IMLebanon

غلاء المعيشة هو السبب الأول…85% نسبة العنوسة في لبنان

Nahar

كلودا طانيوس

مع الإعلان عن أن أعلى نسبة عنوسة في العالم العربي ألا وهي 85% تكمن في لبنان، وفق الدراسة التي أجرتها إذاعة هولندا العالمية في كانون الأول 2013، لم يأت الخبر مفاجئاً للبنانيين بالإجمال، فتأخُّر سن الزواج فرض نفسه كمتحكمٍ مباشر بالإرتباط الزوجي جرّاء التكاليف الباهظة التي يتطلبها، وأيضاً بسبب ارتفاع معدّل البطالة والهجرة الكبيرة للشباب اللبناني للعمل خارجاً، خصوصاً الذكور منهم.

أسباب العنوسة
أصبح غلاء المعيشة أحد أبرز العوائق التي تواجه مريدي الزواج، ممّا يُتَرجَم تأخّراً في سن الزواج عند الجنسَين، فبعد أن كانت الأنثى تتزوج في أول عشريناتها، تتزوج اليوم في آخرها وحتى في الثلاثين من عمرها أيضاً. الأمر نفسه بالنسبة إلى الذكور الذين يُقدمون على الزواج في عمرٍ يناهز الأربعين في الكثير من الأحيان.
يأتي البحث عن مسكنٍ مناسب كهاجسٍ أول يتم السعي لحلّه، خصوصاً أن أسعار الشقق والعقارات بارتفاعٍ مستمر، وبعده تأتي التجهيزات المنزلية والفرش وجهاز العروس. هذا “الأمان” العائلي ضرورة يبحث عنها الجميع كي تتوافر بيئةٌ حاضنة وسليمة للأولاد لاحقاً. هذا ما يشرح عزوبة الفتيات المستمرة لتتحول إلى عنوسة، بما أن العديد من الشبان محكومون ببطالةٍ قاهرة أو بوظيفةٍ لا تسمح لهم بـ”فَتح بيت” كما يقال في المجتمع اللبناني، فيتوجه عددٌ كبيرٌ منهم إلى الخارج للعمل في وظيفةٍ تؤمّن لهم مدخولاً أكبر، أو يهاجرون كلياً من الوطن بحثاً عن “حياةٍ” أخرى.
من ناحية أخرى، يترسّخ عامل استقلالية المرأة عن الرجل أكثر فأكثر، فبعدما كانت تعوّل على زوجها للحصول على موارد مالية لكل الأمور، أصبحت تحصّل دخلها بنفسها وتتخطّى قيمة دخلها أحياناً قيمة دخله هو، الأمر الذي يغني من استقلاليتها وقدرتها على المضيّ بحياتها وحيدة. نتجت هذه الإستقلالية تدريجياً من أن الإناث يُكملن دراستهنّ حتى النهاية ويتخرّجنَ من الجامعات بحصولهنّ على شهاداتٍ جيّدة جداً في العديد من المجالات، وشهادتهنّ لا تقوم فقط على الإجازة، بل تتعداها في أحيانٍ كثيرة إلى الماجستير والدكتوراه، مما يرفع من ثقافتهنّ ومن قدرتهنّ على دخول مجال العمل.

متى تفقد هي الأمل في الزواج؟
تُعتبَر العنوسة آفة اجتماعية، والمرأة العانس هي التي تخطّت سن الزواج المتعارف عليه، لكن ذلك لا يعني بالضرورة عزوبتها المطلقة من دون أن تتزوّج لاحقاً. فقرار الزواج تحدده هي، أي إنها حتى لو كانت عانساً متجاوزةً سن الزواج، تظلّ آملةً في الارتباط ودخول القفص الذهبي، خصوصاً من يفتقد منهنّ لوظيفةٍ تعيلهنّ، وهذا ما يظهر سنوياً عندما يتزوج ثنائي أكبر من غيره بالسنّ.
في الوقت نفسه، تتقبل المرأة عنوستها ولا تسعى للزواج في أحيانٍ كثيرة، خصوصاً عند وصولها إلى منتصف العقد الأربعيني، ويعود ذلك لعدم قدرتها على الحمل وتأسيس عائلة، الأمر الذي يطرح إشكالية حَبَل المرأة في وقتٍ مبكر من دون أن تتزوج، وذلك كي تحصل على صفة الأمومة التي تطبع شخصَها، فيما تؤكد بعض النساء أنهن فخوراتٍ بعنوستهنّ ولا يعبّرنَ عن حاجتهنّ إلى الزواج. من هنا، لا يشكّل العمر أساس الخيار بالزواج أو عدمه، بل يختلف الأمر بحسب المرأة وقرارها وإرادتها، مهما كَبُر عمرها.

العنوسة وأثرها النفسي
يؤكد عضو جمعية علم النفس البريطانية المعالِج النفسي جيريمي ألفورد لـ”النهار” أن “كلّ امرأة تتعامل وحالتها بشكلٍ مختلف عن الأخرى في حال بقائها عازبة”، موضحاً أن “هناك بعض النساء اللواتي يتأقلَمن جيداً مع ذلك ولا يعانين من مشكلاتٍ نفسية”، ومعدّداً بعض ما يصيب تلك التي تتأثر نفسياً بعنوستها: “تفتقد لثقتها بنفسها في هذه الحالة وتشعر أنها غير مجدية بما أنها ليست متزوجة، الأمر الذي يدفعها للعيش في قلق والشعور بأنها تنتمي تارةً إلى العالم حولها ولا تنتمي إليه تارةً أخرى، وقد تُصاب بالاكتئاب”.
كيفية علاج العانس التي تخجل بوضعها والتي تعاني من حالة نفسية سيئة تبدأ “بتوعيتها على أن الثقافة المحلية تزيد من الضغط عليها، خصوصاً العائلة والمقرّبين منها، وأن حالتها ليست بهذا السوء” يوضح ألفورد، مضيفاً أنه “من الضروري تحديد ما الذي يجعلها خجولة بحالتها: هل الضغط العائلي، أو المجتمع، أو فشل علاقاتها السابقة، أو صدمة نفسية…” ويشرح أن العلاج يكون قد وصل إلى غايته عندما “تصبح المرأة كائنة قائمة بحدّ ذاتها وتعيش لنفسها، وليس لغيرها، أي عندما تقتنع بأنها شخصٌ ذو كينونة ولا يحتاج بالضرورة إلى شريك في الحياة”.