IMLebanon

الصين تتفوّق على أميركا وأوروبا في حجم مساعداتها المالية

China-economy

لم تتعد قيمة المساعدات المالية التي قدمتها الصين عام 2001 لحكومات العالم عتبة البليوني دولار، وفي 2011 قاربت قيمتها 190 بليوناً، وهو رقم فاق مجموع المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الأعضاء مجتمعة في العام ذاته.

وكانت المساعدات الأميركية بلغت 28 بليون دولار عام 2011 ، فيما قدم الاتحاد الأوروبي 17 بليوناً والدول الأوروبية الأعضاء 73 بليوناً.

التقدم الكبير في حجم المساعدات التي تقدمها الدول غير الغربية مثل الصين والهند وتركيا، بات يثير بعض المخاوف لدى عدد من الخبراء الغربيين. صحيح أن كيفية احتساب المساعدات ربما تبقي الغرب في الطليعة، لكن نشاط الدول غير الغربية يهدد بكسر الهيمنة الغربية على العلاقات المالية والتجارية والديبلوماسية حول العالم.

في هذا السياق، أصدر «صندوق مارشال الألماني» وهو مركز بحوث في واشنطن متخصص بالعلاقات الأميركية – الأوروبية العابرة للأطلسي، دراسة تفصيلية شارك في تحريرها عدد من الخبراء الأميركيين والأوروبيين المرموقين تقدمهم تشارلز كابتشان، بعنوان «النظام الليبرالي في عالم ما بعد الغرب» وتقع في ستة فصول، وهي مبنية على «حتمية» استمرار صعود «البقية» ومزاحمتهم الغرب على قيادة العالم وتحديد مصيره.

ويقول كابتشان أن «الفترة الطويلة التي هيمن فيها الغرب على العالم مادياً وعقائدياً قاربت نهايتها»، مضيفاً أن الدراسة «لا تتوقع صداماً مع الغرب و “البقية” التي تشهد تغيرات». ويعتقد الخبير الأميركي أن النموذج الغربي «لم يعد احتكاراً على طموحات وخطط الدول التي تسعى إلى تحسين نفسها سياسياً واقتصادياً»، وأن «الطلب لحكم عالمي يتصاعد فيما العروض لإدارة النظام العالمي لا تلبيه».

لكن صعود «البقية» المزعوم ليس مؤكداً بالشكل الذي يورده التقرير، الذي يعتبر مثلاً أن الصين ستصبح اكبر اقتصاد في العالم في السنوات العشر المقبلة، في وقت أصدرت المؤسسات العالمية تقارير تشير إلى تراجع النمو الصيني بسبب التغيرات التي تطاول طبيعة الاقتصاد. واذا استمر النمو الصيني في التباطؤ ونظيره الأميركي في التحسن، يبتعد التاريخ المتوقع لحلول الصين أولى مكان أميركا إلى وقت أقرب لمنتصف هذا القرن. لكن مع حلول هذا الوقت، تكون الصين صارت تعاني من شيخوخة سكانها وانخفاض في معدلات اليد العاملة المتاحة لها، وهي مشكلة ستعاني منها أميركا ولكن بنسبة أقل كثيراً.

«دراستنا لا تنتمي الى الأدب الذي يبشر بحتمية الانحدار الغربي»، يقول أحد المؤلفين باتريك كيرك في لقاء مع «الحياة»، مضيفاً أن هدف الدراسة هو «تقديم خطط للتعامل مع صعود الآخرين ومشاركتهم الغرب في القيادة، لا انفرادهم بها».

والتمييز بين من يعتقدون «بحتمية انحدار الغرب» ومن يرى أن صعود «البقية» سيؤدي إلى مشاركة والى عالم متعدد القطب، بدلاً من الذي سيطر عليه الغرب على مدى القرنين الماضيين، هو تمييز بات ملحوظاً في العاصمة الأميركية منذ فترة.

أصحاب رأي «صعود البقية»، من أمثال كيرك، يقولون «حتى لو توقفت الصين عن النمو، سيعطيها مركزها كثاني اكبر اقتصاد في العالم نفوذاً لا يستهان به في العالم وسيؤثر على العلاقات الدولية والتجارية، ما يوجب على الغرب التعامل مع هذا الواقع الجديد للحفاظ على النظام الليبرالي مستقبلاً. ويخشى هؤلاء من أن المساعدات» التي يقدمها «البقية» تختلف عن المساعدات الغربية، التي طالما قدمتها أميركا وأوروبا، مرتبطة برزمة من الشروط التي تحضّ الحكومات المتلقية على القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية. كذلك، قدم الغرب مساعدات مباشرة للشعوب وللجمعيات غير الحكومية.

على أن «البقية» مثل الصين والهند وتركيا، غالباً ما تقدم مساعداتها لتحقيق أغراض تجارية مباشرة. الصين مثلاً لا تقدم أية مساعدات لجمعيات غير حكومية، بل هي تحصر مساعداتها بالحكومات، حتى أعتى الديكتاتوريات من بينها وهو بات يؤثر سلباً على وضع النظام العالمي، إذ صارت الصين تقدم بديلاً للحكومات التي تحتاج إلى مساعدات. لكنها في الوقت ذاته غير مستعدة للقيام بأية اصلاحات مثل التي تشترطها الدول الغربية والمؤسسات العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدولي.

وتقدم الدراسة مجموعة من التوصيات لحكومات أميركا وأوروبا، تدعوها فيها إلى الطلب من الصين المشاركة في تحمل نفقــــات إبقاء الملاحة البحرية مفتوحة عبر المــشاركة بالمهمات الأمنية، لأن الصين باتـــت مثل أميركا ودول أوروبا، تستفيد من الخطوط ذاتها ولها مصلحة في إبقاء مناطق مصادر الطاقة حول العالم آمنة، ما يتطلب تعهدات أمنية ومالية كبيرة خصوصاً في الشرق الأوسط.

وتدعو الدراسة أيضاً إلى التسريع في إقرار معاهدة التجارة الحرة عبر الأطلسي، وإلى توزيع المهمات الأمنية فتتكفل أوروبا بالمحيط القريب منها، مثل شرق أوروبا وشمال أفريقيا، فيما تتفرغ أميركا لشرق آسيا وجنوبها.

ويرد في الدراسة أيضاً أن «إدارة عالم تتعدد فيه مراكز القوة، عملية تحتاج إلى تسويات تسامح واعتراف بالتعددية»، «وفي عصر الاهتزاز الجيوسياسي، المطلوب غرب قوي وحاسم لإرشاد التغيير الحاصل»، ومطلوب كذلك العمل «على تقوية الأساس الليبرالي بما في ذلك إعادة تنشيط الشراكة عبر الأطلسي».