IMLebanon

بلادة حكومية في مواجهة أزمة المياه

Akhbar
فراس أبو مصلح
رغم طغيان هاجس أزمة المياه المرتقبة منذ فصل الشتاء المنصرم، حين سجلت المتساقطات أدنى معدلات لها منذ سنين طويلة، كانت الاستجابة الحكومية للأزمة الداهمة، أو بالأحرى عدم استجابتها لها، أكثر من لافتة. رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه محمد قباني عبّر عن هذا الأمر مطلع الشهر الجاري، حين أعلن أن لجنته «رفعت الصوت منذ ثلاثة أشهر عن شح المياه المنتظر في الصيف، وأبلغت مجلس الوزراء بذلك، ولكنها لم تلق أجوبة عملية».
وأوصى بتشكيل «لجنة الطوارئ» الوزارية منذ شهر آذار المنصرم، التي لم تُشكل إلا منذ حوالى شهرين ونصف شهر فقط، وستعقد اجتماعها الأول اليوم(!)، بهمة لا تتناسب أبداً مع الصفة الطارئة للأزمة. يُفترض أن تدرس اللجنة هذه توصيات اللجنة النيابية الصادرة أول من أمس، وأولاها ترشيد استهلاك المياه من خلال وقف ري المزروعات الموسمية و«الغازون»، لقاء التعويض على المزارعين وتخصيص المياه للاستعمال المنزلي وفق آلية خاصة تفرضها ظروف الأزمة، فضلاً عن لائحة كبيرة من التوصيات بعضها ضروري وملحّ وبعضها مثير ومشبوه كشراء المياه من تركيا وجرّها عبر بالونات بلاستيكية ضخمة تعبر البحر لتغذي محطتي الضخ في ضبية والديشونية.
بحسب الآلية المقترحة، تتولى مؤسسات المياه وضع لائحة بالآبار الواجب مصادرتها لقاء تعويضات، واستعمال المياه المخصصة أصلاً للمزروعات الموسمية (الخضار) من أجل الاستعمال المنزلي، تمهيداً لصدور قرار عن وزير الطاقة والمياه، بمصادرة هذه الآبار لقاء التعويض على أصحابها، تنفذه وزارة الداخلية، بالتنسيق مع مؤسسات المياه. وفي حال لم تكن الآبار المصادرة قريبة من شبكة توزيع المياه لتصب فيها مباشرة، أوصت اللجنة بقيام مؤسسات المياه، بدعم من المحافظين وقوى الأمن، بأن تتولى تنظيم التوزيع على أصحاب الصهاريج لقاء مبالغ محددة، مع مراقبة أسعار مبيعها، على أن يُدفع ثمن المياه مباشرة لأصحاب الآبار.
وأوصت اللجنة كذلك بالوقف الفوري لهدر المياه على شطف الطرق وغسل السيارات، وفرض غرامات على المخالفين. ونظراً إلى الحاجة الماسة لتمكين مؤسسات المياه من التحرك بفعالية، رأت اللجنة ضرورة دفع السلفات المقررة سابقاً للمؤسسات منذ عام 2012، وتقرير مساهمات إضافية، وخصوصاً من أجل ترميم الشبكات وإصلاح الأعطال بأقصى سرعة ممكنة للحد من الهدر، وكذلك تأمين التمويل اللازم لتمكين المؤسسات من استعمال ينابيع غير مستغلة، وحفر وتجهيز آبار جديدة «فوراً»، ومطالبة مؤسسة كهرباء لبنان بتأمين الكهرباء بشكل دائم لمحطات المياه. كما لحظت اللجنة برنامجاً لتوعية المواطنين عبر مختلف وسائل الإعلام حول ضرورة ترشيد استهلاك المياه وأساليبه.
اللجنة الوزارية ستناقش أيضاً اقتراحات الإدارات والمؤسسات العامة المعنية، الواردة في مذكرة وزير الطاقة والمياه آرثور نظريان رقم 2/م.و. بتاريخ 28/2/2014، وأبرزها «التنسيق مع شركات تعبئة المياه المعترف بها، بإشراف مؤسسات المياه والبلديات، لتزويد المواطنين بقوارير مياه للشرب، بأسعار مخفوضة خلال أشهر تموز وآب وأيلول»، وكذلك «تلزيم المشاريع المائية وأعمال الصيانة المطلوبة، عبر عقود بالتراضي مع شركات معتمدة من قبل وزارة الطاقة والمياه»، وأيضاً «التنسيق مع المصارف لتسهيل حصول المزارعين على قروض ميسرة لاستبدال أنظمة الري التقليدية بالأنظمة الحديثة كالري بالتنقيط أو الرش».
تقول رندة نمر، مستشارة وزير الطاقة والمياه، إن «سبب التأخير في الاستجابة لأزمة المياه ليس من وزارة الطاقة»، لافتة الى أن الأخيرة أصدرت منذ شهر شباط المنصرم مذكرة تشير إلى «واجبات كل الوزارات المعنية بالمياه»، وأن الوزارة تعمل منذ ذلك التاريخ على التواصل مع «الجهات المانحة لإطلاق حملة» التوعية، وأن إنشاء اللجنة الوزارية المعنية جاء «بناءً على طلب وزير الطاقة». تشير نمر إلى تواصل وزارتها مع مؤسسات المياه كافة للوقوف على «احتياجاتها الطارئة»، كتغطية ثمن المحروقات اللازمة لتأمين ضخ المياه، وإلى تقرير رفعته الوزارة إلى مجلس الوزراء تطلب فيه «مساعدة للمؤسسات»، فضلاً عن «التواصل مع الجهات المانحة وطلب التمويل لأعمال طارئة». ولدى السؤال عما تفعله الوزارة لضبط هدر المياه، تشرح نمر أن الهدر لا يقتصر على تسرب المياه من الشبكة، مشيرة إلى وجود مليون ونصف مليون مشترك بالكهرباء، مقابل 750 ألف مشترك بالمياه، أي أن 50% من المستفيدين من المياه لا يدفعون. وعن ضرورة ضبط القطاع الخاص العامل على تعبئة وتوزيع المياه، لضمان سلامة المياه ووصولها إلى محتاجيها وضبط أسعارها منعاً للاستغلال، تقول نمر إن وزارتها غير قادرة على ضبط القطاع هذا، وإن الأمر «مش شغلة الوزارة» أساساً! الوزارة تُصدر التراخيص للقطاع الخاص، لكن على القوى الأمنية مسؤولية ضبطه، تجزم نمر.
يفسر مصدر في اللجنة النيابية التلكؤ الحكومي بعدم اكتراث المسؤولين الحكوميين بما لا يمس «جيوبهم وبيوتهم»، وأن كلام الوزارة حول عدم مسؤوليتها عن ضبط قطاع المياه «كلام فارغ» بغرض التنصل من مسؤولية تنفيذ إجراءات عملانية كالتي تقترحها اللجنة النيابية، وليس «بيع الحكي» في الحملات الإعلامية الإرشادية، بحسب المصدر نفسه.