IMLebanon

استبدال قوارير الغاز: كي لا تتكرر آلية النهب السابقة

Akhbar
فراس أبو مصلح
يؤكد وزير الصناعة حسين الحاج حسن، أن لا عودة إلى الآلية السابقة لتبديل قوارير الغاز بين عامَي 2003 و2006، التي غابت عنها الدولة بنحو كامل، وشابها «الكثير من المعطيات الغامضة»، إذ لم تكن معلومةً كمية القوارير الموجودة في السوق أساساً، فضلاً عن عدد القوارير غير الصالحة والمستبدَلة منها، أو ماذا حل بالقوارير التي استُبدلت. فيما ترى جمعية حماية المستهلك أن شركات الغاز تعمّدت تضخيم الأرقام ذات الصلة بشكل «هائل» لتبرير إطالة المدة اللازمة لتبديل القوارير في السوق، وبالتالي الاستفادة من الجعالة (المبلغ المُضاف إلى سعر إعادة تعبئة القارورة) لأطول فترة ممكنة «لنهب المستهلكين». ويتحدث رئيس الجمعية زهير برو، عن معلومات تفيد بأنه لم يجرِ إتلاف أي من القوارير غير الصالحة حينها، بل جرت «سرقتها من المستهلكين» الذين دفعوا ثمن الواحدة منها بين 40 و70 دولاراً، مؤكداً أن جزءاً مهماً من القوارير التي قيل إنها أُتلفت بيعت في الخارج، في دول أفريقية مثلاً.

لا تزال الآلية الجديدة لاستبدال قوارير الغاز وصيانتها في طور التبلور، مع انتقال البحث من لجنة فرعية منبثقة من لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، يرأسها النائب جوزف معلوف، إلى لجنة وزارية برئاسة المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون. يتحدث الحاج حسن عن «أفكار بحاجة للنقاش»، كأن تجلب الدولة القوارير وتبدّلها، أو أن تقوم شركات الغاز بجمع القوارير وإرسالها إلى مركز واحد لصيانتها، يمكن أن يشغّله القطاع الخاص، بإشراف الدولة. لكن الأكيد، بحسب الحاج حسن، أنه سيكون للدولة «الدور الأساسي» و«الحضور القوي والحازم» في الآلية الجديدة، مهما كانت صيغتها النهائية، وأن مدة التبديل لن تكون مفتوحة، وأن الدولة ستتأكد من إجراء الاستبدال بالفعل، وكذلك من نوعية القوارير وسلامتها.
منذ أشهر، ترِد شكاوى عديدة على الخط الساخن لجمعية حماية المستهلك من مواطنين يفيدون بتسرب الغاز المنزلي من القوارير. تحققت الجمعية من الأمر، واتصلت بالموزعين، ليتبين وجود أعداد كبيرة من القوارير غير الصالحة قد تصل إلى الـ50 لدى الموزع الواحد، بحسب برو الذي يرى أن السبب الرئيسي لذلك هو فحص القوارير وصيانتها بطرق «بدائية»، إذ توضع في مغاطس مياه لفحصها. كذلك تجري صيانة صمامات القوارير دون استخدام الآلات الملائمة التي تضغط القوارير إلى درجة 30 بار، «ما يشكل خطراً على المستهلكين». الحاجة لتبديل القوارير تلك إذاً حقيقية وملحة، وكذلك التخوف من تكرار سيناريو التبديل السابق، حيث دفع المستهلك دولاراً إضافياً عند تعبئة قارورة الغاز، لمدة 30 شهراً، بناءً على قانون صدر عن المجلس النيابي ومذكرة من وزير الطاقة والمياه أيوب حميد عام 2003.

يبحث تدفيع المستهلك دولاراً إضافياً عند إعادة تعبئة كل قارورة

زعمت الشركات حينها أنها بدّلت خلال المدة تلك مليونين أو 2.5 مليون قارورة بين عامَي 2003 و2006، بحسب برو الذي يلفت إلى أن لا أرقام نهائية مدققة حول عدد القوارير الصالحة وغير الصالحة في لبنان، فضلاً عن عدد القوارير التي تدعي الشركات تبديلها، «في ظل غياب الدولة الكامل عن العملية التي جعلت المستهلكين يدفعون نحو 40 مليون دولار». فيما يراوح معدل السعر العالمي للقارورة بين 13 و15 دولاراً، ويصل أقصاه إلى 23 دولاراً، دفع المستهلك مبالغ تصل إلى 40 أو 50 دولار، يقول برو. (يقول الحاج حسن إن كلفة القارورة التي تستوفي المواصفات والصالحة لمدة أقلها 10 سنوات باتت الآن 30 دولاراً).
بعد تدقيق جمعية حماية المستهلك بالأرقام التي قدمتها شركات الغاز، تبين أن لا 5 ملايين قارورة في السوق اللبناني أساساً، بل 3 ملايين في حد أقصى، التالف منها دون الـ400 ألف، فيما تزعم الشركات أن عدد القوارير التالفة وحدها يبلغ 5 ملايين، بحسب برو. «الفرق الهائل بين الحسابات» سببه سعي الشركات إلى الاستفادة القصوى من قانون الاستبدال والصيانة العتيد لـ«نهب المستهلكين» كما حدث في السابق، عبر إطالة مدة التبديل إلى «سبع أو عشر سنين للاستفادة من الجعالة لأطول فترة ممكنة، أو حتى لمدة مفتوحة، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا»!
«لا ثقة بالشركات»، نظراً إلى آلية إدارتها عملية التبديل والصيانة بين عامَي 2003-2006، يجزم برو، معلناً أن جمعيته قدمت مذكرة لوزارة الصناعة طرحت فيها الحيثيات المذكورة، ورفضت العودة إلى الآلية السابقة، و«بيع الناس سمك بالبحر». يتخوف برو من إعادة العمل بالآلية تلك، حسب ما طُرح في اللجنتين النيابية والوزارية اللتين كُلفتا بحث الموضوع، ما سيؤدي إلى دفع المستهلك دولاراً إضافياً عند إعادة تعبئة قارورة الغاز، التي يُفترض استبدال 400 ألف منها بالسنة، وإطالة المدة إلى سبع أو عشر سنوات، أو إلى ما لا نهاية. بحسب برو، تُعبأ في لبنان كمية من قوارير الغاز تراوح بين 16 و26 مليون قارورة سنوياً، «ما يعني أن الشركات تلك ستحصد نحو 20 مليون دولار سنوياً من جيب المستهلك، وهي قيمة تكفي لشراء نحو 800 ألف قارورة، فيما تتحدث الشركات عن استبدال 400 ألف قارورة فقط»! يؤكد برو أن العملية هذه غير قانونية، معلناً أن جمعيته قد حذرت في مذكرة أرسلتها إلى اللجنتين المعنيتين، النيابية والوزارية، من أنها ستتقدم بدعوى قضائية في حال تبني الآلية هذه.
طالبت الجمعية «بآلية شفافة تحسم موضوع التبديل خلال سنة»، مع مسؤولية أساسية على الشركات والموزعين تشمل صيانة القوارير، يقول برو، موضحاً أن جمعيته اقترحت «آلية متكاملة للصيانة»، تجري في مراكز تعبئة تعمل بطريقة علمية وبآلات حديثة «يصعب على الموزعين الصغار امتلاكها، ما يتطلب تدخل الدولة» لفرض إنشاء مركز أو مراكز متخصصة تشرف عليها وزارة الصناعة، في مصنع القوارير الوحيد العامل في لبنان، أو إنشاء مركز للصيانة في كل محافظة، كما في المعاينة الميكانيكية للسيارات، يقوم بـ«تتبع» تاريخ الصلاحية وعملية الصيانة لكل قارورة على حدة، بإعطائها رمزاً bar code تقرأه آلة خاصة أو حتى هاتفاً ذكياً. في الاجتماع الأخير للجان، طُرحت آليات الاستبدال والصيانة المعمول بها في مصر وسوريا والأردن والعراق، حيث للدولة دور أساسي، يبدأ بتحصيل الجعالة، يقول برو، مشيراً إلى أن جمعيته «أصرّت» على أن تدير وزارة الصناعة عملية الاستبدال، بتحصيلها الجعالة أولاً (سعت لتكون 1000 ليرة، بدل 1$)، وشرائها القوارير وتخزينها، «فيرسل الموزع القوارير غير الصالحة لتُفحص، ويُعطى بدلها». أما سعر القنينة التالفة (حديدها) البالغ نحو 7 دولارات، «فيذهب إلى صندوق، ولا يتم نهبه كما في السابق»؛ والأهم وضع آلية جديدة لإحصاء حقيقي تجري شركات التوزيع، بإشراف وزارة الصناعة وضبطها، يقول برو، متحدثاً عن إمكانية تصنيع القوارير في لبنان، وتغطية أي نقص ممكن عبر الاستيراد لإنجاز عملية التبديل بأسرع وقت، و«بأقل من سنة».
عودة الدولة لأداء دورها الطبيعي والمحوري «منطلق جيد، يعيد للدولة دورها في قضايا كبرى من هذا النمط، كما في قطاعات المياه والنقل العام، وكل الأمكنة حيث غُيِّب دور الدولة لمصلحة القطاع الخاص» المسكوت عن «فشله» في تقديم خدمات عامة أساسية كالنقل الذي بات «بدائياً وملوثاً»، والمسكوت عن «فساده المستشري»، يقول برو، مشيراً إلى أن تنظيم الدولة لقطاع الغاز المنزلي «مدخل يجب تعزيزه، وهو أفضل الممكن اليوم»، على الرغم من «المشاكل والضعف والفساد» الذي ينخر الإدارات العامة راهناً، داعياً الرأي العام والإعلام والجمعيات الأهلية لمراقبة الإدارات العامة لـ»تحسين أدائها وإعطائها دورها الطبيعي المُصادر».