IMLebanon

ملياران من البشر يعانون سوء التغذية بسبب الحروب والفقر

Liwa2
إذا كان استمرار النمو لدى البلدان النامية، جنباً إلى جنب مع سياسات الحد من الفقر، قد ساعد على تحسين مستويات الدخل والأمن الغذائي سواء بسواء على الصعيد العالمي، إلا أن القضاء على الجوع لا يزال يشكل تحدياً هائلاً ينعكس على كل محاولة أخرى للنهوض بحياة الإنسان.
ففيما بين الأعوام 2011 و2013 قدِّر أن نحو 842 مليون شخص يعانون الجوع المزمن وبالمقياس العالمي، يعني ذلك أن ثمة واحداً من كل ثمانية أشخاص في عالم اليوم غير قادرين على الحصول على ما يكفيهم من غذاء، بحيث يتمكنوا من التحصيل الدراسي والعمل ودرء المرض… أو ببساطة ليحيوا حياة صحية ومنتجة.

الفاو
وبحسب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» جوزيه غرازيانو دا سيلفا فلم تنفك الزراعة تمثل السبيل الرئيسي لتحسين إمكانية الحصول على الغذاء والدخل بالنسبة لمعظم الأسر الضعيفة في جميع أنحاء العالم بل ومن الممكن للسياسات التي ترمي إلى تعزيز الإنتاجية الزراعية والتنمية الريفية، لا سيما حين تستهدف صغار المنتجين، أن تساعد أيضاً على توليد فرص العمل وتقليص معدلات الجوع – حتى حين يستشري الفقر على أوسع نطاق.
غير أن السعي من أجل حياة أفضل لا بد بالضرورة أن يعالج قضية أخرى، غالباً ما تتسم بالتعقيد والتشابك مع غيرها من القضايا، أي سوء التغذية بجميع أشكاله.
وعلى أقل تقدير، هنالك ملياران من البشر يعانون من مختلف أشكال نقص الفيتامينات والمعادن، والأمراض ذات الصلة، علماً بأن سوء التغذية يقوّض رفاه الفرد في جميع الأعمار، ويعتبر السبب الأساسي للوفاة في صفوف 2.6 مليون طفل سنوياً.
بل وفي بعض البلدان النامية الأكثر حيوية وتأثيراً في العالم، بات سوء التغذية تهديداً مسلطاً على الجيل القادم من الآباء والمعلمين والعلماء وحتى القادة أنفسهم.
سوء التغذية
ويتسبب عدم كفاية التغذية بحسب الخبراء في تقزم النمو البشري بين الأطفال وضعف جهاز المناعة الطبيعي، فضلاً عن صعوبة التحصيل الدراسي والتركيز. وإذا كان الحصول على ما يكفي من غذاء أمر ضروري للبقاء على قيد الحياة، فإن المزيج المناسب من الأغذية السليمة والمغذية تبقى شرطاً أساسياً لنمو الأطفال والشباب، ولرفاه وصحة المجتمعات، ولتنمية اقتصادات بأكملها.
وعلى مدى العقدين الماضيين، أحرِز بعض التقدم في الحد من الجوع، حسب معايير الهدف الإنمائي الأول لألفية الأمم المتحدة الإنمائية، المتمثل في خفض معدلات نقص الطاقة الغذائية بحلول عام 2015. وبالفعل، بلغ نحو 60 بلداً هذا الهدف وفق المعايير المحددة للفترة 1990-1991، أو هي في الطريق إلى بلوغه حالياً.
في تلك الأثناء، أحرز تقدم أيضاً في مناهضة سوء التغذية إذ أن تقزم النمو بين الأطفال باعتباره مؤشراً رئيسياً على سوء التغذية، تراجع فعلياً. ومع ذلك، فإن الاتجاهات الراهنة إن استمرت على حالتها فلسوف تسفر عن أكثر من نصف مليار طفل آخر يعانون من توقف نموهم على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة.
من جانب ثان، ثمة نحو مليار ونصف مليار شخص يعانون من فرط الوزن، بضمنهم نصف مليار مصابون بالسمنة، وبالتالي فإنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة ذات الصلة بالنظام الغذائي.
ويترتب على سوء التغذية ثمن فادح بحق قد يصل إلى خمسة في المئة من الدخل العالمي برمته – أي ما يعادل نحو 3.5 تريليون دولار أمريكي في المجموع، و500 دولار للفرد الواحد في العالم – بمقياس خسائر الإنتاجية، ونفقات الرعاية الصحية.
ومن شأن جميع هذه العوامل أن تجعل من التغذية قضية عامة. وقد يكون الحديث عن سوء التغذية والجوع ذا أبعاد علمية واجتماعية واقتصادية، لكنه قبل أي شيء آخر يظل قضية سياسية.
معالجة سوء التغذية
وتبدأ التغذية الجيدة بحسب دا سيلفا بقدرة الحصول على الغذاء المغذي. لذا يتعين تحسين النظم الغذائية بإتاحة مواد غذائية مغذية، وبأسعار في المتناول للجميع في مراحل الحياة المختلفة، على النحو الذي يتضح كضرورة في أحدث دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «FAO»: حالة الأغذية والزراعة: النظم الغذائية من أجل تحسين التغذية.
غير أن التغلب على سوء التغذية بجميع أشكاله – من نقص السعرات الحرارية، وقصور المغذيات الدقيقة، والسمنة – إنما يتطلب جملة تدخلات ملائمة في صلب النظم الغذائية، والصحة العامة، والتعليم، والحماية الاجتماعية لضمان توافر غذاء مغذ وأيضاً قدرة الحصول عليه، وللحد من تعرض السكان الفقراء للأمراض، ورفع وعي المستهلكين بمصادر التغذية الجيدة.
ولا بد للنظم الغذائية أن تمنح أولوية إضافية إلى تلبية الاحتياجات الخاصة للأمهات والأطفال الصغار، نظراً إلى أن سوء التغذية خلال المئة يوم الأولى الحرجة من الحمل، يمكن أن يسبب عجزاً بدنياً ويعوق قدرة الإدراك على نحو مستديم للطفل وأن يستتبع ضرراً مستديماً في صحة الأمهات.
وفي حالة معظم الحكومات، تفتقر التغذية إلى جهاز مركزي وطرف نهائي مسؤول. لكن التغذية تظل قضية عامة، وتبقى معالجتها مهمة معقدة تتطلب التزاماً سياسياً قوياً وقيادة على أعلى المستويات، فضلاً عن التعاون والتنسيق غير المسبوق بين مختلف الوزارات والشركاء.
رفع الأصوات عالياً
ولحسن الحظ، فإن واضعي السياسات وقادة المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم يمضون في إحراز بعض التقدم لرفع أصواتهم عالياً في الحديث عن سوء التغذية وإدراج هذه القضية، جنباً إلى جنب مع الأمن الغذائي، في صدارة جدول أعمال التنمية الدولية.
وتقر مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة لمحو الجوع: «تحدي الصفر جوعاً»، التي أطلقت عام 2012 في غضون مؤتمر التنمية المستدامة «ريو +20»، بالصلة الجوهرية بين التنمية والتغذية السليمة للجميع. وإذ تدعو إلى عالم متحرر من ربقة الجوع، لا محل فيه لتقزم نمو الأطفال، تشدد على ضرورة تقويم فاقد الغذاء الناجم عن الهدر والخسارة، وعلى أهمية الزراعة المستدامة، والعمل من أجل مضاعفة دخل المزارعين الفقراء.
كما طرحت قضايا الأمن الغذائي والتغذية في بؤرة المناقشات الجارية، لتحديد فريق العمل الرفيع المستوى الذي سيتولى صياغة جدول أعمال التنمية لمرحلة ما بعد عام 2015؛ وفي غضون الاجتماعات الرفيعة المستوى التي استضافها في لندن (عام 2013) كلاامن المملكة المتحدة والحكومة البرازيلية.
ويوشك النقاش الدولي الجاري حول أبعاد التغذية أن يذهب إلى ما هو أبعد من كل ذلك بكثير. فخلال الفترة 19-21 نوفمبر|تشرين الثاني 2014، تتشارك منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «FAO» ومنظمة الصحة العالمية «WHO»، مع غيرهما من وكالات منظومة الأمم المتحدة، في عقد المؤتمر الحكومي الدولي الثاني للتغذية (ICN2)، أي عقب مرور 22 عاماً بعد أول اجتماع عالمي من هذا النوع حين عقد المؤتمر الأول للتغذية عام 1992.
وإذ سيتولى المؤتمر الدولي الثاني للتغذية إرساء قواعد التعاون الدولي المستدام والنهوض بتنسيق السياسات في جهود دحر سوء التغذية، ينبغي أن يساعد أيضاً على ضمان أن تسمع مختلف الأصوات في النقاش العالمي الراهن بهذا الشأن. وفي حين من الطبيعي أن تملك الحكومات سلطات الفصل النهائي بشأن قضايا السياسات العامة، إلا أن الجهات الفاعلة من غير الدول ستقدم مساهمات هامة في مواجهة التحدي المتعدد الأبعاد لمعالجة قضايا التغذية.
ومن خلال التعاون الأوثق وبالتالي الأعلى فعالية، ستتاح فرصة حقيقية لإبعاد شبح هذه المحنة عن البشرية… في غضون جيل واحد. يبقى من المتعين فقط أن يستحيل التفاعل النظري إلى إجراءات ملموسة، كيما تبلغ التأثيرات المنتظرة كل أسرة وتشمل جميع الأسر.