IMLebanon

مياه لبنان: سلعة ذهبية أم ملك عام وحق انساني؟ (ناهلة سلامة)

blue-gold

 

“حق الحصول على مياه الشفة وعلى منشآت صحية هو حق انساني اساسي في حق الحياة” هذا بعض ما أقرته الجمعية العامة للامم المتحدة في حزيران من العام 2010، حين اعتبرت ان الحصول على مياه الشفة والمنشآت الصحية هو حق انساني بعد اكثر من 15 عاما من النقاشات حول هذه المسألة. في تلك الفترة كان هناك 884 مليون شخص في العالم لا يحصلون على مياه الشفة ، بالإضافة الى مليوني شخص غالبيتهم من الاطفال، يموتون سنويا بامراض ناتجة عن شرب مياه غير نظيفة. ولأنّ المبدأ الإقتصادي يشير الى آلية زيادة سعر السلعة التي يتفوق فيها الطلب على العرض، فإنّنا بتنا أمام مأزق يقترب لا مفر منه هو ازدياد الحاجة للمياه مع تنامي التعداد السكاني والاستهلاك مقابل تراجع في مصادر هذه الثروة.

المعضلة هنا تزداد مع صعوبة الاختيار بين تصنيف الماء كسلعة تشترى وتباع أم كحق لجميع البشر.
تبقى مسألة تنوع مصادر المياه تحدٍ آخر مع تنامي الإحتمالات أنّ الحروب العالمية والأقليمية القادمة ستكون حروب مياه. وهنا تكون الحكومات معنية أكثر فأكثر بالحفاظ على المياه مستقبلاً من أجل الحفاظ على حقوق الاجيال المقبلة في استدامة هذه المشاريع، وذلك عبر مشروعات ترشيد وتحسين للاستخدام لاسيما في الزراعة والري بأستخدام اساليب مبتكرة.

في لبنان، الحصول على المياه من المشاكل الحياتية التي تواجه عدد لا بأس به من اللبنانيين بشكل يومي. وتعتبر الدولة اللبنانية واحدة من أغنى دول المنطقة في مصادر المياه الطبيعية ولكن تبقى ادارة الثروة هي الخلاف الأساسي الذي تعاني منه الجمهروية اللبنانية على غرار باقي القطاعات.

وزارة الطاقة والمياه في لبنان سبق لها أن حددت حاجة إلى مياه الريّ بما فيه الهدر في شبكات الجرّ للعام 2015 بـ8000 متر مكعب مقابل 10000 متر في العام 2000، وتوقعات بأن يبلغ استهلاك الريّ 6000 متر مكعب في العام 2030. وإستنادًا إلى نفس معطيات الوزارة، فاحتساب الميزان المائي في لبنان وإدارة الطلب لسنة 2005 جاء كالآتي: 900 مليون م3 للري، 150 مليون م3 للصناعة، 501 مليون م3 للشفة، اي ما مجموعه 1.55مليار م3 في السنة. وقد أشارت توقعات الوزارة الى تضاعف هذه الارقام مع العام 2030. فما هي مشاريع المياه المستقبلية في هذا الاطار؟ وهل مشروع “بلو غولد” هو المطلوب؟ أم لا؟

مشروع بلو غولد: ما هو؟

توجهنا بهذا السؤال الى الدكتور زياد الصايغ، المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني الذي طرح هذا المشروع لادارة شاملة لمياه لبنان، فأوضح قائلاً ” هذا المشروع سيزيد وفرة المياه على مدار الساعة مع توفير 500 مليون متر مكعب عام 2020 من خلال انشاء السدود وتكرير المياه ومراقبة جودتها وتجميع مياه الامطار والتشجير واعتماد الري بالتنقيط”. ,اضاف”هناك 87% من موارد الدولة اللبنانية المالية تذهب هدراً كرواتب واجور وتقديمات من دون استثمارات حقيقية. لذا سنضع يدنا مع الدولة اللبنانية كي نقدم الخدمة للناس من خلال هذه القطاعات”. مجلس ؟أ

ووفق ما جاء على لسان الصايغ الذي جال واعضاء مجلس أمناء الملتقى حاضرين خلال أشهر حول مشروع “بلو غولد” وحول مفهوم الإقتصاد الجامع، فإنّ هناك ابعاداً اجتماعية اقتصادية يجب اخذها بعين الاعتبار عند تقييم المشروع ” منها أنّ 23% من مردوداته ستشكل أرباحاً صافية لخزينة الدولة من دون أن يرتب أي مديونية على الدولة اللبنانية، لأنّ التمويل سيكون من قبل القطاع الخاص اللبناني من دون الحاجة الى قروض من الخارج”. وينفي الصايغ تماماً أن نكون أمام نوع من الخصخصة بل “سيحصل القطاع الخاص على 12% من الارباح كشريك في هذا المشروع وهذا يوازن الدورة الاقتصادية ويعطيها زخماً، وكذلك سيتمكن المواطنون اللبنانيون من الحصول على ارباح بنسبة 12%”.

المغريات الاقتصادية لـ”بلو غولد” كثيرة بحسب الصايغ ” فهو سيخلق 3 آلاف فرصة عمل دائمة، و400 ألف فرصة عمل موسمية، مع تخفيض الفاتورة السنوية للمواطن اللبناني من 700 دولار الى 380 دولار، كما أنّ القطاعات الخدماتية والانتاجية في البلد ستوفر ما نسبته 30% من فاتورتها المائية”. ويأمل الصايغ أن “يتوج هذا المشروع بجمع اللبنانيين حول قضية اقتصادية – اجتماعية جامعة للكل بغض النظر عما نراه اليوم من الخلافات العامودية والأفقية على المستوى السياسي وغيره من المستويات. ويضيف “نحن تواصلنا مع بعض من رفع الصوت معترضاَ على مشروع بلو غولد وهناك من اخذ المبادرة وتواصل معنا وأبدى اعتراضه. وبرأينا كل رأي لبناني مهما كان هو قيمة مضافة لنا”.

مياه لبنان: للبيع أو “مش للبيع” !؟

“بلو غولد” وبالرغم من الوعود المغرية المحيطة به، لم يستسغه الكثير من اللبنانيين. وهنا، انتقلنا الى الطرف الآخر الذي يناهض المشروع لأسبباً مبدئية، فكانت الرؤى مختلفة والآراء مغايرة والحقائق لها وجه آخر. وهنا تعلق الدكتورة رانية مصري (وهي مسؤولة في حملة “المي مش للبيع” وأستاذة محاضرة في جامعة البلمند) على ما طرحه بلو غولد في موضوع المياه “إن المشروع مبطّن ويهدف للسيطرة على موارد لبنان المائية ووضعها تحت سيطرة الشركات الأجنبية لبيعها للخارج وتحقيق المكاسب المادية لصالح جيوب الشركات. بالإضافة إلى أنّ المشروع غير واضح ولا اثبات إن الخدمة ستتحسن كما يدعي، نجد أن المخطط الذي طرحه “بلو غولد” في تفاصيله ليس إلا عبارة عن خطط سبق للدولة ان تقدمت بها (ومنها الخطة العشرية 1999 واستراتيجية 2012 ) ولكن بإضافة بعض التعديلات الخطرة وعلى رأسها فرض رسوم ثلاث أضعاف الرسم الحالي وإلغاء لدور الدولة في تنظيم مياه الخدمة”. وتتوجه هنا مصري الى مسألة أعمق تتجلى في رفض “مبدأ الخصخصة و الربح على المياه وما يدعو اليه كتيب بلو غولد علناً لجهة تحفيز دور القطاع الخاص والوعود بالأرباح كبيرة (12% قيمة الفوائد للقطاع الخاص)”.

من جهتها، رأت السيدة إيمان عبد العال، مديرة مؤسسة “إبراهيم عبد العال”، أنّه انطلاقاً من واقعنا الحالي يتبين لنا ” أن هناك خطورة في موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. فمؤسساتنا الوطنية الحالية منهكة وعلينا ان نعمل وفق استراتيجية واضحة وطويلة الأمد تمتد الى خمس او عشر سنوات. وكي ندخل في شراكة بوضع سليم يجب ان يكون هناك تكافوء بين موظفي القطاعين العام والخاص من حيث الرواتب”.

كما قدمت عبد العال المزيد من الحجج لرفضها المشروع قائلة” من المتوقع حصول فساد كبير من دون وجود رقابة فاعلة ومساءلة خصوصاً على التعريفات والصيانة والنوعية وعدم قدرة الفقراء على دفع البدلات”. وركّزت في حديثها على واقع “غياب الارقام الحقيقية. لا يوجد داتا حول المياه والموارد المائية. الدقة هي الاساس عند تحليل المعلومات المائية التي يستعملونها. لماذا في بلو غولد لا يكشفون عن معلوماتهم ومصادرها؟ لينشروها اذاً. لا يوجد لدينا داتا خاصة بالمياه وإذا لم يكن لدينا معلومات حول المياه كيف يمكن ان تديريها؟ من اين جاءوا بالفائض الذي يتكلمون عنه؟ كيف يمكن ان نصدق ذلك؟ لقد طرحوا مشروعهم وبنوه على اساس سنة كانت تتصف بالجفاف اصلاً. بحسب القانون، لمصلحة مياه الليطاني الصلاحية ان تقيس منسوبات المياه في كل لبنان ولكنهم يفتقدون للكادرات البشرية والأدوات والآلات التي تحتاجها قاعدة المعلومات”.

وتختم بالكلام عبدالعال كلامها بنقاش وبجملة تساؤلات حول “الفائض الذي يتكلمون عنه هو نصف مليار او 500 مليون متر مكعب، وفي العام 2030 سيكون هناك فائض 1500 مليون بعد الاستهلاك الزراعي والمعيشي والصناعي. كل هذه الفوائض للبيع وهنا اتساءل اذا كنا سنعطي المياه النظيفة لجيراننا بموجب عقود لـ20 سنة ربما، هل سنبقي للبناني المياه المبتذلة المكررة؟ خطتهم الحالية تمتد لخمس سنوات. ويجب هنا التطرق الى موضوع مياه بيروت وهي الأفضل من ناحية الجباية والعائدات وهي تملك حالياً اصول بقيمة 5 مليار دولار. فهل هذه الأصول ستتحول لتكون تحت ادارة مجلس المياه ومشروع البلوغولد، مع العلم بأنها ملك الشعب اللبناني؟”

وفي ظل هذه المعطيات، نجد أن الدولة اللبنانية هي المشكلة الحقيقية لا المياه. فالدولة لم تطرح في الافق أي شيء يشبه الخطة او المشروع لادارة المياه في لبنان في سبيل وقف الهدر والتوزيع العادل على المواطنين مع الحفاظ على النوعية. وفي ظل فقدان الخطة، تبدو الدولة أعجز عن تأمين أبسط حقوق المواطن وهي المياه، ولكن ماذا ينتظرنا في الأفق؟ وهل الشراكة التي يطرحها “بلو غولد”؟ أو المياه محلاة هي الحل؟