IMLebanon

«إصلاح سوق العمل»: وصفة قديمة ــ جديدة لصندوق النقد

Akhbar

فراس أبو مصلح

تعرض «مذكرة مرجعية» بعنوان «إدخال الشباب إلى سوق العمل» لباحثتَين في صندوق النقد الدولي، غاييل بيير ودانية أركوبي، التركيبة العمرية، وواقع «سوق العمل» وبطالة الشباب في ما يُسمى منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، لتقدم التوصيات القديمة ــ الجديدة نفسها بشأن ضرورة «تحسين مناخ الأعمال»، و«معالجة التشوهات في السياسة العامة»، وأبرزها بحسب باحثتَي صندوق النقد «القطاعات العامة الكبيرة الحجم»، والقوانين الناظمة للعمل، وتسوّق «سياسات سوق العمل الفعالة الجيدة التصميم»، التي تملي «تنسيق أدوار القطاع العام والقطاع الخاص»، بحيث «تحرر» الدولة القطاع الخاص من ضوابط تسريح العمال، و«عبء» تعويضات نهاية الخدمة، وتخفض الحد الأدنى للأجور… مقابل تكبدها تكلفة «دعم أجور الفئات الضعيفة من الشباب»!

تشير تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2013 إلى أن معدل البطالة بلغ 12.2% في شمال أفريقيا و10.9% في الشرق الأوسط، وهو «الأعلى على مستوى العالم»، وإلى أنه «متواصل ومتزايد»، فيما بقيت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة أقل من 50%، مقارنة بما يزيد على 60% في البلدان الصاعدة والنامية، بحسب المذكرة.
في المعدل، تبلغ حصة القطاع الرسمي (أو النظامي) من الناتج المحلي في المنطقة المذكورة حوالى الثلث، ويشتغل 76% من القوى العاملة في القطاع غير الرسمي، الذي يتسم «بانخفاض الإنتاجية، وظروف العمل غير الملائمة، وارتفاع معدل دوران العمالة (تبديل العمال)، ومحدودية فرص نمو الاستثمار والأعمال»؛ ويعاني الشباب البطالة «بصفة خاصة»، نظراً «إلى قلة خبرتهم العملية ومحدودية علاقاتهم، وحاجاتهم إلى تعلم أساسيات العمل»، فيجري توظيفهم في القطاع غير الرسمي أو في وظائف منخفضة الأجر، وتطول مرحلة الانتقال من الدراسة إلى العمل، بحسب المذكرة.
نسبة الشباب إلى مجموع السكان في المنطقة هي «من أعلى النسب» عالمياً، وتتراجع نسبة الفئات العمرية غير العاملة (أي الأطفال حتى عمر 14 سنة، ومن يفوق عمرهم 65 سنة) من السكان «باطراد على مدى الثلاثين عاماً الماضية»، تقول المذكرة، محذرة من أن عدم استيعاب الشباب في سوق العمل قد يؤدي إلى توترات وصراعات اجتماعية ـــ سياسية. توصي المذكرة بـ «تحسين مناخ الأعمال ومعالجة التشوهات في السياسة العامة، بحيث تتمكن المشروعات الخاصة من النمو»، وكذلك «إصلاح التعليم وسياسة سوق العمل»، ما يُفترض أن يؤدي إلى «خفض معدلات البطالة ككل». أما «تشوهات السياسة العامة» و«سوق العمل»، فأبرزها «القطاعات العامة الكبيرة الحجم»، بحسب المذكرة التي تستند إلى مسوحات تظهر أن 23% من الشركات في المنطقة «ترى أن القواعد المنظمة لسوق العمل تمثل أحد القيود أمام ممارسة أنشطتها»، وتعدّ تلك النسبة «الأعلى» في العالم! ترى المذكرة كذلك أن «قوانين الحد الأدنى للأجور قد لا تكون مشجعة على توظيف العاملين الأصغر سناً»؛ وبرغم الإقرار بأن القوانين تلك «تسهم في توفير فرص عمل عالية الجودة، والحد من الفقر»، ترى المذكرة أن «تسريح العمالة الناجم عن الحد الأدنى للأجور يتركز بين الفئات التي يرمي في الأساس إلى دعمها»(!)، أي الشباب وأصحاب المهارات المنخفضة والنساء العاملات، وأن «وضع حد أدنى مُخفّض لأجور الشباب» يمكن أن يجنبهم العمل في القطاع غير الرسمي.
القوانين الناظمة لعملية تسريح العمالة «لا تمثل أعباء ثقيلة بصفة خاصة»، فـ«فترات الإخطار بالفصل تظل ضمن النطاقات المعتادة»، كما يُسمح بتسريح العمال «لأسباب الزيادة عن الحاجة»، وبالرغم من ذلك، فإن «تكاليف الفصل من العمل مرتفعة» (!)، بحسب المذكرة التي تفسر الأمر الأخير بـ«استخدام مدفوعات نهاية الخدمة كتعويض عن مخاطر البطالة، في ظل غياب نظم لتأمينات البطالة». تمثل التعويضات تلك «عبئاً ثقيلاً على ممارسة الأعمال»، وهي «لا توفر تغطية كافية ضد مخاطر الباطلة»، و«لا تغطي سوى نسبة من العاملين»، فضلاً عن كونها «تنازلية» بسبب ربطها بفترة العمل، وخاصة بالنسبة إلى الشباب «الذين غالباً ما يمرون بفترات بطالة قصيرة ومتكررة»، بحسب المذكرة، التي تلفت إلى محدودية تطبيق القوانين الناظمة للعمل، نظراً إلى اقتصار تطبيقها على القطاع الرسمي.
تشير المذكرة كذلك إلى «تحسن المستوى التعليمي باطراد» في المنطقة، إذ تتزايد أعداد المتعلمين، «وتواصل البنات التقدم في اللحاق بالبنين»، ولا سيما في «تعادل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الجنسين»، برغم تدني «مستوى جودة التعليم» إجمالاً، حيث «لا يكتسب الطلاب المهارات التي تلزمهم للنجاح في القطاع الخاص»، كما «لا يُتاح للعاملين إلا فرص قليلة للتعلم المستمر مدى الحياة»، حيث تقل نسبة الشركات التي توفر «تدريباً منهجياً للعاملين» عن 30%، مقارنة «بأكثر من 40% في شرق آسيا والمحيط الهادئ».