IMLebanon

الممرات الاقتصادية العراقية في قبضة «داعش»: المنتجون المحليّون قلقون من خسارة سوق العراق

Akhbar

محمد وهبة

«كان شهر حزيران من أسوأ الأشهر التي مرّت على الصادرات الصناعية». هذه العبارة تكرّرت على لسان أكثر من صناعي يصدّر بضائعه إلى العراق. فقد تقلّصت الصادرات اللبنانية البرية وأصبحت خاضعة لعوامل القلق والخوف، مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» على خطوط التصدير من سوريا إلى العراق، وعلى المعابر الأساسية بينهما، وتقطّع أوصال العراق بعد سيطرة داعش على بعض المناطق هناك.
يقول عدد من أصحاب المصانع اللبنانية إن معبر البوكمال يعدّ ممراً أساسياً للصادرات اللبنانية التي تذهب برّاً إلى العراق.
ومنطقة البوكمال، شهدت خلال الأسابيع الماضية نزاعاً مسلحاً بين بعض الفصائل السورية المسلّحة، ثم دخلت «داعش» أخيراً على الخطّ بعدما سيطرت على الجهة العراقية من الحدود، ما رفع من وتيرة المخاطر في التصدير البري من لبنان إلى سوريا فالعراق.
ويروي هؤلاء الصناعيون أن سيطرة «داعش»، أيضاً، على بعض الممرات البرية الجبلية التي تربط سوريا بالحدود التركية كان لها أثر كبير في تصدير البضائع اللبنانية، فضلاً عن أن هناك معبراً برياً في أحد الوديان بين تركيا وسوريا، يكاد يكون المعبر البري الوحيد المتاح للعبور «شبه الآمن» غير أن كلفة التصدير عبر هذا الممر ارتفعت من 4500 دولار إلى 6000 دولار للحاوية الواحدة (قاطرة ومقطورة).
يضاف إلى ذلك، أن سيطرة داعش على بعض المناطق العراقية والسورية، لعبت دوراً كبيراً في تحديد خيارات التصدير إلى العراق، إذ أن غالبية المناطق الحدودية بين سوريا والعراق باتت تحت سيطرة «داعش» أو فصائل مسلّحة ثانية، وبالتالي لم يعد أمام الصادرات الصناعية اللبنانية سوى استخدام المعابر الجويّة الأكثر أمناً والأسرع، أو المعابر البحريّة بطريقة الترانزيت بين لبنان وتركيا والعراق. إلا أن كلفة التصدير البحري عبر مرسين ــ العراق، أو التصدير الجوّي مرتفعة كثيراً، وهو أمر يزيد أكلاف الصناعة اللبنانية المثقلة أصلاً بأعباء ارتفاع كلفة الطاقة التي تتراوح حصّتها من الإنتاج بين حدّ أدنى يبلغ 20% ويمكن أن يتجاوز 40% من كلفة الإنتاج بحسب نوع الصناعة.
خطورة هذا الوضع على الصادرات اللبنانية لا تقتصر على صعوبة التصدير وارتفاع الكلفة، فالعراق يمثّل رابع أهم مستورد لمنتجات الصناعة اللبنانية. وبحسب الإحصاءات الجمركية فإن الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية سجّلت الصادرات الى العراق قيمة 82 مليون دولار فقط، وهو رقم ضعيف جداً وفق معطيات جمعية الصناعيين اللبنانيين. لكن ضعف التصدير إلى العراق لم يظهر عام 2014، بل بدأ مع بداية الأزمة السورية عام 2011 حين انخفضت الصادرات اللبنانية إلى 197.5 مليون دولار مقارنة بـ 266.8 مليوناً عام 2010. ثم تحسّن الوضع قليلاً عام 2012 مع ارتفاع الصادرات إلى العراق إلى 211.4 مليون دولار ليصل إلى 272.2 مليون دولار عام 2013.
وتمثّل السوق الاستهلاكية في العراق مقصداً أساسياً للمنتجات اللبنانية سواء الصناعية منها أو الزراعية.
وفي رأي التجار والصناعيين، إن العراق يعدّ من أضخم الأسواق الاستهلاكية في المنطقة، ويذهب بعضهم في اتجاه توصيفه بأنه سوق «مهمة» لجهة القدرة الشرائية للمستهلكين والتزام التجار العراقيين سداد المبالغ المترتبة عليهم للبنانيين… ولم يسجّل سوى بعض التعقيدات البسيطة في هذا المجال عندما بدأت السلطات العراقية تطلب شهادة مواصفات معينة للمنتجات التي تدخل إلى أسواقها ما جعل التجار اللبنانيين والصناعيين مربكين قليلاً، غير أن هذا الأمر لم يتحوّل إلى عائق يحول دون استمرار دخول المنتجات اللبنانية إلى العراق.
ووفق إحصاءات الجمارك اللبنانية، فإن الصادرات إلى العراق متنوّعة أبرزها: الفاكهة المعلّبة والثمار المعلّبة، مستحضرات التجميل سواء العناية بالشعر والوجه وما شابه، والسكّر الذي بدأ تصديره إلى العراق ابتداء من عام 2013، والمياه المعدنية والغازية، والكتب والمطبوعات الورقية. وهناك قسم أساسي من الصادرات اللبنانية إلى العراق يتعلق بأعمال الديكور المنزلي مثل ورق الجدران وورق الزجاج، فضلاً عن البرادات والثلاجات التي تستعمل لحفظ الأطعمة أو للتبريد بشكل عام، ومجموعات التوليد الكهربائية سواء الصغيرة أو الوسطى أو الكبيرة.
واللافت، أن الصناعات الغذائية تستحوذ على حصص كبيرة من هذه الصادرات، وخصوصاً منتجات شرائح البطاطا المقلية (شيبس)، فيما هناك أكثر من مصنع في لبنان يصدر أدوية إلى العراق بصورة منتظمة. ومن الصادرات التي لا تستحوذ على نسب كبيرة من مجمل الصادرات إلى العراق، صادرات الاسمنت، وهنغارات الحديد، بالإضافة إلى بعض منتجات الصناعات النسيجية.
في المحصّلة فإن الصادرات اللبنانية إلى العراق تتعرض لنوعين من المنافسة؛ المنافسة الأولى مصدرها الصناعات التركية التي تنتشر في العراق بصورة مفرطة وبأسعار رخيصة نسبياً، لكن هذا النوع من المنافسة لا يتعلق بالأسعار فقط بل تدخل فيه عوامل الجودة والنوعية التي تختلف في لبنان عن باقي منتجات الدول المجاورة… أما المنافسة الثانية فهي أمنية متصلة بسيطرة المسلحين على ممرات التصدير البري وفرض الخوّات على العابرين ومن أبرز مخاطرها ارتفاع كلفة النقل والتأمين على البضائع. هذه المنافسة أشدّ وأخطر لأنها لا تتعلق بالمزاحمة العادية بين المنتجات في الأسواق الإقليمية، لأن معايير تفضيل هذا المنتج على ذاك لا تتصل بخيارات المستهلك، بل بظروف تحالفات الجهات المسيطرة على الممرات.