IMLebanon

السنيورة في اطلاق تقرير التكامل العربي سبيلا لنهضة انسانية : حاجة ملحة ولن يستطيع العرب التقدم من دون اعتماد الديموقراطية نظاما

معهد-كارنيغي-للشرق-الاوسط

أطلق معهد كارنيغي للشرق الاوسط تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، عن “التكامل العربي: سبيل لنهضة انسانية”، في احتفال أقيم صباح اليوم في فندق فينيسيا، ويتضمن تحليلا واقعيا جديدا للتكامل العربي وتقديم رؤية استراتيجية لتكريس هذا التكامل، في حضور الرئيس فؤاد السنيورة، النائب بهية الحريري، الوزراء السابقين نائلة معوض، خالد قباني، ريا الحسن وجهاد ازعور، ممثلة الاتحاد الاوروبي في لبنان انجيلنا ايخهورست، وعدد من المهتمين.

يحيى
النشيد الوطني، فكلمة الباحثة في معهد كارنيغي مهى يحيى التي عرضت دور المعهد في تشجيع الحوار حول القضايا السياسية والاجتماعية ومناقشة التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة العربية.

خلف
من جهتها، اشارت وكيلة الامين العام للامم المتحدة والامينة التنفيذية للاسكوا ريما خلف الى ان “التكامل العربي حلم سكن الوجدان العربي، لكن ضعف الانجاز على صعيد التكامل الرسمي ومقاومة بعض المصالح الخاصة لفكرته أدخل الشك الى قلوب البعض حول جدوى هذا المشروع”.

وقالت: “يتناول تقرير التكامل العربي الواقع بانجازاته واخفاقاته ومشكلاته المزمنة والطارئة”، مشيرة الى “ان خمس العرب يعيشون تحت خط الفقر، وثلثهم يعانون من الامية، وشبابهم يعاني من اعلى معدلات البطالة، ونساؤهم من اقل نسبة مشاركة اقتصادية، وسوء التغذية ينتشر بين خمسين مليون مواطن عربي”.

واضافت: “ان مشكلات المنطقة تتعاظم باستباحة خارجية تتجلى في أبشع صورها من الاحتلال الاجنبي المباشر، فاحتلال اسرائيل لفلسطين هو الاحتلال الاطول والوحيد المتبقي في العصر الحديث في انتهاك سافر للمواثيق الدولية، وهو يمعن في سياسات التمييز ويمارس شتى اشكال العزل والقمع ضد الفلسطينيين، وقد سلب منهم حريات وحقوقا اساسية غير قابلة للمساومة او التجزئة”، واصفة “اصرار اسرائيل على الاعتراف بها دولة لليهود بانه إحياء مرعب لمفهوم النقاء الديني والعرقي للدول”.

وأشارت الى ان استراتيجية التقرير تعتمد على ثلاثة اركان، أولها التعاون السياسي العربي في دعم اقامة الحكم الديموقراطي الصالح، وثانيها تعميق التكامل الاقتصادي العربي وصولا الى وحدة اقتصادية عربية، اما الركن الثالث فهو في الاصلاح الثقافي والتربوي الذي يعيد إحياء ثقافة الابداع ويحرر الفكر من نزعات الانغلاق والتطرف والتبعية.

السنيورة
وألقى الرئيس السنيورة كلمة بالمناسبة قال فيها: “لقائي بكم اليوم يغمرني بمزيج من شعور الاعتزاز بحيوية أمتنا وشعوبنا العربية والأمل بمستقبلها من جهة أولى يقابله القلق من التحديات الكبرى التي تواجهها من جهة ثانية. ويعود ذلك لأكثر من سبب وسبب، سأحاول ذكر أبرزها، لكن أولها أننا نجتمع من أجل الموضوع الأساس والمتمثل بالحديث عن موضوع التكامل العربي، موضوع هذا التقرير القيم الذي أنجزته منظمة الإسكوا بدفع وإشراف من المناضلة الشجاعة الدكتورة ريما خلف. وهو الموضوع الذي كنت قد طرحته وناديت به بإسهاب في القمة الاقتصادية العربية الأولى في الكويت في العام 2009. وثانيها أننا نجتمع في هذا المكان من لبنان وفي بيروت وفي مبنى الإسكوا بالتحديد، بوابة قلب العاصمة اللبنانية مع هذه النخبة الكريمة من المثقفين والمفكرين والمهتمين بشأن هذه الأمة ومستقبلها والتحديات والمخاطر الكبرى التي تواجهها، وبالدور الذي يلعبه السعي نحو تحقيق التكامل العربي المتقدم بثقة واقتدار نحو الإنجاز والاكتمال والاستمرارية وذلك في صنع مستقبل هذه الأمة ومستقبل أجيالها المقبلة”.

اضاف: “أما السعادة الممزوجة بالإحساس بالتحدي، فمردها إلى أن حكومة العدو الإسرائيلي خافت وانزعجت وقلقت وطلبت من الأمين العام للأمم المتحدة إيقاف عمل الأمينة التنفيذية لمنظمة الإسكوا الدكتورة ريما خلف بسبب وقوفها خلف إعداد هذا التقرير الذي نحن في صدده. ولذلك فنحن اليوم هنا لنقول إننا نقدر ونحترم كل ورقة وسطر وحرف وردت في هذا التقرير الذي أنتجته نخبة من مفكرينا. ونحن نفخر بعملهم وقد أصبحنا ندرك بسبب ممارسات العدو الإسرائيلي المتكررة أنه عندما تقلق إسرائيل من قضية ما وعلى وجه الخصوص من هذا التقرير فهذا يعني أن هذا الأمر بالغ، الجدية والرصانة وأنه حتما يصب في مصلحة ومستقبل هذه الأمة ومستقبل أجيالها المقبلة”.

وتابع: “من هنا فلنعمل على تحويل هذا التقرير وتوصياته من نظريات وتقديرات ودراسات إلى وقائع ومعطيات وبرامج وخطوات قابلة للتنفيذ، فهذا من شأنه دون شك، رفع شأن التقدم العربي الذي يحتاج وفي هذه الظروف بالذات الى جهود مخلصة وجبارة تتكاتف فيها سواعد كثيرة وطاقات كبيرة على مسارات المستقبل الواعد”.

وقال: “لفتني في هذا التقرير، الذي يمكن اعتباره مرجعا من مراجع التأسيس لنهضة عربية حديثة ومستنيرة مع مطلع القرن الحادي والعشرين، إشارته الى مجموعة المرتكزات بوصفها معطيات للانطلاق منها في التعاطي مع المواضيع المتصلة بها. فالتقرير يستند إلى فيلسوف العمران العربي والإسلامي، أي إلى ابن خلدون، حيث ينطلق من رؤيته للعمران البشري وآفاقه للمقاربة والمقارنة مع العمران الاجتماعي العربي الحديث في رحلة البحث عن التكامل واستكشاف أهدافه”.

وتابع: “في هذا كانت إشارة الانطلاق من ابن خلدون إشارة عميقة وهادفة، فقد أدى بنا تراكم الفشل العربي على أكثر من مستوى إلى اليأس والإحباط، وبالتالي إلى التقاعس والتواكل والاستسلام للتعرض للعدوان من المتطرفين، ومن الجوار الإقليمي. كذلك فقد قادنا إلى التشرذم والتناحر والوقوع في براثن الفتنة الطائفية والمذهبية. لقد تناسينا أن الفرادة والمبادرة لا تزال موجودة وأن ما يجمع العرب أكبر بكثير مما يفترقون عليه وان النجاح مازال ممكنا، وأن النجاح يمكن أن نستولده من رحم الفشل، وأن التألق يمكن أن يحصل من عتمة الظلام، وأن الريادة العربية ممكنة التحقق، ونموذج تجربة ابن خلدون ما يزال حاضرا وناضرا. فلقد سبق هذا المفكر الالمعي العربي أقرانه الغربيين بنحو 300 سنة في الحديث عن المجتمع وتكوناته وضرورة الاهتمام به ودراسته بشكل علمي وموضوعي. وهذا دليل على أن الفكر العربي المستنير والمفكرين العرب قادرون على التطلع والسير إلى الأمام والتفرد وتحقيق الإبداع ولا تنقصهم المعرفة بقدر ما تنقصهم الإرادة والعزيمة اللازمة للتآلف مع روح العصر والايمان العميق بصوابية أهدافنا العربية وما فيه مصلحة ومستقبل إنساننا العربي والإنسانية جمعاء”.

واضاف: “أما على مستوى التكامل الثقافي فإن التقرير لا يفوته أن يقول وبشجاعة إن المشتركات الثقافية العربية تركت تأثيرها وفعلها ولعبت دورها في تأطير وتجميع الثقافة العربية الواحدة. ومن ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر التأثير الكبير لتراث المطربة أم كلثوم وما تركته في ضمير العرب وكيف لعبت دورا هي والسيدة فيروز، وغيرهما كثر، في الفن والادب والشعر وذلك في التأطير والتقريب بين العرب ثقافيا وحضاريا”.

وتابع: “ودعوني أزيد أني ما زرت بلدا عربيا إلا واكتشفت أن ناسه تخطوا الحدود والحواجز والتقوا بعضهم بعضا بفضل أمثال أم كلثوم وفيروز وعبدالوهاب وفريد الأطرش وصباح وعبد الحليم حافظ وطه حسين والجابري ونزار قباني ومحمود درويش وغيرهم وغيرهم من عمالقة الفن العربي والثقافة العربية والشعر العربي في لبنان ومصر والمغرب وفي أكثر من دولة عربية. فكم من منشد يحفظ ويغني لنزار قباني وكم من محب للشعر يحفظ للمتنبي. إلا أن الأهم من كل ذلك أن هذا التقرير يستنفرنا من جديد ويدفعنا ويشدنا للتفكير في الخيارات والمسارات والمصائر”.

وأشار الى “ان ما أسعدني أكثر من أي شيء آخر أن التقرير قد وضع إصبعه على نبض الأحداث الهامة والكبيرة التي شهدها ويشهدها العالم العربي أي أحداث الربيع العربي التي انطلقت من تونس لتنتشر في أغلب أرجاء الوطن العربي وترفع شعار “الشعب يريد” وتطالب بالحرية والعدالة والكرامة. ولقد كان التقرير واقعيا في هذا الإدراك والتفهم، وفي أن ما تشهده بعض بلدان الربيع العربي من مآس واشكالات ما هي الا من جهة أولى رد فعل أهل الخريف العربي على أهل الربيع العربي وإمعانهم في استعمال العنف من جهة أولى ومراهقة أهل الربيع العربي وعدم نضجهم وتشرذمهم من جهة ثانية واستسلامنا لفتن من يضمرون الشر لنا ولأمتنا ويمعنون في تمزيق الصف العربي وتفريخ منظمات لا هم لها الا الهاب الاقتتال الداخلي من جهة ثالثة. ذلك ما أوقع بعض بلداننا العربية في هذا الجحيم القتال والمستمر حتى الآن. ولكن ومع ذلك، فإنه لا يجوز لإيماننا أن يضعف وقناعتنا بأن تتراجع عن الاعتقاد بأنه لا بد لهذا الليل المدلهم من نهاية، وبالتالي لا بد من قيامة جديدة لينبلج معها نور الشمس وتنحسر معها قوى التشرذم والفرز الطائفي والمذهبي وتعود العروبة المستنيرة القائمة على المصالح المشتركة التي تشكل عمادا ناظما للعمل العربي المشترك”.

وقال: “مع أن التقرير قد وضع وصاغ تصورات وخططا واقتراحات جريئة ومتقدمة لتنفيذ واستكمال خطوات التكامل العربي في أوجه عديدة ومتنوعة، لكنه إلى ذلك كشف المشكلات الكبرى التي تعيق نجاح التكامل وسلط الأضواء على مسببات الفشل الداخلي والخارجي الإقليمي والدولي”.

واوضح انه “في لغة الأرقام والوقائع، فقد بين التقرير أن أكثر من خمس سكان المنطقة العربية هم من الفقراء وأن عدد الأطفال المهددين بالموت جوعا في اليمن وحده يبلغون أكثر من نصف مليون طفل وأكثر من مليون طفل في الصومال ناهيك عن أعداد القتلى في سوريا والنازحين في بلدهم وخارج بلدهم… والوضع المماثل في العراق ومصر… وغيرها من الدول العربية. وبالتالي فإن أهم ما بينه التقرير أن طريق التكامل الاقتصادي العربي ليست ترفا ولم تعد مسألة اختيارية بل باتت حاجة ملحة ومصيرية على المستوى العربي. فمصير أمتنا أصبح معلقا على قدرتنا في إدراك المنافع التي ستعود على أجيالنا القادمة من خلال التعاون والتشابك والمصالح المشتركة. وبالتالي في نجاحنا في العودة لإطلاق طاقاتنا بطريقة فعالة ومتناغمة ومنتجة وفي استعمال مواردنا على نحو ما هو مفيد لأمتنا ومختلف شعوبنا العربية”.

ورأى انه “إذا كان طموح وحلم الوحدة العربية في دولة عربية واحدة قد راود وغمر فئات واسعة من الأجيال العربية منذ الحرب العالمية الأولى وتفكك السلطنة العثمانية وبعد ذلك في مرحلة استيعاب المتغيرات التي حملتها الحرب العالمية الثانية، فإن ما عرفناه وشاهدناه في أعقاب هذين الحربين من تجارب وممارسات متعددة وظروف مختلفة، لم تصل بنا الى النتيجة التي حلمنا بها. بل ان تجارب الوحدة التي سعينا إليها أفضت الى الفشل، خصوصا وأن التجارب الوحدوية العربية انطلقت من أفكار رومانسية وتطبيقها بصورة متعجلة ومرتجلة من دون الاستناد إلى قاعدة صلبة قائمة على الممارسة الديموقراطية واحترام الحريات، ومن دون استنهاض وإطلاق طاقات الناس المشتركة لحمايتها. وهي لم تكن كذلك مبنية في الأساس على مراكمة وتعظيم شأن المصالح الاقتصادية المشتركة، التي كانت في أساس نجاح تجربة الوحدة الأوروبية بعد عقود بل قرون من الحروب والنزاعات بين بلدانها المختلفة. والمفارقة الغريبة أن التجارب الوحدوية العربية انطلقت في الفترة ذاتها تقريبا مع انطلاق فكرة السوق الأوروبية المشتركة التي تحولت منذ عقدين باتجاه الوحدة الأوروبية. وفي الوقت الذي فشلت فيه تجاربنا الوحدوية وفشلنا في صيانتها وحمايتها وعمل على إفشالنا، كانت تجارب العالم من حولنا تتقدم نحو النجاح بطريقة واثقة بالاستناد إلى تعظيم الاستفادة من تجارب الواقع التي كانت تحرص على الاحتكام إلى العقل ومنطق المصالح واحترام رأي الشعوب والسعي الدائم إلى تحويل الأخطاء والفشل إلى فرص مستجدة لتحقيق التغيير والتلاؤم المطلوب مع حركة العالم”.

واكد “ان علينا أن نعترف وبخاصة بعدما كشفته حركات التغيير أن الأنظمة العسكرية والأمنية العربية وعلى مدى أكثر من أربعين عاما، شكلت انتكاسة كبرى للدولة الوطنية في العالم العربي، لجهة إغفال مبدأ احترام الحريات وعدم السعي الحثيث والكافي لتحقيق التنمية، ولجهة عدم المثابرة على صون المصالح الوطنية والقومية”.

وقال: “وإذا كان هذا هو الحال في تجربة النصف الثاني من القرن العشرين فإن رواد العروبة والتقدم في منطقتنا لا بد لهم مجددا ان يتحلوا بالواقعية ليتجهوا نحو العمل لتحقيق التكامل العربي من طريق التكامل الاقتصادي والاستيعاب السياسي التدريجي لمنطق المصالح المشتركة. وعلى وجه الخصوص مع تعزيز أنواع التكامل الأخرى ولا سيما الثقافي بمعنى الوصول إلى إغناء تجربة التكامل مع الحفاظ على التنوع الذي يجب أن يكون هدفنا في الوصول إلى التكامل في ظل احترام التنوع. ومن هنا تأتي القوة والثروة الحقيقية لمجتمعاتنا العربية. وإذا كان شعار الوحدة العربية قد شغل التقدميين العرب طوال القرن العشرين، فإن التكامل العربي يجب أن يكون في القرن الحادي والعشرين هو الهدف الذي نتطلع اليه باعتباره المسار الواقعي الطموح بعد كل النكسات وتجارب الفشل”.

وأعلن السنيورة “ان حال التردي والتشرذم والتخبط في الفشل والتعرض للغزو والاختراق، وكل الطوارئ التي أمسينا عليها قد أوجدت بالفعل مناخا عربيا يحمل معه توقا عارما لدى شعوب أمتنا العربية إلى التغيير والعمل من أجل النهوض والتكامل انطلاقا من المشتركات العربية في دولنا العربية، وان كان هذا التوق بقي قاصرا حتى الآن عن أن يترجم ببرامج محددة قابلة للتنفيذ والمراجعة والتطوير”.

وقال: “لقد سبق لي أن قلت سابقا في أكثر من مناسبة وأعتقد جازما بأني لست وحيدا في هذه النظرة وهي أن تجربة الدول الأوروبية يمكن أن تكون درسا نستخلصه ونبني عليه. وهذا من حيث إن الدول والشعوب الأوروبية المتفرقة في اللغة والمتباعدة في الأعراق والمتحاربة على مدى قرون، والتي فصلتها أنهار من الدماء والعداوات وجدت لنفسها طريقا أفضى الى التكامل والتلاؤم والتطور. فكيف بنا، نحن أصحاب اللغة الواحدة والتاريخ الواحد والثقافة الغنية ذات الينابيع المتقاربة والتراث المتداخل، ما استطعنا أن نتقدم خطوة ناجحة الى الأمام. واذا ما حصل تقدم في مجال ما، نجد بعد حين أننا تخلينا عن الذي أنجزناه وعدنا ثانية الى التراجع والى اليأس والاحباط والتشرذم وأحيانا إلى التقاتل”.

واضاف: “لقد علمتنا التجارب، تجاربنا وتجارب العالم من حولنا، أنه وحده المواطن الحر في النظام الديموقراطي القائم على الحرية والعدالة واحترام الكرامة الإنسانية هو الضمانة. وعلى ذلك لن يستطيع العرب التقدم الى الأمام من دون اعتماد الديموقراطية نظاما واحترام حقوق الانسان قيما واعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة دستورا وقانونا ومنهجا. بهذه الأدوات وحدها يمكن أن نخط طريقنا نحو التقدم ونحو التكامل على قاعدة رفض العودة إلى تجربة الأنظمة الاستبدادية ورفض السماح بسيطرة التطرف والتعصب وفكرة إلغاء الآخر من جهة أولى وفهم واستيعاب فكرة إعلاء شأن المصالح الاقتصادية المشتركة من جهة ثانية وذلك بما يعود بالخير على مجتمعاتنا العربية وبما يسهم في تعزيز مستوى عيشها ونوعية هذا العيش”.

وتابع: “أنا واحد من كثر في عالمنا العربي، ينظرون اليوم الى سوريا وأحياء حلب وحمص وحماه ودمشق المدمرة بالبراميل المتفجرة وأطنان البارود والرصاص والقذائف والكيماويات التي يرتكبها النظام القاهر لشعبه والذي يمارس إرهاب الدولة فيشعرون بالحسرة والقهر والغضب لما جنته يد الاستبداد والتطرف. كذلك أنا مع الذين يرون بأم العين المآسي التي يتعرض لها شعبنا العربي في العراق والمحاولات الأثيمة من أجل بث الفرقة والفتنة بينهم. فقد دمر الطغيان والتدخل الإقليمي والدولي، مدن العرب في العراق وسوريا وليبيا بدواعي الإصرار على الاستبداد والتوريث والطائفيات والتمذهب والقبليات. كذلك تعيش عدة بلدان عربية أخرى أياما صعبة تفاقم عمق المآسي التي تعاني منها شعوبنا العربية”.

واردف قائلا: “لكن ورغم كل هذه المآسي فإننا على ثقة أن حاجز الخوف الذي كسره محمد بوعزيزي وخالد سعيد وابراهيم القاشوش قد كسر إلى غير رجعة وأن ما كان في الماضي لن يكون في المستقبل. نحن الآن في عالم هدمت فيه حواجز الزمان والمكان والصمت والخوف فيما تبقى لدينا حواجز الإحجام والتواكل وعدم الإدراك العميق للمصالح المشتركة وللحاجة للعمل والإنتاج وإدراك أهمية التميز والإبداع والعمل على وتعزيز الإنتاجية والتلاؤم مع حركة العصر وعصر العالمية. واذا كانت شعوب كثيرة قبلنا قد مرت بتجارب مماثلة، لجهة دمار عمرانها على يد الديكتاتوريين والاستبداديين والطغاة ومنها ما شهدته أوروبا، فإننا على ثقة وإيمان وإرادة أنه رغم الكلفة المرتفعة بشريا وماديا التي تلتهم إنساننا وعمراننا وانجازاتنا فإن مدننا العربية سيعاد إعمارها. إن بيروت التي تعرضت للدمار أكثر من مرة ها هي اليوم ونحن في وسطها جوهرة المتوسط ومنارته المتوهجة. وذلك بالرغم مما مازلنا نعانيه من إشكالات وتحديات وإعاقات واحباطات”.

وقال: “على مدى تاريخنا الماضي والحاضر لم يكن الأمل وحده ما كنا نحتاجه، وعلى أهميته الكبرى، في مواجهة المحن والأزمات. ولكن ما كان نصيرنا في الماضي وسيكون نصيرنا الآن وفي المستقبل هو الشجاعة في مواجهة الحقيقة والارادة الصامدة والثابتة والمثابرة في مجالاتها حتى يتم لنا ما نريد وتريده شعوبنا العربية.
العمران والتنمية الإنسانية، كلاهما نتاج الحرية والإبداع. والطاغية الذي يكره الحرية، لا يطيق العمران أيضا. فلنبق مع الحرية لكي يزدهر العمران وتنطلق التنمية، ويتوقف تأثير الطغاة على حراك شعوبنا ومصائرنا”.

وختم السنيورة: “في ختام كلامي أود أن أكرر تسجيل تقديري العالي للمبادرة إلى إعداد هذا التقرير من قبل الدكتورة ريما خلف ومن قبل فريق الإعداد والأبحاث والتحرير وهو كما قلت يمكن اعتباره مرجعا من مراجع التأسيس لنهضة عربية حديثة إذ لم يعد بالإمكان التفكير بوطن عربي متطور دون العودة الى هذا التقرير. وفي الختام من هنا من بيروت ومن بوابة الأسكوا أقول معكم: عاش التصميم والعمل العربي الجاد في مواجهة قوى الاستبداد وقوى التطرف. عاش التضامن العربي والتكاتف في وجه العدو الإسرائيلي ومخططات الفصل العنصري وفي مواجهة فكي كماشة ارهاب الأنظمة الحاكمة وارهاب الجماعات المتطرفة. عاش النظام الديموقراطي المبني على احترام حرية الفرد في القول والاعتقاد وعلى احترام الكرامة الإنسانية والعمل من أجل تحقيق العدالة والمساواة. عاش التكامل العربي هدفا تعمل لتحقيقه سواعد وعقول عربية نيرة من أجل الحرية والكرامة والتقدم والازدهار لكل مواطن عربي”.

بعد استراحة قصيرة، شرح مدير ادارة التنمية الاقتصادية والعولمة في الاسكوا الدكتور عبد الله الدردري مضمون التقرير وابرز بنوده، كما تحدثت الكاتبة العراقية هيفاء زنكنة.