IMLebanon

مغامرة السكّر: مصنع زين حرب يطالب بالحماية الجمركية

سكر

محمد وهبة

السكّر الأبيض هو سلعة أساسية في حياة المستهلك، لكنها مثل باقي السلع الأساسية في لبنان متفلتة من كل الضوابط ومتروكة لـ«أخلاق» التجّار، أما صناعة السكّر المحلية فهي كمن يحاول العودة من بين الأموات. فمن أصل أربعة مصانع أنشئت منذ مطلع القرن الماضي، يعمل في لبنان مصنع واحد بكلفة إنتاج باهظة

لم يعد هناك شكّ بأن إنشاء مصنع في لبنان هو مغامرة استثمارية. يتطلب الأمر أكثر من جرأة للانخراط في مغامرة كهذه. زين حرب، هو أحد هؤلاء المغامرين الذين أسّسوا مصنعاً للسكّر في لبنان. حالياً هو المصنع الوحيد من نوعه بعدما وقعت المصانع الأربعة السابقة ضحية المنافسة العالمية في سوق السكّر والدعم الأوروبي والانكليزي لصادرات السكّر. مغامرة حرب تأتي بعد تهاوي آليات الدعم الأجنبية، إلا أنها اصطدمت بكلفة الإنتاج الباهظة محلياً.

في مطلع الأربعينيات، كانت صناعة السكّر رائجة في لبنان. هذا البلد الصغير كان يستحوذ وحده على 4 مصانع. الطاقة الانتاجية القصوى لهذه المصانع كانت تصل إلى 90 الف طن، لكن انتاجها لم يكن يزيد عن 30% من طاقتها القصوى. ففي عام 1961، ذكرت مجلة الرائد العربي، أن استهلاك لبنان من السكّر الأبيض كان يبلغ 35 ألف طن منها 30 ألفاً منتجة محلياً، و5 آلاف طناً مستوردة. وتشير المجلّة إلى أن هذه الصناعة كانت تتعرّض لمنافسة قوية من الخارج؛ فعلى سبيل المثال، كانت المملكة المتحدة تشتري السكّر المنتج من دول الكومنولث بأسعار باهظة، وتعيد تصديره بأسعار مخفضة جداً إلى العالم. وبحسب حرب، فإن الدول الأوروبية، كانت تدعم كل صادرات السكّر لديها، ولم تتوقف عن ذلك إلا في 2005 حين أصدرت قراراً باقتصار دعم صادرات السكّر على 1.5 مليون طن سنوياً، وأن يصدّر حصراً إلى دول العالم الثالث.

لكن استهلاك السكّر في لبنان لا يقتصر على الكميات الرسمية، بل تضاف إليها كميات واردة من عمليات التهريب التي كانت تأتي من عدد من المصادر، أبرزها اسرائيل التي كانت تضع أسعاراً للسكّر الأبيض أدنى من السكّر الأحمر غير المكرّر… ويعتقد أن عمليات تهريب السكّر إلى لبنان لم تتوقف، وأن نسبة التهريب تتجاوز 20% من الكميات المصرّح عنها رسمياً.
على أي حال، إن مشهد الأربعينيات وما بعدها، يختلف كثيراً عن مشهد اليوم. فالمصانع الأربعة توقفت بصورة كاملة. وحتى عام 2005، أي حين ربحت البرازيل الدعوى التي رفعتها ضدّ الاتحاد الأوروبي على خلفية الضرر اللاحق بها بسبب الدعم الأوروبي لصادرات السكّر، لم يتجرأ أحد في لبنان على إنشاء مصنع لإنتاج سلعة غذائية أساسية مثل السكّر. «اشترينا المصنع واستثمرنا فيه نحو 50 مليون دولار لتصبح طاقته الإنتاجية القصوى 230 ألف طن سنوياً، أي بما يفيض عن الحاجات الاستهلاكية في لبنان من هذه السلعة بنحو 80 ألف طن، وهي كمية يمكن تصديرها إلى الخارج. لكننا حالياً ننتج نحو 75 ألف طن سنوياً ونوزّع منها محلياً ما بين 60% و70% ونصدّر الباقي».
وما يميز المشهد الجديد في سوق السكر اللبنانية، أن الكمية التي يستهلكها لبنان والمقدرة حالياً بنحو 150 ألف طن سنوياً، كانت تعتمد قبل عام 2012 على الاستيراد بصورة كاملة، ومع دخول مصنع السكّر الذي أسّسه زين حرب، أصبح يعتمد على الاستيراد بنسبة 48% مقابل 52% من الإنتاج المحلي.
لكن من هم المستوردون، ولماذا يستمرون بالاستيراد بدلاً من الاعتماد على الصناعة المحلية؟
يقسم المستوردون إلى قسمين؛ القسم الأول هم تجار يستودرون السكّر المكرّر من أجل بيعه في السوق المحلية، والقسم الثاني هم صناعيون يستوردون كميات خاصة بهم من أجل استعمالها في مصانعهم. فعلى سبيل المثال، تستورد الشركة العصرية للمرطبات في لبنان «بيبسي كولا» نحو 20 ألف طن في السنة.
وبالنسبة للمستوردين ليس لديهم سوى هدف واحد، وهو تحقيق الأرباح من تجارة السكّر، وهم ليسوا دائمين في هذه السوق، بل يطلّون عليها بين فترة وأخرى بحسب الأسعار العالمية للسكّر التي تتغيّر دائماً ولا تكون لديهم مصلحة عملية مربحة في شراء كميات كبيرة طيلة الوقت، بل يفضّلون انتظار الأسعار التي تناسبهم وتناسب قدراتهم التخزينية والتوزيعية وسواها…
أما الصناعيون، فلديهم حسابات مختلفة لجهة شراء السكّر. فهم يبحثون عن نوعية من السكّر الأبيض المكرّر بطريقة ممتازة تتناسب مع مواصفات الإنتاج لديهم. «نحن نتبع مواصفات عالمية في انتاج العصائر الخاصة بنا في شركة العصائر (بيبسي كولا)، وبالتالي فإن جودة المنتج لديها قدرة واسعة على التأثير في المنتج النهائي الذي لا يجب أن يتضمن أي ترسبات قد تتركها أنوع أخرى من السكّر أقل جودة. ببساطة نحتاج إلى مواصفات دقيقة من نقاوة السكّر» يقول وليد العساف رئيس مجلس إدارة الشركة العصرية.
ووفق المعطيات المتداولة في السوق، فإن الكميات التي تستهلك منزلياً، لا تزيد عن 30% من مجمل استهلاك السوق مقابل 70% للاستهلاك الصناعي، وهذه النتيجة سببها نمط الغذاء المستهلك في لبنان.
واللافت في هذا المشهد، أن حرب يبيع السكّر الأبيض المكرّر بالأسعار العالمية نفسها «ما يسبب لنا خسائر لأن كلفة انتاجنا مرتفعة. لا يمكنني أن أنافس الأسعار العالمية بسبب قدرتها على إغراق السوق وغياب الحماية المحلية للصناعة الوطنية» يقول حرب. ويضيف: «يجب أن تضع الدولة رسماً جمركياً لحماية الصناعة الوطنية من المنافسة التي تتعرّض لها من الخارج. واردات السكّر الآتي من الصناعات الخارجية كلفتها زهيدة مقارنة بكلفة انتاجنا. فإذا استثنينا كلفة السكّر الخام الذي نستورده كمادة أولية، فإن كلفة الطاقة تصل إلى 70% من الكلفة الإجمالية. وفي المقابل، إن أوروبا لا تزال تدعم تصدير 1.5 مليون طن سكّر إلى دول العالم الثالث، والسعودية تبيع الطاقة للمصانع بكلفة زهيدة… نحن نستورد أيضاً من الجزائر ومصر وتايلاند والبرازيل وغواتيمالا».
ويلفت حرب إلى أن مصنع السكّر الذي يملكه مصمم ليكون صديقاً للبيئة وليكون استهلاكه للطاقة أقل، فعلى سبيل المثال «لا نستعمل الكهرباء في عملية الإنتاج، بل نستعمل البخار المنتج من عملية التكرير لتوليد الطاقة الكهربائية من خلال توربين… غير أن كلفة الحصول على البخار مرتفعة لأنها على الفيول، فكل طن سكّر يتطلب 1200 كيلو بخار أي بكلفة 62 دولاراً».
ويعمل في المصنع نحو 200 عامل بصورة منتظمة، إلا أن ديمومة عمل المصنع غير مستقرّة «لانعدام الحماية والمنافسة التي نتعرّض لها في السوق. سنقدّم خلال الأيام المقبلة شكوى مبنية على قانون حماية الإنتاج الوطني ونأمل أن نلقى دعم وزير الصناعة حسين الحاج حسن لأننا ننتج سلعة أساسية غير محمية، فيما هناك كثير من السلع المحمية مثل الكرتون، والبلاستيك والترابة والكلس…».
حالياً يصدّر حرب إلى سوريا والعراق وقبرص ولا يطلب سوى حماية إنتاج السكّر محلياً برسم جمركي يبلغ 5% «وهذا المعدل كاف لحمايتنا ولحماية السوق من الشعور بالاحتكار لأن الاستيراد في هذه الحالة سيبقى قائماً لكنه سيمكننا من منافسة الصناعات المدعومة في الخارج».