IMLebanon

ندرة الأمطار: الثروة الحيوانية في خطر

Akhbar
رامح حمية

وكأن موعد الحصاد قد آن أوانه، قبل حلول «تموز الحصيدي». حقول القمح والشعير في البقاع، توغّل فيها اللون الأصفر واليباس على مرأى من عيون زارعيها، وقبل أن تظهر فيها سنابل الرزق الملأى بالحبيبات الذهبية. السبب في ذلك واضح، ولم يعد خافياً على المزارعين البقاعيين. إنها ندرة الأمطار هذا العام، وموجة الجفاف الناتج من الانحباس الحراري الذي رافق الزراعات الشتوية، التي لن تتوافر لها المياه حتى من الآبار الجوفية وبرك تجميع المياه.

الأضرار باتت أمراً واقعاً سيتأثر به القطاع الزراعي بأكمله في البقاع، وتحديداً الزراعات العلفية الشتوية، وما سينجم عن ذلك من تدنٍّ في الثروة الحيوانية، و«خربان بيوت» صغار مربي المواشي الذين سيضطرون قسراً أمام عدم قدرتهم على الاعتماد على إنتاجهم المحلي إلى خيارين «أحلاهما مرّ»، فإما الاستدانة لشراء الأعلاف بأسعار «جنونية»، وإما بيع ما يملكون من ماشية لعدم قدرتهم على أكلاف التربية المرهقة.
الانحباس الحراري وشحّ مياه الأمطار لهذا العام فعلا فعلهما في حقول القمح والشعير والذرة، حيث بدأ عدد من مزارعي تلك الحقول «تضمينها» للرعي، بسبب يباسها من دون تشكّل السنابل، «لتصبح بلا فائدة» كما يؤكد خالد ياغي مدير مؤسسة جهاد البناء في البقاع. افتقار الحقول إلى المياه طوال فترة نهاية الشتاء، لم يسمح للنبتة بالنمو وارتفاع ساقها، التي يفيد منها المزارع ببيعها كـ«تبن» (من المكملات الغذائية الضرورية للمواشي). يشير ياغي إلى أن البقاع «خسر هذا الموسم ما يقارب 50% من إنتاجه من القمح والشعير»، الأمر الذي سيرتب «مشكلة كبيرة على مربي المواشي، ولا سيما الصغار الذين سيجدون أنفسهم أمام ندرة الأعلاف، فضلاً عن الأسعار المرتفعة لكونها مستوردة ليس من دول الجوار، بل من أوروبا».
علي عثمان مزارع وتاجر بقاعي أكد لـ«الأخبار» وجود نقص حاد في الزراعات العلفية على اختلاف أنواعها هذا الموسم، وبنسبة «تفوق 50% مقارنة مع إنتاج الأعوام الماضية»، موضحاً أن المنطقة الممتدة من بلدة مقنة وشمالاً حتى الهرمل «تخلو كلياً من حقول القمح والشعير، بسبب ندرة الأمطار والجفاف»، وأن الاعتماد سيتركز على بعض سهول بلدات قضاء بعلبك من إيعات ودورس وصولاً حتى كفردان وطاريا وطليا، «وحتى بعض هذه الحقول خسرت من مساحة حقولها لعدم قدرة غالبية المزارعين على توفير مياه الري لها». لذلك فإن الكميات المحدودة من سهل البقاع «لن تكفي السوق المحلية»، بحسب عثمان الذي أوضح أن سهول البقاع الغربي تعاني المشكلة نفسها مع زراعات الذرة والبرسيم، «الأمر الذي سيفتح الباب على مصراعيه أمام الاستيراد من إسبانيا وتركيا، في ظل النقص الحاد في تلك الزراعات في سوريا، فسهولها لم تزرع بأكثر من 30%، فيما أطاح الانحباس الحراري حقول الأردن وسوقه متعطشة للزراعات العلفية»، يقول عثمان.
سعر طن العلف المحلي يبلغ سعره حالياً 300 دولار، في حين أن الإسباني سعره 400 دولار، وبحسب التجار، بدأ الارتفاع في أسعار الأعلاف بدءاً من منتصف أيار المنصرم، أمام ارتفاع الطلب عليه بسرعة كبيرة، بحسب عثمان الذي لفت إلى أن استيراد الأعلاف من الخارج «سيرفع تلقائياً فاتورة الشراء لدى مربي المواشي بنسبة تفوق 60%، وهو ما سيتأثر به حتماً صغار مربي الماشية، وسيدفع غالبيتهم إلى بيع أبقارهم نتيجة الكلفة الكبيرة لتربيتها، وكذلك مربو الماشية الصغيرة من أغنام وماعز وسينخفض سعرها كثيراً بسبب طرحها للبيع». وبالفعل سجل ارتفاع في أسعار التبن حيث بلغ سعر الطن 300 دولار، فيما لم يتجاوز سعره العام الفائت 200 دولار، أما طن البرسيم البلدي فوصل سعره الى 350 دولاراً، ولم يتعد 250 دولاراً العام الفائت.
جودت شحيتلي صاحب إحدى مزارع تربية الأبقار أوضح من جهته أن أضرار الموسم ستكون «كارثية» على المزارعين في البقاع، وسيسمح تدني كمية إنتاج الزراعات العلفية، إلى انخفاض عدد الثروة الحيوانية في البقاع بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة أمام ارتفاع الطلب عليها، وسيدفع أصحاب مزارع تربية الأبقار الصغيرة إلى بيع مصدر رزقهم، لعدم توافر القدرة المالية لديهم لمواجهة أسعار التجار المستوردين للأعلاف»، مستنداً في رأيه إلى أن «البقرة الواحدة تحتاج يومياً إلى 40 كلغ من الغذاء، وهو عبارة عن 15 كيلوغراماً من الأعلاف المكونة من الذرة والصويا والفيتامينات والنخالة والشعير والقمح (يبلغ سعر الطن 700 ألف ليرة)، فضلاً عن تبن القمح والشعير (سعر الطن 500 ألف ليرة)، والذرة المخمّرة (سعر الطن 270 ألف ليرة)، مضيفاً أن مربي الأبقار ستواجههم أيضاً مشكلة توفير مياه الشرب للأبقار، حيث تحتاج كل بقرة يومياً إلى ما يقارب البرميل (200 ليتر).
وإذا كان أصحاب مزارع تربية الأبقار الصغيرة سيتأثرون من ندرة الأعلاف وارتفاع أسعارها بسبب الاستيراد، فإن مربي قطعان الماشية من أغنام وماعز، سيواجهون المصير نفسه، بحسب شحيتلي الذي أكد أن المراعي الخضراء في سفوح السلسلتين الشرقية والغربية، التي يعتمد عليها مربو الأغنام والماعز تأثرت أيضاً بفعل ندرة الأمطار والثلوج، الأمر الذي سيضطر هؤلاء إلى الاعتماد على الأعلاف صيفاً، وهو «أمر مكلف بالنسبة إليهم لكونهم لم يعتادوا ذلك»، كما يقول.