IMLebanon

هل نشهد مساراً اقتصادياً جديداً في ظل التوترات والتجاذبات السياسية؟

Diyar

جوزف فرح
ليس مستغربا ان يمر 2 تموز المقبل دون ان تنعقد الجلسة العامة لمجلس النواب لاقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام التي مضى الحديث عنها حوالى ثلاث السنوات دون ان يتم التوصل الى نتيجة في ظل استمرار الخلاف حول الايرادات التي يجب ان تغطي كمية الاموال التي ستصرف لموظفي الادارة والقوى الامنية والاساتذة وفي ظل استمرار الرفض النيابي لبعض الكتل النيابية والهيئات الاقتصادية، مما يطرح مسارا جديدا للنظام الاقتصادي في لبنان بتصويب الضرائب على القطاعات «الدلوعة» مثل القطاع المصرفي والقطاع العقاري والقطاع السياحي (الاملاك البحرية).
واذا كان المجلس النيابي لم يتمكن حتى الآن من تحقيق اماني هيئة التنسيق النقابية باقرار السلسلة على الرغم من اشباعها درسا من اكثر من لجنة نيابية في أن السؤال الذي يكبر هو : هل بات هؤلاء السياسيون غير قادرين على معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية وان المطلوب دم سياسي جديد ورواية اقتصادية جديدة لان الفاعليات الاقتصادية والاجتماعية تؤكد ان المسار الذي يسلكه لبنان اقتصاديا واجتماعيا هو باتجاه تجاوز الخطوط الحمراء، وان هناك رفض المساس بالنظام الحالي وان البعض يطالب بنظام عادل لا يتساوى فيه الفقير مع الغني في تحمل الضرائب التي تكون احيانا عشوائية.
الصراع مستمر بين الطبقة السياسية رغم ان الجميع موافق على تأمين ايرادات موازية لنفقات السلسلة الا انها تحاول «تسجيل» مواقف في ما بينها تؤثر في النظام الاقتصادي العام لكنها لا تدرك حجم الانفاق ولا عدد المستفيدين من السلسلة ولا كيفية تهديدها بزيادة العجز في الموازنة ثم على الدين العام وهي تبدو غير مقتنعة بزيادة الضرائب على المصارف وعلى ارباحها، وعلى العقارات وعلى المخالفات البحرية بل هي تفضّل زيادة نسبة الضريبة على القيمة المضافة التي تشمل كل اللبنانيين الفقراء مثل الاغنياء.
لذلك تعتقد مصادر اقتصادية مطلعة ان الضرورة تفرض اتخاذ اقصى التدابير لابقاء القطاعات الاقتصادية واقفة على رجليها في ظل الركود الاقتصادي الذي تعانيه خصوصا بعد عودة موجة التفجيرات الانتحارية الى البلد فكان اول المتضررين القطاع السياحي الذي رغم الغاء بعض الحجوزات استمر متفائلا ومؤكدا ان الموسم السياحي لم يضرب خصوصا انه يشكل نسبة 22 في المئة من الدخل القومي، كما ان القطاع التجاري اعلن الاستنفار العام. وتعرضت المالية العامة للانكماش في ظل استمرار العجز فيها وتراكم الدين العام الذي تجاوز الـ 65 مليار دولار والذي يؤدي كما يقول الخبراء الى دين على كل لبناني يتجاوز الـ 15 الف دولار قبل ان يولد وهذا الدين مستمر في التصاعد دون ان تتمكن هذه الطبقة السياسية من وقف تصاعده ودون ان تخفف من وطأته بل ما تزال تقوم باستدانة تلو الاستدانة.
هذه المؤشرات ان دلت على شيء فإنها تدل على ضبابية المشهد الاقتصادي في لبنان في ظل التفجيرات الانتحارية المتنقلة وفي ظل استمرار التجاذبات السياسية التي لا تعير اهمية الى ما وصل اليه البلد خصوصا بالنسبة للشغور الرئاسي معتقدين ان البلد ما زال بألف خير.
وتقول مصادر اقتصادية مطلعة ان الرؤية الاقتصادية الجديدة لمعالجة هذه المشاكل بحاجة الى رجال سياسية غير الطاقم السياسي الموجود الذي اثبت فشله معتمدين على مقولة المال والسلطة لبث الحياة الاقتصادية من جديد، وهؤلاء موجودون بكثرة وهم كانوا وما يزالون ناجحين امثال الشهيد رفيق الحريري الذي ارسى معالم الدولة الاقتصادية الحديثة. ونائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس الذي مارس السلطة بكل امانة وشفافية، والوزير السابق عدنان القصار ورجل الاعمال فؤاد مخزومي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامه الذي ارسى ضمانة مالية ومصرفية في البلد. وغيرهم الكثيرون الذين ابدوا استعدادهم لخدمة وطنهم في ظل هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة، وتكريس نجاحاتهم في القطاع الخاص ونقلها الى القطاع العام.
واذا كان السياسيون الحاليون يدركون او لا يدركون، المسار الاقتصادي الذي يسلكه الوطن، فمن المؤكد ان نضيف نسبة البطالة في لبنان خصوصا لدى الشباب التي تجاوزت الـ 30 في المئة ونسبة الهجرة التي تكاثرت في المدة الاخيرة، وعدد اللبنانيين الذين تجاوزا خط الفقر، وعدد المؤسسات التي اقفلت ابوابها بسبب ضيق مواردها وعدد المؤسسات التي صرفت عمالها وموظفيها، كلها صورة قاتمة عن الوطن في ظل انهماك السياسييين في تجاذباتهم التي لم تؤد سوى الى مزيد من الفرص الضائعة للبنان والى مزيد من الخسائر الجسيمة.
وبعد ان كان لبنان يحتل المرتبة الاولى في قائمة الدول الجاذبة للاستثمارات رغم البيروقراطية المعشعشة في ادارته، فإنه تراجع الى المرتبة الخامسة بين الدول العربية وانخفض حجم الاستثمارات الاجنبية الوافدة اليه بنسبة 22.89 في المئة في العام الماضي الى 2.83 مليار دولار مقابل 3.67 مليار دولار في العام 2012.
الجدير ذكره ان التراجع في حجم الاستثمارات الاجنبية المباشرة الوافدة الى لبنان يعود بالاخص الى تراجع محفظة استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في القطاع العقاري في ظل التوترات السياسية والامنية التي سادت في لبنان وفي سوريا المجاورة. وقد استحوذ لبنان على حصة 6.40 % من مجموع الاستثمارات الوافدة الى المنطقة (44.28 مليار دولار) و0.20 % من مجموع الاستثمارات الوافدة على صعيد عالمي (1.451 مليار دولار) خلال العام 2013، وقد استحوذت تركيا (12.87 مليار دولار) على حصة الاسد من الاستثمارات الاجنبية المباشرة الوافدة الى منطقة غرب اسيا، تلتها الامارات العربية ثم المملكة العربية السعودية.
لكن هذه النزعة التشاؤمية في الاقتصاد الوطني لا بد ان تخترقه من حين الى اخر ومضات امل، مشعة تنبئ بأن لبنان وطن جميل لا يمكن ان يموت، بإرادة اهله واقتصادييه والدليل على ذلك انه في اليوم الذي نفذ احد الانتحاريين عمله الانتحاري صرحت الفنانة ماجدة الرومي في بيت الدين معلنة افتتاح مهرجاناتها رغم كل التوترات الامنية وفي مساء اليوم التالي اشتعلت مدينة جونية بالألعاب النارية المميزة معلنة بدء احتفالاتها ومهرجاناتها لصيف 2014.
على اية حال، هيئة التنسيق النقابية مستمرة في تحركها واعلنت الاضراب في الاسبوع المقبل لمطالبة مجلس النواب باقرار السلسلة والسياسيون مستمرون في تجاذباتهم السياسية، لكنها ضائعة بين حيتان المال وحيتان السياسة، فهل نشهد قريبا مسارا اقتصاديا؟