IMLebanon

غابة الضمان: «نيابة الديوان» تحقق في مخالفات

Akhbar
محمد وهبه
في الأشهر الماضية، كشفت معطيات كثيرة عن فساد وهدر في صندوق الضمان. الأمر لم يعد سرّاً، فقد تبيّن أن هناك شبكة لتزوير براءات الذمة كانت تنوي حرق مستودعات الضمان لإخفاء آثارها، وأن هناك شبكة اختلست نحو مليار ليرة، عومل أفرادها أثناء التحقيقات الأولية كأنهم ارتكبوا مخالفات إدارية بسيطة… أما رحلات السفر إلى جنيف للاستجمام على حساب المضمونين، فقد باتت أمراً عادياً!

هدرٌ أم فسادٌ في الضمان؟ الإجابة ستكون متوافرة للنيابة العامة لدى ديوان المحاسبة قريباً بعد انتهاء تحقيقاتها في ملفي تزوير براءات الذمّة والسفر إلى جنيف. أما في الصندوق، فالإرباك والقلق سيّدا الموقف، بعدما تبيّن أن هناك معطيات كثيرة عن ارتفاع منسوب الفساد في المكاتب، وآخرها شبكة الاختلاس في مكتب شكا التي سرقت 923 مليون ليرة. التدقيق الداخلي جارٍ في شبكات أخرى، لكن المشكلة في تباطؤ عمليات التحقيق والتدقيق التي استغرقت أكثر من خمسة أشهر في ملف شكّا. في الرابع من الشهر الجاري، أرسلت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة كتاباً إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تطلب فيه بيان معلومات مفصّلاً عن سفر أعضائه إلى جنيف.

شكوك نيابة الديوان تدور حول هدر أموال المضمونين تحت عنوان «ملابسات سفر بعض أعضاء هيئة مكتب مجلس الإدارة»، لكن المعلومات التي تطلبها شاملة إلى درجة أنها تريد الاطلاع على محاضر هيئة مكتب مجلس الإدارة وجلسات مجلس الإدارة المتعلقة باتخاذ قرار السفر إلى جنيف. وأشارت أيضاً إلى ضرورة الاطلاع على المهمات الوظيفية لكل شخص غادر الأراضي اللبنانية على حساب الضمان. ومن الطبيعي أيضاً أن تطلب نيابة الديوان السند القانوني الذي اتخذ قرار السفر على أساسه، وبيانا بالكلفة المالية لهذا السفر، وصفة كل من عملوا في تصفية ودفع المبالغ للمسافرين.
أصل قصّة السفر إلى جنيف يعود إلى مطلع أيار الماضي. يومها عقدت هيئة مكتب مجلس إدارة صندوق الضمان اجتماعاً، وناقشت اقتراحاً من المدير العام للضمان حول سفر ثلاثة ممثلين عن الصندوق إلى مؤتمر العمل الدولي في جنيف، هم: المدير العام محمد كركي، رئيس اللجنة الفنية سمير عون، المدير الإداري نبيل سمعان. خالف القرار عضو هيئة المكتب فضل الله شريف وحده، لكن هيئة المكتب عقدت جلسة ثانية بعد أسبوع طلب فيها رئيس مجلس الإدارة طوبيا زخيا إضافة اسمه لتمثيل الضمان، واقترح رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن إضافة اسم ممثل العمال في المجلس جورج علم… وقد أثارت هذه الاقتراحات 7 أعضاء من مجلس الإدارة، رأوا أن هيئة المكتب تصادر صلاحيات المجلس عندما توافق على السفر إلى جنيف، ووقعوا رسالة موجهة إلى المجلس لإعادة صلاحياته، إلا أن هذه الرسالة لم تعرض في جلسة مجلس الإدارة.

ما حصل لاحقاً، جاء عكس كل المداولات في هيئة المكتب. فقد تراجع كركي، فجأة، عن السفر إلى جنيف تحت ضغوط من المكتب العمالي في حركة أمل، وخصوصاً بعدما انكشفت فضيحة كلفة سفر الوفد إلى جنيف بما يتجاوز 155 ألف دولار، وربما تصل إلى 200 ألف دولار، وأن لا مواضيع متصلة بالضمان الاجتماعي على جدول أعمال المؤتمر، وبالتالي لا جدوى من السفر لأنه سيكون عبارة عن رحلة استجمام. كذلك فرض كركي على المدير الإداري عدم السفر، فيما اعتذر رئيس مجلس الإدارة طوبيا زخيا عن عدم السفر، إلا أن رئيس اللجنة الفنية سمير عون أصرّ على السفر برغم تحذيرات المدير المالي في الصندوق من عدم قدرته على صرف المبالغ اللازمة للإقامة في فندق 5 نجوم.
عند هذه النقطة، تبلّغ عضو مجلس الإدارة جورج علم أنه إذا لم يسدّد الضمان نفقات السفر، فإن الدفع سيجري من صندوق الاتحاد العمالي العام.
إذاً، القصّة كلّها باتت في يد النيابة العامة لدى الديوان. هناك ستكون التحقيقات مختلفة وربما تتوسّع لتشمل السفرات السابقة وستضع ضوابط للسفرات اللاحقة ولكل رحلات الاستجمام على حساب المضمونين، وستكون نتائج التحقيقات هي الفصل بين صلاحيات هيئة المكتب وصلاحيات مجلس الإدارة.
القصة الثانية التي شغلت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة هي شبكة تزوير براءات الذمة المالية في الضمان. الأمر ليس جديداً، بل وضع فرع المعلومات يده عليه عندما كان يتابع تحقيقاته في حريق مستودعات الضمان قبل أشهر. وقد تبيّن للفرع أن لدى بعض موظفي الضمان نشاطاً متصلاً بإصدار براءات ذمّة لمصلحة هذه الشركات لا تعكس المعطيات الحقيقية لأوضاعها في الصندوق.
وبعدما ظهرت كل هذه الوقائع التي استدعت إحالة الملف على النيابة العامة المالية التي ادّعت على أحد موظفي الصندوق وعدد من مفتشيه، قرّرت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة (نيابة الديوان مختلفة عن النيابة العامة المالية) إجراء تحقيقات منفصلة في الملف للوقوف على الجرائم المالية المرتكبة، وكشف مصادر الخلل التي أنتجت هذا النوع من المخالفات المالية. وفي هذا المجال، طلبت نيابة الديوان مجموعة من المعطيات المتصلة بقضية تزوير براءات الذمّة، وبالإجراءات التي تسبق إصدارها، وبالأشخاص المسؤولين عن هذه الإجراءات.
أما البند الثالث المتصل بالفساد والهدر، فهو التدقيق الداخلي في مكتب شكّا، وعمليات التزوير والاختلاس التي استفادت منها مجموعة من الأشخاص، بينهم أطباء وموظفون في الصندوق بقيمة 923 مليون ليرة. القضية كشفت عنها إدارة الصندوق قبل أيام، في محاولة منها لادعاء دور البطولة، بعدما رقدت لمدة 5 أشهر في مكاتب التدقيق الداخلي، وفق ما يقول بعض كبار موظفي الصندوق. واللافت أن الإجراءات الأولية التي اتخذت في حق المسؤولين عن هذه السرقة كانت عادية، ولم تتطور إلى الوقف المؤقت عن العمل، بل جرى نقل هؤلاء لمتابعة أعمالهم الوظيفية بصورة عادية في مكاتب أخرى.
وبحسب مصادر مطلعة، هناك «همس» منتشر في أروقة الصندوق عن هدر متفشٍّ في أكثر من موقع وظيفي وفي أكثر من مكتب، لكن «التحقيقات بطيئة وتبدو ممانعة للكشف عن هذه الأعمال، إذ ليست هناك إرادة سياسية بأن تصل إلى نتائج حقيقية».