IMLebanon

عدم دفع الرواتب ليس مزحة

Akhbar

فاتن الحاج

آلاف الموظفين والمعلمين والعسكريين لن يكون بمقدورهم أن يعيّدوا في عيد الفطر. بات على موظفي الدولة الذين اعتادوا قبض رواتبهم في 25 الشهر الجاري، عشية العيد، أن يعدّوا الأيام الفاصلة. ستخرج الصرخة بعد أسبوع واحد على الأكثر، في غياب أي مخرج حتى الساعة لأزمة قوننة الإنفاق المالي الإضافي. المسألة داهمة وجدية، كما تقول مصادر وزارة المال لـ«الأخبار»، وليس كما يظن موظفون كثر بأنّها تدخل في خانة التهويل والمناورة والتجاذب السياسي والاستهلاك الإعلامي.

حتى وزارة التربية ليست بمنأى عن الأزمة. ففي حين تبدو مصادرها مطمئنة إلى أنّ اعتمادات رواتب المعلمين والأساتذة متوافرة حتى شهر تشرين الأول، وهي غير معنية حتى ذلك الوقت بكل هذا النقاش الحاصل، فإنّ مصادر «المال» تقول إنها لن تصرف، ابتداءً من 25 تموز رواتب لأي كان قبل إصدار قانون استثنائي في مجلس النواب يجيز لها الصرف التزاماً بأحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية. وأشارت هذه المصادر الى أن وزير المال علي حسن خليل التزم من اليوم الأول لتسلمه الوزارة بعدم مخالفة الأحكام المذكورة، وبالتالي لن يكرر المخالفات الحاصلة بعد عام 2005، والتي أسفرت عن صرف أموال عامة طائلة من دون أي إجازة بصرفها.
في الواقع، لم يستشعر الموظفون هذه الخطورة بعد. هو مجرد شد حبال وتهويل علينا لا أكثر، تقول الموظفة في وزارة التربية سلام يونس. ويتوقع الموظف في وزارة الصناعة ديب هاشم الوصول إلى مخرج قبل الموعد. برأيه، عدم إعطاء رواتب يعني إعلان إفلاس الدولة وتخليها عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها. ما يقلق هاشم ليس الرواتب، بل «القوطبة» من هذا الباب على الحقوق في سلسلة الرواتب.
«ستصرف الرواتب آخر الشهر، فلا أحد من القوى السياسية يستطيع تحمل مثل هذه المسؤولية، والأمر لا يتعدى كونه ضغطاً سياسياً ليس إلا»، تقول الموظفة في وزارة المال غنى المعوش بيقين تام.
لا يتوقع الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي فيصل زيود أن يصل الأمر إلى التنفيذ حقاً، «لكننا لا يجب أن نسمح بأن تكون الرواتب محل جدل، فهي خط أحمر وممنوع المساس بلقمة الناس وجعلها عرضة للنزاع السياسي، وأي فريق سينقضّ عليها سيدفع حتماً الثمن».
في المقابل، لا يخفي موظفون آخرون هواجسهم من أن تقطع الرواتب فعلاً تزامناً مع عيد الفطر، بكل ما يترتب عليه من استحقاقات. لا يرى الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي يوسف كلوت غرابة في ذلك طالما أن الناس ليسوا في حسابات الصراع بين الكتل السياسية. فقد أثار طرح الموضوع قلقاً جدياً وفعلياً لديه، وراح يسأل نفسه كيف سيتعامل مع رزمة القروض الشهرية وهي في الواقع باتت، برأيه، جزءاً لا يتجزأ من حياة كل موظفي القطاع العام من دون استثناء. يستدرك: «شو وقفت على الرواتب في دولة مبنية على مخالفة القوانين؟».
يوافقه الأستاذ محمد زين الدين فيقول: «منذ ثلاثين سنة والدولة ماشية على الاحتيال والفساد وبمشاركة جميع من هم في السلطة حالياً، والآن يتحفوننا بتطبيق القانون. لقد أصبح العيش في مجاهل أفريقيا أفضل من العيش في لبنان بلد العجائب والغرائب والذي لن نجد له مثيلاً بالسوء في بقاع العالم».
القضية استحوذت على اهتمام الموظفين، فراحوا يناقشونها على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ كتب أحدهم على موقع فايسبوك «خلّوا العيد يمر وما تقبضونا لتلاقوا الشعب ينام بالشوارع والثورة بتقوم، أعتقد في هذه الحالة… يجب على الجميع أن ينتفض». وكتب آخر: «الله يستر ما يطالبونا بالرواتب القديمة بحجة القوننة، بس معقولي ما لاقوا إلا شهر رمضان والأعياد حتى يقوننوا الرواتب». وسأل: «ماذا عن رواتب النواب والوزراء، هل تحتاج هي أيضاً إلى قانون ليتم صرفها، أم أن ذلك ينطبق فقط على المواطن؟». المفارقة أن هناك من وجد بارقة أمل في قطع الرواتب حين كتب: «لعل عدم دفع الرواتب يدفع بالسلسلة إلى مسار إقرارها، حيث يجبر النواب على النزول إلى مجلس النواب ليقوموا بواجباتهم وعملهم».
وتستغرب الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي ملوك محرز كيف «تصل الخلافات بين السياسيين إلى حد التلاعب بمصير رواتبنا، فيصبح السؤال «هل سنتقاضى رواتب بدلاً من إيجاد حل لسلسلة الرواتب؟». تسأل محرز أيضاً «هل التمديد لمجلس النواب سيكون عرضة للخلافات بين الكتل النيابية كحال ملفاتنا المطلبية: الكهرباء، المياه، سلسلة الرتب والرواتب والجامعة اللبنانية، أم أنّ قضاياهم الخاصة أولوية وقضايانا ثانوية؟».
المعاناة التي سيقع فيها الموظفون هذا الشهر هي معاناة دائمة عند المتعاقدين، ما جعل المتعاقدة نهلا عوض تعلّق: «لا أتمنى قطع الرواتب على أحد، بس يا ريت تجربوها لتشعروا بمظلومية المتعاقد وقديش بينشف دمو وبتنحرق أعصابه حتى يقبض مستحقاته».
الرواتب هي ورقة التوت الأخيرة التي تستر هذه الدولة، بحسب مقرر فرع جبل لبنان في رابطة التعليم الثانوي الرسمي ميشال الدويهي، ما يحتّم على المسؤولين أن ينهوا المسألة بأسرع وقت ممكن وأن يحكّموا ضمائرهم وأن لا يفسدوا كل شيء بالسياسة.