IMLebanon

الأزمة العراقية تؤثر على الاقتصادات العالمية

iran-iraq-saudi-map
صدّرت أسعار النفط، قلب الأحداث العالمية، منذ سيطرة مجموعات سنّية مسلحة، يتصدّرها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، على أجزاء واسعة من شمال العراق، في العاشر من الشهر الجاري.
وارتفع سعر برميل البترول إلى أعلى مستوى منذ 9 أشهر، ليتجاوز 115 دولارا للبرميل، أول أمس (الجمعة)، بسبب المخاوف من أن يؤدي القتال العنيف، إلى خفض إمدادات النفط من العراق.
وأثار التقدّم المذهل لقوات “داعش” في شمال العراق، شبح نشوب حرب بين السنّة والشيعة في قلب الشرق الأوسط، الأمر الذي ألقى بظلاله على أسعار النفط، وأثار القلق، حول مدى سلامة هيكل إمدادات الطاقة العالمية، على مدى العقد المقبل.
ونقلت صحيفة “ديلي تلجراف” البريطانية، عن كريس سكيبوفكسي، المحلل البارز في شؤون النفط، ورئيس التحرير السابق لـنشرة “بتروليوم ريفيو”، قوله: “يتحوّل العراق إلى كابوس. هناك مخاطر حقيقية بأن حركة “داعش” سوف تنتشر إلى بلدان أخرى، فاقتصاداتنا ضعيفة جداً، لتدفع 120 دولار لبرميل البترول، ولا تستطيع أن تصمد إذا وصل سعر برميل البترول إلى 140 دولاراً”.
وتوقّع محللون غربيون أن يرتفع سعر خام “برنت”، بسبب الأزمة العراقية، ما بين 10 إلى 50 دولاراً، حسب تطوّرات الصراع بين الجيش العراقي والمسلحين.
والعراق هو ثاني أكبر منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، بعد السعودية، وقبل إيران والكويت، بحصة تمثل 12 في المائة، على الرغم من تراجع الانتاج إلى 3.3 مليون برميل يومياً، منذ شباط (فبراير) الماضي، بسبب تخريب خط أنابيب كركوك جيهان في تركيا.
وقال أول هانسن، رئيس استراتيجيات السلع في “ساكسو بنك” الأوروبي، إن انخفاض إنتاج العراق من النفط، إلى المستويات التي سادت إبان حرب الخليج الأخيرة، سيتسبب في ارتفاع سعر برميل النفط 20 دولاراً، مضيفاً أن “الانتعاش الاقتصادي بأكمله يمكن أن يتوقف، ويمكن أن تشهد بعض المناطق ركوداً”.
وتعول وكالة الطاقة الدولية، على العراق في توفير 45 في المائة، من الطلب المتزايد على إمدادات النفط العالمية، بحلول نهاية هذا العقد، حيث توجد حاجة ماسة لتلبية الطلب المتصاعد، من جانب الصين والهند.
وذكرت الصحيفة البريطانية، في تقرير حديث، أن هذا يتطلّب استثمارات كبيرة تصل إلى 540 بليون دولار، بحلول العام 2035، لكي يصل الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يومياً، ويبدو أن هذا الأمر غير واقعي، خاصة في الوقت الذي تتجه فيه العراق نحو حرب أهلية طائفية.
وأعلن وزير النفط العراقي، عبدالكريم اللعيبي، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن بلاده تخطط لزيادة الإنتاج النفطي إلى 4 ملايين برميل يومياً، بحلول نهاية العام، وهو أعلى مستوى للإنتاج منذ أواخر سبعينات القرن الماضي.
وقالت هيليما كروفت، من بنك “باركليز” البريطاني، إن تنظيم داعش نفّذ بالفعل تفجيرات في عمق الجنوب الشيعي بالبصرة، وربما يصعّد الهجمات على البنية التحتية للطاقة.
وأضافت كروفت “جنوب العراق ليس خارج الرقعة الجغرافية لانتشار الجماعات المتطرفة… نعتقد أن الحكومة ستكون مضطرة لوضع مخصصات مالية، لاستكمال تحديث البنية التحتية النفطية الحيوية، في ذات الوقت الذي عليها أن تخصص موارد مالية متزايدة، لوقف التهديد الأمني”.
وقال مايكل لويس، من “دويتشه بنك” الألماني، إن المعارك الضارية في العراق شكلت “خطراً جديداً” على أسواق النفط العالمية، لتلقي بشكوك حول القدرة على استكمال بناء حقل غرب القرنة 2، كما هو مخطط له.
وأعلنت شركة “لوك أويل” الروسية، التي بدأت الإنتاج من الحقل الواقع بجنوب العراق في آذار (مارس) الماضي، ارتفاع إنتاج الحقل إلى 200 ألف برميل يومياً، وسيصل بنهاية العام إلى 400 ألف برميل يومياً.
وجاءت الأحداث غير المتوقعة في العراق، بينما يضرب الشلل قطاع النفط في ليبيا، وأدى صراع المليشيات المسلحة في ليبيا، إلى خفض الإنتاج لأقل 200 ألف برميل يومياً، وهو ما يمثل خُمس الطاقة الفعلية لإنتاج النفط في ليبيا.
وبلغ إنتاج ليبيا من النفط قرابة 1.4 مليون برميل نفط يومياً، حتى منتصف العام 2013، قبل استيلاء مسلحون على موانئ نفطية في البلاد، مطالبين بإنشاء إقليم في برقة (شرق ليبيا).
ودعت وكالة الطاقة الدولية، منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، إلى زيادة الإنتاج بمقدار 900 ألف برميل يومياً، حتى قبل تفجّر الأوضاع في العراق، ورغم ذلك تجاهلت “أوبك” هذا الطلب، وأبقت على حصصها دون تغيير، عند 30 مليون برميل يومياً، في وقت سابق من الشهر الجاري.
وقالت إليزابيث ستيفنز، من “جاردين لويد تومسون” البريطانية لتقديم الاستشارات، ومقرّها لندن، إن تنظيم “داعش” يموّل نفسه من خلال السيطرة على حقول النفط في سوريا، ويبيع من النفط الخام شهرياً بما قيمته 18 مليون دولار، إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مضيفة “ربما يتعيّن علينا أن نشجّع الأسد للشراء من الغرب، ولكن هذا سيكون بمثابة تغيير كبير في السياسة”.
وقالت الصحيفة البريطانية، إن العالم يسعى لإعادة إيران إلى المجتمع الدولي، أكثر من أيّ وقت مضى، إذ أن إنهاء العقوبات يسمح لطهران، ببيع مليون برميل بترول إضافي يومياً، مع احتمال بارتفاع هذه الكمية أكثر من ذلك بكثير، مع بدء انتعاش الاستثمار.
وكان وزير النفط الإيراني، قد أعلن في العاشر من الشهر الجاري، والذي صادف سيطرة مجموعات مسلحة يتصدّرها تنظيم “داعش” على محافظة الموصل، وارتفاع وتيرة القتال المسلح، أن إنتاج بلاده من النفط يمكن أن يصل الى أربعة ملايين برميل يومياً، في أقل من ثلاثة أشهر، في حال رفع العقوبات الغربية عن برنامج طهران النووي.
وجاء إعلان وزير النفط الإيراني، تنفيذاً لموازنة إيران للسنة المالية 2014-2015، التي بدأت في 21 آذار (مارس) الماضي، والتي بلغ حجمها حوالى 320 بليون دولار، وتراهن طهران على زيادة حجم الصادرات النفطية من 800 ألف برميل، إلى مليون برميل يومياً في الشهر الجاري، على أن يرتفع تدريجياً بعد 20 تموز (يوليو) المقبل، وهو موعد انتهاء فترة مفاوضاتها النووية مع مجموعة (5+1)، إذ تستفيد من رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وبذلك ستكون قادرة على زيادة صادراتها الى أربعة ملايين برميل يومياً، وبمتوسط سعر البرميل 100 دولار.
ورأت الصحيفة البريطانية أن انهيار العراق مأساة. وقالت إن العراق يعاني من انتشار الفساد إبان رئاسة نوري المالكي للحكومة، فضلاً عن فشله في الالتزام باتفاقات تقاسم السلطة مع السنّة، مضيفة أن تجزئة العراق يزيد كثيراً من خطر التدخل من جانب إيران وتركيا، وقوى خارجية أخرى، وتحويل الأزمة إلى صراع كامل من أجل الهيمنة.
ويرى مراقبون أنه إذا ارتفع سعر برميل النفط الخام إلى 120 دولاراً، فإن العالم يمكن أن يواجه أزمة اقتصادية جديدة.
وقال جوليان جيسوب، كبير الاقتصاديين في “كابيتال إيكونوميكس” للاستشارات في لندن، إنه “لم يُصب سوق النفط العالمية بالهلع، لكن أسعار النفط ترتفع ببطء، ولكن بثبات يومياً، منذ بدء الأزمة”.
وبلغ متوسط ​​سعر برميل النفط الخام، منذ بدء أحداث الربيع العربي في 2011، حوالي 110 دولارات للبرميل، على الرغم من أن سعر النفط لم يرتفع فوق 120 دولار في أوائل العام 2011 و2012، وسط الصدمات المختلفة في الشرق الأوسط، قائلاً “لم يكن من قبيل المصادفة، أن دخل الاقتصاد العالمي حالة من التعثر، عندما وصلت أسعار النفط هذا المستوى”.
ويرى مراقبون أن كل زيادة بمقدار 10 دولارات في سعر برميل النفط، يواكبها تراجع في معدل النمو العالمي بنسبة 0.2 في المائة.