IMLebanon

التوازن الإقتصادي والخلل الإجتماعي الأمني…حالة لبنان

Liwa2
إبراهيم قمبرجي *

لكل بلد في العالم موازينه وتوازناته الطبيعية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية. وكلما تقدّم البلد في التطوّر والنمو كلما إنضبطت موازينه، وتوازناته، واستقراره، والعكس بالعكس.
نحن في لبنان، لسوء الحظ، نعيش حالة من ألفلتان والفوضى الظاهر أثرهما في جميع مرافق الحياة عندنا. وقد زاد الطين بلّة أن موازين الطبيعة وتوازناتها عندنا قد بدأت تعيش حالة من التغيّرات المقلقة التي تستدعي أن نراقبها باهتمام وتحسّب لئلا نفقد أغلى ما تتحلي به بلادنا من عناصر البقاء والتقدّم والازدهار، وأعني بذلك طبيعة لبنان.
يتعرّض اللبنانيون اليوم لهجمة مسعورة بسبب إرتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، والمطالب النقابية لزيادة الأجور، وإذا ما إستمر الوضع على هذا الحال مصحوباً بغياب المسؤولين، وفساد وفجور السياسيين، وجشع التجار والباعة، وتعثر عطاءات الدولة، فلن يسلم لبنان من هذه التطوّرات الإقتصادية السلبية.
فالمفروض في إقتصاد أي بلد، ليعيش حالة من الإستقرار والتطوّر والنمو، أن يتحلّى بحدٍ أدنى مقبول من التوازن بين المقومات الأساسية للنظام الإقتصادي، أي الإنتاج والراتب والمعيشة، مما يعني أن يكون المعاش (الراتب) معادلاً تقريباً للمساهمة في الإنتاج ويكفي في الوقت نفسه لسد نفقات حاجات المعيشة بحدها الأدنى المقبول، ولكن الأمر في لبنان مغاير لهذه المعادلة وتوازناتها بشكل فاضح. فالإنتاج أقل بكثير من المعاش، والمعاش أقل بكثير من أكلاف حاجات المعيشة، الأمر الذي يفقد إقتصادنا توازناته وفرص تطوّره، ونموّه، واستقراره، لأن التطوّر والنمو مربوطان بالاستثمارات التي لا تستسيغ أو تقبّل الخلل في التوازن بين مقومات الاستقرار الإقتصادي الذي يؤدي بدوره إلى خلل في الاستقرار الإجتماعي والسياسي الذي يخيف المستثمرين ويوقف عجلة النمو الإقتصادي.
كان الإقتصادي الأول والأبرز في العالم «آدم سميث» يعتقد أن التوازنات الإقتصادية تتأتى من حركة السوق الحرة، كان يؤمن بأن الإقتصاد الحر يصلح نفسه بنفسه، ويجدد ذاته بذاته، من خلال حركة السوق وردات فعل المجتمع عليها. ولكن عندما غرق العالم في أكبر أزمة إقتصادية في الثلاثينات من القرن الماضي وعمّت البطالة والكساد والفقر، وعجزت الأسواق الحرة في الدول المتطوّرة عن النهوض بإقتصادها دون تدخّل حكوماتها، ثبت للعالم قصور نظرية (آدم سميث) وحلّ محلها نظرية الإقتصادي البريطاني (اللورد كينز)، التي تستدعي الدولة للتدخّل المباشر لتقويم أوضاع إقتصادها للخروج من الكساد والبطالة وإصلاح الخلل في التوازنات الإقتصادية الإجتماعية عن طريق تأمين العمل والحد الأدنى من العيش الكريم للناس بعطاءاتها وضماناتها وسياستها الإقتصادية والإجتماعية.
لبنان يعيش اليوم حالة من الركود الإقتصادي المقلق. الإنتاج يتعثر وهو غير قادر على أن يسير في الطريق الصحيح، وفرص العمل مفقودة، ونسبة البطالة مرتفعة جداً بين الشباب الذي ينشد الهجرة أو العمل في الخارج، والرواتب جامدة لا تتحرك، وأكلاف المعيشة في إرتفاع مضطرد غير مسبوق، دون حسيب أو رقيب، والدولة غارقة في مشاكلها السياسية والأمنية، ويتلهى رجالها في الحرتقات و«البهورات» وتقاسم المغانم والمكاسب من الصفقات المشبوهة، أضف إلى ذلك أن المساعدات الخاصة التي يرسلها اللبنانيون المتواجدون في الخارج إلى أهلهم في لبنان قد بدأت تخف وتنضب.
هل نرفع الأجور لتتماشى مع زيادة أكلاف المعيشة كما يطالب البعض، ونكون بذلك قد زدنا أكلاف الإنتاج وأشعلنا فتيل التضخم المالي الذي عندما يبدأ لا نعرف متى وأين ينتهي؟!
ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الدولة لتحريك عوامل التوازن بين الانتاج، والمعاش، وأكلاف المعيشة، التي تؤدي إلى إستقرار المجتمع؟
في ظروفنا الصعبة، الأسهل والأقرب لنا إلى الممكن أن نعمل على زيادة عطاءات الدولة وضماناتها وتخفيض أكلاف المعيشة حتى يقترب (الدخل) منها، ويصيب هذا الإجراء جميع الفقراء (الذين يعملون، والعاطلون عن العمل) بفوائده، ويمكن تحقيق ذلك بالسبل التالية:
1 – زيادة عطاءات الدولة بعد تأمين تنظيفها من فساد الإدارة، زيادة الضمانات الإجتماعية المتعقلة بالطبابة، والشيخوخة، والمدارس، واعتماد سياسات الدعم لأكلاف المواد الإستهلاكية الأساسية، مثل الأرز، والطحين، والكهرباء، والمحروقات.
2 – تفكيك ومراقبة وضبط الكارتيلات المتحكمة والمسيطرة على الكثير من المواد الإستهلاكية الحيوية.
3 – مراقبة وضبط أسعار الخدمات الطبية في جميع المؤسسات الإستشفائية.
4 – إلغاء جميع أنواع أقساط المدارس الرسمية، وضبط ومراقبة أقساط المدارس الخاصة، وكذلك الأمر بالنسبة للجامعات.
5 – لا يجوز أن يدفع المواطن اللبناني إضافات على أسعار الدواء (بين ربح المستورد وربح الصيدلي) تتخطى 30٪. لا يجوز أن يدفع المواطن اللبناني فاتورتين للكهرباء، أو أن يتحمّل إضافات بأسعار الكهرباء للتعويض عن الكهرباء المسروقة…
آن الأوان للدولة أن تتعلم بأن تكون صديقة للمواطن تساعده وتؤازره وتخفف عنه الأعباء أينما كان ذلك ممكناً، لا أن تتصرف معه وكأنه عدوّها، لا يجوز أن تحمّل الدولة الفقراء أعباء حاجاتها في الموازنة بضرائب مباشرة (TVA) وتترك القطاعات الإقتصادية القادرة المنتعشة حرّة طليقة من كل مسؤولية ضرائبية، كيف لنا أن نؤمّن نوعاً من التوازن الإقتصادي الإجتماعي، ونحن بخلاف كل الدول نأخذ من الفقير لنعطي الغني.
ظروف لبنان السياسية والإقتصادية في هذه الأيام معقدة وصعبة ويتصل القسم الأكبر منها، خصوصاً في الأمور السياسية بالخارج، إلا أن التوازنات الإقتصادية الإجتماعية تبقى مسؤولية الدولة اللبنانية في توصيفها، وتركيبها، وتحريكها، وتفعيلها، فعندما يكون التوازن الإقتصادي في حالة من الخلل والفلتان يصبح الإستقرار السياسي والإجتماعي في خطر.