IMLebanon

تجارة حجمها 104 مليارات دولار سنوياً بين برلين وموسكو…علاقات عميقة تقف وراء تردد ألمانيا في التشدد مع روسيا

RussiaGermany
عبد الاله مجيد
تقف العلاقة العميقة بين ألمانيا وروسيا وراء تردد أقوى الدول الأوروبية في تشديد ضغطها على روسيا، بعد مغامراتها في أوكرانيا. إعداد عبد الإله مجيد: سارعت الحكومة الألمانية إلى النأي بنفسها عن صورة المستشار السابق غيرهارد شرودر، وهو يحتفل بعيد ميلاده السبعين، مع صديقه الحميم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سان بطرسبورغ في نيسان (ابريل) الماضي. لكن الحادثة سلطت الاضواء على العلاقة العميقة والمتشابكة التي تربط بين المانيا وروسيا، وأسباب تردد أقوى الدول الأوروبية في تشديد الضغط على موسكو بعد مغامراتها في أوكرانيا. موقف صعب وقال راول روباريل، رئيس مؤسسة أوروبا المفتوحة للأبحاث في لندن: “إن الأزمة الأوكرانية تضع العديد من الدول التي لها علاقات سياسية واقتصادية وتاريخية مع روسيا في موقف صعب، والعديد من الدول تقدر موقف ألمانيا الصعب”. ويتحدد موقف ألمانيا المتردد تجاه روسيا بأواصر إقتصادية عميقة. فالبلدان شريكان اقتصاديان كبيران وسوقان حيويان لبضائع أحدهما الآخر، حيث تستورد روسيا سيارات بي أم دبليو وأودي باهظة السعر، من بين بضائع ألمانية أخرى، وتعتبر ألمانيا أكبر مستثمر أوروبي في روسيا التي شهدت العام الماضي وحده تدفق استثمارات ألمانية بقيمة 22 مليار دولار. وبلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي 104 مليارات دولار، منخفضاً بنسبة 5 بالمئة عن حجمه في العام 2012، لكنه يكفي لوضع روسيا بالمركز الحادي عشر بين شركاء ألمانيا التجاريين. الحكومة تستمع! وفي حين تهدد أحداث أوكرانيا بنسف سنوات من العمل الدبلوماسي، فإن الصناعة الألمانية، دعامة أكبر اقتصاد أوروبي، تستمر في التعامل مع روسيا، كأن كل شيء طبيعي وليست هناك أزمة في العلاقات الأوروبية مع روسيا. وإلتقى رئيس سيمنز التنفيذي جو كايزر الرئيس بوتين لبحث التعاون الثنائي في الصناعة الهندسية والالكترونية. وقبل أيام، أرسلت غرفة التجارة الروسية الألمانية مذكرة سرية إلى الحكومة الألمانية تحذرها من إلحاق ضرر دائم بالعلاقات التجارية إذا اتُخذت إجراءات أشد، كما افادت رويترز. ويقول محللون أنه عندما تتكلم الصناعة الألمانية فإن الحكومة تسمع. ونقلت واشنطن تايمز عن كلوديا كيمفرت، الباحثة المختصة بقطاع الطاقة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، قولها: “هناك تأثير قوي من قطاع الأعمال، والسياسيون يستجيبون لما يريده هذا القطاع”. من الشرق والغرب تشكل العلاقة في مجال الطاقة الآصرة الأقوى بتدفق أكثر من 35 بالمئة من حاجة ألمانيا إلى الغاز والنفط عبر أنابيب روسية. وأصبحت ألمانيا مجهزاً كبيراً لبقية أوروبا أيضاً، ناقلة الغاز الروسي إلى جاراتها من جهتي الشرق والغرب على السواء. ويلفت محللون إلى أن الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية مشكلة تواجه اوروبا بأسرها. وقال روباريل: “لا بديل يُعتد به عن روسيا على المدى القريب وخاصة ما يتعلق بالغاز، وإذا أُجبر الاتحاد الاوروبي على الابتعاد عن بلد مصدِّر للنفط مثل روسيا سيكون من الصعب الاستعاضة عنه”. وإذا كانت المصالح الاقتصادية واضحة، فإن العلاقات السياسية أشد تعقيدًا، إذ عمل المستشارون الذين سبقوا انغيلا ميركل بدأب على بناء الثقة مع موسكو منذ سقوط جدار برلين في العام 1989. وقال ستيفان مايستر الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين إن هذه الجهود نابعة من شعور بالذنب عن الحرب العالمية الثانية واحساس بالعرفان بعد إعادة توحيد المانيا. أقوى الزعماء وبعد 25 عامًا يدرك الجانبان الأهمية الجيوسياسية للحفاظ على ما حققاه. ونقلت صحيفة واشنطن تايمز عن مايستر قوله: “ان بوتين يفكر بمفردات القوة وهو يعترف بأن انغيلا ميركل أقوى الزعماء الاوروبيين، وهذا مهم عنده”. وأظهرت استطلاعات أن نسبة كبيرة من الالمان لا يؤيدون فرض عقوبات على روسيا بسبب ما فعلته في اوكرانيا، وأيد نحو نصف الالمان اعتماد الدبلوماسية في احد الاستطلاعات. ويرى محللون أن مدرستين نشأتا خلال العشرين عاماً الماضية، مدرسة تدعو إلى علاقات أقوى مع الحلفاء الغربيين والأخرى تدافع عن العلاقة مع روسيا بداعي الاحساس بالواجب تجاهها. وقال مايستر عن المدرسة الثانية: “انها ذات شعبية واسعة في الدوائر الفكرية الالمانية فنحن بسبب تاريخنا نحتاج إلى التواصل مع روسيا، وإدخال روسيا في اوروبا ودمقرطة روسيا. إنها مسؤوليتنا”. باءت بالفشل! لكنّ تغييرًا سياسيًا حدث رغم ذلك مع بقاء الأزمة الاوكرانية من دون حل واستمرار المانيا وروسيا في التطور باتجاهين مختلفين. وقال مايستر: “كل الآمال التي عقدتها المانيا على الطريقة التي ستتطور بها روسيا وكيف يمكنها أن تؤثر في روسيا باءت بالفشل، فالتحديث فشل والمعالجة الواقعية كلها فشلت الآن مع حدوث الأزمة الاوكرانية التي ليس للمستشارة ميركل تأثير يُذكر فيها على بوتين، فهو يفعل ما يريد مع المانيا أو بدونها”. في هذه الأثناء، يتهم المستشار السابق شرودر الحكومة الالمانية بإتخاذ موقف متشدد من روسيا، وهو قد لا يحظى بتأييد ميركل في ما يقوله، لكنه ما زال مؤثرًا في الرأي العام الالماني، بحسب مايستر من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.