IMLebanon

موازنة “دولة الخلافة الاسلامية”: مليون برميل من النفط يومياً، مال المصارف وشبكة تبرّعات خليجية

Da3eshMoney
90 عاما عاد الزمان بشواطئ البحر الأبيض المتوسّط الشرقية الى الوراء، فبعد اعلان كمال اتاتورك عام 1924 سقوط الخلافة الاسلامية، أعلن تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام في 29 حزيران من عام 2014، قيام الخلافة الاسلامية من جديد، على أرض العراق وسوريا، بعد هدم حواجز الحدود واحتلال داعش لمساحات واسعة من مناطق شمال وشرق سوريا وامتدادها الطبيعي في شمال وغرب العراق. فمنذ انفلاش الصراع السوري على المسوى الاقليمي ككلّ، قام تنظيم الدولة الاسلامية في العراق بدخول سوريا بغية مقاتلة نظام الرئيس الأسد و”الكفّار” ونصرة للثوار والمستضعفين (كما أعلن)، وبهدف اقامة الدولة الاسلامية، فغيّر اسمه الى الدولة الاسلامية في العراق والشام وانفصل عن تنظيم القاعدة وانطلق محاولا وصل حدود البلدين، فاحتلّ مناطق كبيرة على الحدود السورية العراقية.
بعد معركة طرد تنظيم القاعدة من شمال غرب العراق في العام 2006، شكّلت الأزمة السياسية في العراق، بالاضافة الى سيطرة مسلّحي داعش على محافظة الأنبار (وسط العراق)، ذريعة وفرصة كبرى لداعش لتتمدّد، فاحتلّ مسلّحو التنظيم الارهابي مدينة الوصل في مطلع شهر حزيران وتقدّموا وصولا الى مناطق قريبة من الحدود الاردنية والسعودية، فوصلوا الأراضي العراقية المتاخمة لحدود محافظات الرقة ودير الزور وبعض مناطق الحسكة السورية بعضها ببعض، معلنين قيام دولة الخلافة. ويبدو أن “داعش” يسير وفق استراتيجية معينة، اذ أن تطلعاته تشير الى سعيه لبناء دولة تستند إلى مقومات اقتصادية قوية أساسها فرض سيطرته على منابع النفط، كما الامر في دير الزور وصولا الى الموصل حيث النفط والغاز. أكثر من ذلك، يبدو أن استراتيجيةَ داعش تلحظ أهميةَ الماء، فكانت سيطرته على مسارات المياه العذبة، اذ أن محافظتي الرقة ودير الزور السوريتين تلتقيان بمحافظة الأنبار العراقية عبر نهر الفرات، كما يسعى التنظيم لفرض سيطرته على مناطق واسعة عند مجرى نهر دجلة.
الغريب في الموضوع أنّ جلّ المناطق التي سيطرت عليها “الدولة” هي أراض صحراوية. فما سبب السيطرة عليها وافتعال حرب مع جيشين يعتبران من الأقوى عربيا، حتّى لو أنهكتهما الصراعات الداخلية؟ أمّا السؤال الأهمّ والمطروح بقوّة على الصعيد الاقليمي والعالمي، من أين لداعش المال لكافي لشنّ حرب والسيطرة على منطقة جغرافية توازي خمس أضعاف حجم لبنان الجغرافي؟
تختلف وجهات النظر والآراء حول كيفية تويل التنظيم لحملاته العسكرية وكيفية قيامه بدفع رواتب مقاتليه، الآتين من كلّ أصقاع الأرض ليقاتلوا في بؤرة ما عرفوها يوما، وكيفية تحديده ميزانيّة دولة الخلافة الاسلامية في وقت تعاني بلدان قائمة منذ عقود، ولسنوات طويلة من انجاز ميزانيتها السنوية، والمثال الأبرز والأوضح: لبنان.
ومنذ حملة داعش العراقية، طالعتنا تقارير عدّة تتحدّث عن ثروة الدولة الاسلامية النفطية والمالية. وأشار تقرير صادر عن ‘المركز العالمي للدراسات التنموية’ ، ومقره لندن ، أن ‘الحقول النفطية الغزيرة التي تقع حالياً تحت سيطرة تنظيم ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام، والبالغة قرابة 22 حقلاً، تحتوي على احتياطي يقدر بـ20 مليار برميل من النفط على أقل تقدير. وأوضح التقرير أن الهدف من سعي ‘داعش’ للسيطرة على مصفاة بيجي في شمال العراق هو إقامة دولة نفطية. إذ تمتلك الموصل، بحسب التقرير، قرابة 12 حقلاً نفطياً يضاف لها 10 حقول نفطية في الجانب السوري، ‘الأمر الذي يمنح تلك الجماعات المسلحة مصدراً لتمويل المزيد من عملياتها ويمكّنها من شراء السلاح والعتاد وتجنيد المزيد من المسلحين في صفوفها’. ويوضح التقرير أن مصفاة بيجي تعتبر موقعاً استراتيجياً مهماً، بالإضافة إلى أنها ستمكّن المسلحين من الحصول على 170 ألف برميل من المشتقات النفطية وتوفير أكثر من 1200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية. في سياق متّصل يحذر التقرير من بريطانيا، من أن المسلحين يسعون للسيطرة على النقاط الحدودية مع دول الجوار وبخاصة مع الأردن وتركيا وذلك لاستخدامها كأوراق ضغط على تلك الحكومات والحد من التبادل التجاري الذي كان يخدم تلك الدول.
وفي تقارير اخرى اشارات عديدة الى انّه بالاضافة للنفط العراقي، فانّ التنظيم يقوم في المنطقة المحيطة بالرقة باستخراج 30.000 برميل نفط يوميا حسب تقارير استخباراتية غير دقيقة. وأضافت التقارير أنه “يتم بيع النفط من خلال وسطاء، وينقل بعد ذلك لتركيا، ويتم تهريب كميات كبيرة منه للعراق”. وعثر المسؤولون الأتراك على أنابيب نفط بدائية مطمورة تحت الأرض لتهريب النفط عبر الحدود.
الى ذلك، نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تقريراً في 24 حزيران، قال فيه بأنّه “في الوقت الذي لا تتوافر حتّى الآن أدلة موثوقة على دعم السّعودية لداعش ماليّاً؛ إلا أنّ المؤكّد هو أنّ حكوماتٍ من منطقة الخليج وخارجها لا تتردّد في تمويل الجماعات المتطرّفة بهدف استغلالها سياسيّاً”. ويضع التّقرير “تشجيع” الرّياض لهجمات داعش ضدّ الحكومتين في العراق وسوريا شاهداً على ذلك. معهد واشنطن يذهب إلى أنّ إدراك حكّام الرّياض بخطر “التهديد الإرهابي” الجدّي عليهم، لا يمنعهم من “التّواصل مع بعض قيادات الإرهابيين”في العراق وسوريا “وتوفير التّنسيق اللّوجستي وتسريب الأموال والعتاد” إليهم. وبخصوص التّبرعات الخاصة إلى هذه الجماعات، يتحدّث تقرير المعهد أنّ “بعض المتبرّعين السّعوديين، ولضمان وصول مساهماتهم إلى سوريا، فإنهم يقومون بإرسال أموالهم إلى الكويت”. وقد أُعتبرت الأخيرة واحدةً من “البيئات المهيأة لتمويل الإرهاب في الخليج العربي”، بحسب التقرير. واعتماداً على التقرير، فإن السعوديين يمثّلون، حتّى الآن، “المصدر الأكبر لتمويل الجماعات المسلّحة في سوريا”. وأكّد معهد واشنطن أن السعودية شكّلت مصدراً تمويليّاً هاماً بالنسبة لداعش، غير أنّه أشار الى أن التنظيم “في طريقه الآن للاستغناء عن هذه التبرّعات”، وذلك بسبب مصادره الخاصة المتأتّية من المناطق التي سيطر عليها.
من جهة أخرى، تحدّثت مصادر عراقية حول أنّ تمويل داعش يتمّ أيضا بالاستعانة بسرقة المصارف ونهب الممتلكات من المناطق التي يدخلونها وصولا الى اقامة الحواجز وفرض الضريبة. فقد أشارت تقارير اميركية الى أنّ داعش استولت على نحو 500 مليون دولار من البنك المركزي بالموصل، مما جعلها أغنى جماعة إرهابية. بالاضافة لذلك، تحدّثت التقارير عن سرقة التنظيم لحوالي 12 مليون دولار من مصارف مدينة الشرقاط وحوالي 5 ملايين دولار من مصارف مدينة الحويجة اثر اقتحام المدينتين وقبل الانسحاب منهما.
على صعيد آخر، عمد التنظيم الى خطف العديد من الأشخاص ومطالبة عائلاتهم بمبالغ مالية ضخمة، كتحصيلهم مبلغ 1.2 مليون دولار، جرّاء خطفهم 6 آزديين فقط. ويقول محلل في معهد للدراسات في لندن: ” كانوا ناجحين جدا في عمليات الاختطاف والفدية”، و”كان هذا المصدر الرئيسي للدخل طوال العام الماضي، وكانت الحكومات الغربية ممن دفع الفدية”. كذلك، يعتقد أن داعش متورط في عمليات تهريب وبيع الآثار.
مصدر آخر لميزانية “داعش” هو الابتزاز والضريبة باسم “الدولة”، حيث أنّ التنظيم يقوم في الرقة بتنظيم المجالس الشرعية التي تجمع “الزكاة”. وفرض الجزية على المسيحيين. ويعتقد أن ميزانية “داعش” قبل سيطرة مسلحي الثوار على الموصل وصلت إلى ثمانية ملايين دولار أمريكي. كما تعتبر نقاط التفتيش والحواجز على الحدود بين العراق وسوريا مصدرا آخر للدخل، وبحسب وثائق “داعش”، فقد أقام التنظيم 30 حاجزا في عام 2013. وبحسب معلومات استخباراتية، تصل نفقات “داعش” إلى 10 ملايين دولار شهريا، حيث يحصل المقاتل ما بين 400- 500 دولار في الشهر مثلا.
ختاما، حلّت الكارثة. تنظيم أصولي “جهادي” يعلن الخلافة الاسلامية، يحظى بتمويل من بعض الجهات المانحة بالاضافة الى تمويله الذاتي، يبلغ حجم موجوداته حوالي ملياري دولار (أغنى تنظيم جهادي في العالم)، ويعيد شعوب المنطقة الى عصور خلت معتمدا على فكر قاتم يقوم على السرقة والابتزاز والنهب. انه عصر الظلام.