IMLebanon

“الدستوري” يفتح باب الاجتهاد بشأن قانون الإيجارات

majliss

عدنان حمدان

خلق قرار المجلس الدستوري، في ما خص الطعنين المقدمين من رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وعشرة نواب، التباساً في التفسيرات، وسيفتح الباب واسعاً أمام الاجتهادات القانونية، خصوصا لدى المحامين الدستوريين، فمن جهة يعتبر بعض القانونيين أن المجلس برده القانون بالشكل، لعدم دستورية نشره في الجريدة الرسمية، قبل انقضاء 30 يوما على تسلم سليمان القانون لتوقيعه، أنه غير موجود، فيما يعتبر قانونيون آخرون أن إعادة النشر من قبل الحكومة، ستأخذ وقتا طويلاً. ويرون ان التوقيع منوط بأعضاء مجلس الوزراء، الذي آلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية. هذا لن يكون ممكناً في الوقت الراهن لأن مجلس الوزراء عاجز عن الاتفاق أو التوافق على قضية بحجم ومستوى قانون إيجارات يطال 180 ألف عائلة، وأسوأ مفاعيله تشريد المستأجرين ورميهم في الشوارع.

إلى ذلك يقول بعض القانونيين: إذا لجأت الحكومة إلى نشر القانون، يصبح ذلك قرارا إداريا، وإذا بقي لديها مدة شهر ولم يجر الاتفاق على نشره، باعتبار أن الموضوع يمس الأمن الاجتماعي والمعيشي لمئات ألوف اللبنانيين، في ظل دخول البلاد في فترة التحضير لانتخابات نيابية، إذ ذاك ستكون الموافقة على القانون أو رفضه مادة سجالية بين المرشحين.

وعلى افتراض أن مجلس النواب نجح في التوافق على رئيس للجمهورية، تصبح الحكومة حكومة تصريف أعمال، ويعود الرئيس المنتخب لتسلم الصلاحيات الخاصة به، ومنها التوقيع على القوانين بعد ثلاثين يوما من إقرارها في مجلس النواب، ولا شك بأن الرئيس المنتخب يحتاج مهلة للاطلاع على القانون وبناء موقف جدي منه، يبني على أساسه القرار المفترض.

في كل الاحوال، كما أوجد قانون الإيجارات الذي أقر في أول نيسان الماضي هوة كبيرة بين المالكين، كباراً وصغاراً، والمستأجرين، كل من وجهة نظره، كذلك أوجد فئتين في المجلس الدستوري، فلناحية اعتبار القانون غير موجود شكلاً، حاز هذا القرار تسعة أصوات من عشرة، أما لناحية الطعن في المضمون فلم يتوافر قرار موحد من قبل أعضاء المجلس الدستوري، حيث أيد الطعن في المضمون ستة أعضاء ويحتاج الى سبعة، وعارضه أربعة أعضاء، حيث طلب الرئيس سليمان «إبطال القانون المتعلق بالايجارات في ما يخص بعض أحكامه، ومراجعة مجموعة من النواب الذين طلبوا وقف تنفيذ وإبطال قانون الإيجارات برمّته».

قرار المجلس الدستوري

وجاء في قرار المجلس الدستوري، ما يأتي:
«الموضوع: عدم إمكان النظر في الطعنين المتعلقين بقانون الإيجارات لعدم نفاذ القانون،
قرر المجلس الدستوري بالأكثرية عدم إمكان النظر في الطعنين المقدمين بشأن قانون الإيجارات، لعدم نفاذ القانون المطعون فيه.
ورأى المجلس في ملفي المراجعتين، أي مراجعة رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان التي طلب فيها إبطال القانون المتعلق بالإيجارات في ما يخص بعض أحكامه، ومراجعة مجموعة من النواب الذين طلبوا وقف تنفيذ وإبطال قانون الإيجارات برمّته، واللتين ضمتا لبعضهما البعض بقرار من المجلس الدستوري نظرا لوحدة الموضوع.
وبما ان النص المطعون فيه هو النص المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 8/5/2014، وبما أن هذا النص نشر في تاريخ لم يكن فيه القانون الذي أقره مجلس النواب قد أصبح نافذا حكما بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور، وبما أنه يترتب على ذلك عدم توافر عناصر المادة المذكورة، وبالتالي عدم نفاذ القانون، وبما ان هذا الواقع يحول دون النظر في دستورية قانون، لم تكتمل عناصر تكوينه في تاريخ نشره، وهو بالتالي غير نافذ، وبالتالي لا إمكانية للنظر في الطعنين المقدمين».

مخالفة مسرة للقرار

للإضاءة أكثر على قرار المجلس الدستوري ننشر في ما يلي مخالفة الدكتور أنطوان مسرة عضو المجلس الدستوري لقرار المجلس بشأن قانون الإيجارات الذي نشر منه الجزء المتخذ بالأكثرية حيث ينص قانون المجلس الدستوري الرقم 250 على نشر المخالفـة مع القـرار وكجزء لا يتجزأ منه في عملية النشر. جاء في المخالفة:
أولا: القانون المطعون بدستوريته مقبول شكلاً وفي ما يتعلق بتاريخ الإصدار والنشر،
بما ان صلاحية المجلس الدستوري تشمل الطعن في دستورية القوانين في مضامينها وفي صلاحية مقدمي الطعون واستطرادًا في الاصول الإجرائية في حال تداعياتها على هذه المضامين….
وبما ان الإصدار promulgation يرتبط بإرادة صاحب الحق في الاصدار وهذه الارادة لرئيس الجمهورية، وهو مُقدم الطعن، ثابتة ومُعلنة ومُحققة في الطعن المقدم الى المجلس الدستوري.
وبما ان إصدار القانون promulgation هو دستوريًا: «ما يرسمه رئيس الدولة من وجود قانون أقره البرلمان يأمر بتنفيذه وهو بهذا الرسم يتنازل عن حقه في مطالبة البرلمان بالتداول فيه من جديد»، في حين ان النشر publication هو: «إجراء يُراد به إعلام الكافة بالعقد القانوني حتى يحاطوا به علمًا وتسري عليهم أحكامه كنشر القوانين والمراسيم في الجريدة الرسمية»: وبما ان إصدار القوانين هو من مهام رئيس الجمهورية ويرتبط بالعلاقات بين السلطتين التشريعية والإجرائية فلا ينظر تاليًا المجلس الدستوري في دستورية الإصدار أو النشر إلا في الحالات حيث يظهر في مضمون القانون تباين بين النص الذي تم إقراره في مجلس النواب والنص المنشور أو يحصل ضرر ناتج من نشر القانـون خلافًا لما ورد في القانون بالذات حول شروط ومهل نشره.
وبما ان حق الإصدار هو من الصلاحيات الخاصة برئيس الجمهورية تحديدًا وهو وحده الذي يجوز له الطعن أمام المجلس الدستوري في الشكل في حال انتُزع منه هذا الحق قبل تعبيره الصريح بالرفض أو الموافقة.
وبما ان رئيس الجمهورية، وهو صاحب الحق المطلق والأصيل والحصري في الإصدار وفي مراجعة المجلس الدستوري، لا يعتد بأي خرق حول الإصدار والنشر حسب الأصول وعملاً بالمادتين 56 و57 من الدستور.
وبما ان صاحب الحق المطلق والأصيل والحصري في الإصدار وهو رئيس الجمهورية لا يعتد بمبدأ «انقضاء المهلة» (المادة 57 من الدستور) ولا يتوافر أي دليل حول أي ضرر أو أية إساءة إلى حق ناتج من النشر قبل «انقضاء المهلة».
وبما أن الاعتداد بعدم «انقضاء المهلة» في سبيل النشر لا يُغير من واقع النشر ونفاذ القانون و«موجب نشره» (المادة 57).
وبما ان عبارة «في خلال شهر» في المادتين 56 و57 من الدستور تعني زمنًا ممتدًا قد يكون أكثر أو أقل حسب إرادة صاحب الحق حصرًا وتقديره في الإصدار والنشر.
وبما ان القانون رقم 646 تاريخ 2/6/1997 الذي «يتعلق بمهل نشر القوانين والمراسيم والقرارات في الجريدة الرسمية»، تطبيقًا للمواد 51 و56 و57 من الدستور، يُميز بين النشر والإصدار.
وبما انه، في الحالة الراهنة خاصة، تم النشر بأيام قليلة قبل ختام ولاية رئيس الجمهورية حيث إن رئيس الجمهورية هو صاحب الحق المطلق والأصيل والحصري في المراجعة.
وبما ان احتمالية انتقال الصلاحية هذه إلى مجلس الوزراء في حال شغور رئاسة الجمهورية يمس بهذا الحق الأصيل الذي ينبع من قناعة ذاتية لرئيس الجمهورية حول دستورية أو عدم دستورية القانون، وقد ينحرف هذا الحق عن هدفيته في حال انتقال ممارسته إلى سلطة أخرى إجرائية جماعية.
وبما أن حق الطعن بقانون، إذا كان محصورًا دستوريًا بشخص رئيس الجمهورية أو بشخص رئيس مجلس النواب أو بشخص رئيس مجلس الوزراء (ولا نذكر الحالات الأخرى)، وليس بمجموعة من النواب أو بسلطة جماعية أيًا كانت، لا ينتقل إلى رئيس جمهورية آخر حول الموضوع ذاته بدون قناعة ذاتية بضرورة الطعن ولا ينتقل إلى مجلس وزراء مجتمعًا، مع شرط موافقة أكثر من وزير، وبالتالي فإن احتمالية المراجعة حول القانون المطعون بدستوريته تؤدي عمليًا إلى استحالة ممارسة الحق لاحقًا، أو إلى تغيير في مرجعيته الدستورية.
وبما ان من صلاحية المجلس الدستوري النظر في الطعون المتعلقة بالقوانين وليس في نشرها الذي هو إجراء إداري.
لكل هذه الأسباب اعتبر الطعن مقبولاً شكلاً».
وأخيرا الى ان ينشر القانون، وتكتمل عناصر الطعن في مضمونه كما في شكله، يبقى المجلس الدستوري الملاذ الأخير الساهر على دستورية القوانين وحقوق المواطنين المتساوية، ومنها حق السكن المنصوص عليه في الدستور، وحق صاحب البناء في بدل إيجار عادل يؤمن له حياةً كريمة، كما يؤمن للمستأجر استقراراً اجتماعيا ومعيشياً.