IMLebanon

9 سنوات ولبنان من دون موازنة

Safir
عند المقارنة بين ما يشهده لبنان في مختلف النواحي، وما تشهده سائر دول العالم، ندرك فوراً أن لبنان حالة خاصة استثنائية بل شاذّة، ولن ندخل في تعداد الاستثناء اللبناني لأن اللائحة ستكون طويلة تبعث على اليأس والألم، وسنكتفي بحالة واحدة وهي بكل بساطة أن لبنان من دون موازنة عامّة منذ 9 سنوات. بالرغم من أهمية الموازنة في انتظام عمل الدولة والمؤسسات، فآخر عهده بالموازنة هي موازنة العام 2005، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الموازنة حلماً أو وهماً.

الأساس في تشغيل الدولة

تعتبر الموازنة هي الأساس في عمل وتشغيل الدولة، إذ تقدر من خلالها الواردات والنفقات، ونسبة العجز أو الفائض، وترسم إطاراً عاماً للأوضاع الاقتصادية والمالية. وإعداد هذه الموازنة وإقرارها، نظراً لأهميتها، محدد في مواعيد وتواريخ دقيقة في مواد الدستور اللبناني، ولم يترك الأمر من دون تحديد.
ونصت المادة 83 من الدستور على: «كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً».
وتبعاً لنص المادة 32 من الدستور: «… العقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول، وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة».
ونصت المادة 86 من الدستور على: «إذا لم يبتّ مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة، وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبت نهائياً في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء أن يتخذ قرارًا، يصدر بناءً عليه عن رئيس الجمهورية، مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به إلى المجلس مرعياً ومعمولاً به. ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق إلا إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً على الأقل.
على أنه في مدة العقد الاستثنائي المذكور، تجبى الضرائب والتكاليف والرسوم والمكوس والعائدات الأخرى كما في السابق، وتأخذ ميزانية السنة السابقة أساساً ويضاف إليها ما فتح بها من الاعتمادات الإضافية الدائمة، ويحذف منها ما أسقط من الاعتمادات الدائمة، وتأخذ الحكومة نفقات شهر كانون الثاني من السنة الجديدة على القاعدة الاثنتي عشرية (أي قسمة النفقات على أساس 12 جزءاً)».
يستدلّ من هذه النصوص أن الموازنة عمل أساسي له الأولوية في عمل الحكومة ومجلس النواب، وإقرارها قبل بداية كل سنة أمر ضروري، ويمكن التأخير حتى نهاية شهر كانون الثاني، وكل تأخير أكثر من ذلك يحمل مخاطر على أداء الدولة المالي.

السنوات 1943- 2005

يبيّن الآتي التاريخ الذي أقرت فيه الموازنة العامة في السنوات 1943-2005 حيث تبين أنه تم إقرار 59 موازنة خلال هذه الفترة:
÷ لم تقرّ الموازنة العامة في السنوات 1986-1987-1988-1989 بفعل الحرب اللبنانية وانقسام السلطة السياسية بين حكومتين وتعطل أعمال الدولة نتيجة ذلك.
÷ لم يتم إقرار أية موازنة قبل بداية السنة المالية حتى إبان العهود الأكثر استقرارًا، وهذا مؤشر إلى مدى عدم الجدية في الأمور المالية.
÷ أقرت 26 موازنة ضمن الشهرين الأولين من بداية السنة، أي أقل من نصف الموازنات أقرّت ضمن المهلة الطبيعية وهي موازنات الأعوام: 1943 – 1946 – 1952 – 1955 – 1957 – 1958 – 1960 – 1961 – 1962 – 1963 – 1964 – 1965 – 1966 – 1967 – 1968 – 1969 – 1970 – 1972 – 1976 – 1994 – 1995 – 1996 – 1998 – 2000 – 2002 – 2003.
÷ أقرّت 23 موازنة خلال النصف الأول من السنة وهي موازنات الأعوام: 1944 – 1945 – 1947 – 1948 – 1949 – 1950 – 1951 – 1954 – 1956 – 1959 – 1971 – 1973 – 1974 – 1977 – 1978 – 1979 – 1980 – 1982 – 1983 – 1984 – 1997 – 2001 – 2004.
÷ أقرّت 7 موازنات خلال النصف الثاني من السنة وهي موازنات الأعوام: 1953 – 1975 – 1981 – 1985 – 1990 – 1991 – 1999.
÷ أقرّت 3 موازنات في الشهر الأخير من السنة أو في الشهر الأول بعد انتهاء السنة وفي موازنات الأعوام 1992- 1993- 2005.
÷ فــي حكـومــات مــا بعـد الطـــائـف مـنـذ الــعـام 1990- 2013 لــم تــقـر الموازنـة في 8 سنــوات، وأقــرّت المـوازنة في 4 سنوات بتأخـير كبـير (بين نهــاية حـزيران وبـدايـة أيلول)، بينما أقرّت 3 موازنات في الـشهر الأخير من السنة، وأقرّت 9 موازنـات خـلال أشـهر كانون الثاني، شباط، آذار ونيسان، أي أن أكثرية الموازنات (15 موازنة) لم تقر أو أقرت بتأخير كبير.

العجز المقدّر والعجز المحقق

تتسم الموازنات التي أقرّت أو التي أعدت ولم تقر منذ العام 1993 وحتى العام 2013 أي في مرحلة ما بعد الطائف، بأن الحكومات المتعاقبة لم تحسن تقدير الإيرادات والنفقات في الموازنة، فالإيرادات المحققة كانت أدنى بكثير من الإيرادات المقدرة (باستثناء العامين 2004-2005)، كما أن النفقات المصروفة كانت أكبر بكثير من النفقات المقدرة، ما أدى إلى ارتفاع العجز الفعلي عن العجز المقدر. وهذا الأمر أفقد الموازنة أهميتها، صحيح أن الموازنة هي تقدير لكن يفترض أن يكون قريباً من الحقيقة لا مجرد أرقام وهمية لا تتطابق مع الواقع.
ويبين الجدول الرقم 2 هذه الحقائق.
المصدر: الإيرادات والنفقات المقدّرة بموجب قوانين الموازنة العامة، والإيرادات والنفقات الفعلية بموجب قوانين قطع حساب الموازنة العامة حتى عام 2003 باستثناء الأعوام 2006-2007-2008-2009-
2010-2011-2012-2013 حيث لم تقرّ الموازنة حتى اليوم ولا قطع الحساب.