإحصاءات الوطنية. وصممت الجهود الجديدة لهذه المنظمة من أجل معرفة كم من المال كسبت وكم صرفت – جزئياً لغرض المقارنة الدولية – وهو أمر سليم تماماً أن يشمل هذا جميع المعاملات الطوعية، حتى غير المعلنة أو غير القانونية.
هذا الخطأ يعود إلى الوراء على الأقل إلى فترة خطاب ألقاه روبرت كينيدي في آذار (مارس) 1968. في ذلك الحين أشار مرشح الرئاسة الأمريكية إلى أن الإجراءات الرسمية للناتج الاقتصادي تشمل النابالم، والرؤوس الحربية النووية، وإعلانات السجائر والسجون – ولكن ليس “جمال مهارتنا الشعرية حول قوة الزيجات لدينا”. كان خطاباً رائعاً، لكن مثل العديد من الخطب البلاغية الرائعة، يحتوي على طُعم. إذا مات الشعر وأصبح الطلاق أمراً شائعاً جداً، فهذا ليس خطأ الإحصائيين.
إذا كان السياسيون يهدفون حقاً إلى تحقيق أقصى قدر من الناتج المحلي الإجمالي، فإن جورج أوزبورن، وزير المالية في المملكة المتحدة، ما كان أبداً ليطلق حملة التقشف، ولن يكون هناك أي دعم للطاقة المتجددة، كما أن إعانات البطالة ستنتهي بسرعة، هذا إن نشأت أصلاً، والجميع سيطالب بزيادة الهجرة. هناك أمور مهمة في الحياة أكثر من مجرد الازدهار، وهناك ما هو أكثر من نمو الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق الازدهار – وكثير من السياسيين لدينا هم زمرة محزنة من أشخاص يفتقرون إلى الكفاءة، وهي حقيقة يبدو أنهم استوعبوها أنفسهم، سواء في أقوالهم أو أفعالهم.
إن نظرة النقاد إلى الناتج المحلي الإجمالي تعطيه الكثير من الصدقية. إنه محاولة مضنية من أجل قياس الإنتاج الكلي للاقتصاد. إنه ليس نجمة يُهتدى بها في السياسة الاقتصادية، والأخلاق العامة، أو أي شيء آخر.