IMLebanon

طفرة الخام الصخري تحمي سوق النفط من التشنجات

FinancialTimes

إيد كروكس وأنجلي رافال

يوجد في الأراضي الزراعية النائمة في أحضان جنوبي تكساس، قرب بلدة هيلينا المهجورة، 18 برجاً لامعاً لتكثيف النفط (زيادة محتوى الكربون في النفط) تابعاً لشركة كونوكوفيليبس. لكن منظر هذه الأبراج يبدو متناقضاً مع مشهد هذه الأراضي.
منذ ثلاث سنوات فقط لم يكن هنا سوى الحقول، لكن بدأت الآن تظهر فجأة مرافق فوق هذه الحقول للتعامل مع سيل من النفط الصخري المتدفق من منطقة إيجل فورد، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة سان أنتونيو.
الآفاق هنا مشرقة، وكذلك الحال في دول أخرى قليلة منها كندا. ولأن النفط بدأ يتدفق بقوة في أمريكا الشمالية، توقع المحللون أن ذلك سيدمر الأسعار ويفتح عهداً جديداً من الوقود الرخيص، لكن ذلك لم يتحقق.
حدث ذلك لأن التقدم الهائل في إنتاج النفط الصخري الأمريكي تزامن مع نشوء فوضى سياسية في دول كبيرة منتجة للنفط. عدم الاستقرار في ليبيا والعراق وفنزويلا أشعل فتيل المخاوف بإعاقة الإنتاج وتهديد هذه الموارد في المستقبل. كما قللت أيضاً العقوبات المفروضة على إيران من واردات النفط العالمية، والصناعة النفطية النيجيرية مبتلاة بالسرقة.
ولو لم يبدأ إنتاج نفط جديد في الولايات المتحدة، التي قلصت من وارداتها بشكل حاد، لكنا قد بدأنا على الأرجح نسمع كلاماً عن أزمة نفطية عالمية أخرى. وبكلمات مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، تعتبر الولايات المتحدة “الأمة التي لا غنى عنها” فيما يخص توريد الطاقة.
كان صعود منطقة إيجل فورد مذهلاً ورائعاً. التقدم الذي أحرز في الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي، اللذين استخدما أولاً في استخلاص الغاز الطبيعي، تم تطبيقهما في السنوات الأربع الماضية مع تحقيق نتائج هائلة. وبحسب هيئة السكك الحديدية في تكساس، وهي إحدى الجهات المنظمة في الولاية، كانت منطقة إيجل فورد تنتج 15 ألف برميل من النفط يوميا في عام 2010، لكنها أنتجت 838 ألف برميل يوميا في الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة.
وتعتبر إيجل فورد، إلى جانب تكوينات باكين الصخرية في ولاية داكوتا الشمالية، واحدة من أهم مراكز إعادة الحياة للنفط في الولايات المتحدة، وهي المناطق التي كانت مسؤولة عن زيادة إنتاج النفط الخام في البلاد بنسبة تجاوزت 60 في المائة منذ عام 2008.
ويقول جريج ليفيل، المدير الفني لما يعرف بالموارد غير العادية، ومنها النفط الصخري، في شركة كونوكو “وصلت الولايات المتحدة في السبعينيات إلى ما سمي بالذروة النفطية. ولو نظرتَ إلى التراجع في الإنتاج الذي شهدناه بعد تلك الفترة لوجدناه نزولاً حاداً، وكان الكل يتوقع استمرار ذلك، لكننا الآن نجحنا في تغيير اتجاه إنتاج النفط في البلاد”.
وعلى الرغم من الازدهار في إنتاج النفط هنا، إلا أن سكان تكساس لم يروا تراجعاً كبيراً في تكلفة الوقود. ووفقا لإدارة معلومات إدارة الطاقة الأمريكية، كان سعر البنزين في تكساس 3.56 دولار للجالون الواحد في الأسبوع الماضي، وهو مماثل لما بلغه في صيف عام 2011. ولم يكن ثمن الوقود أكثر غلاءً إلا في عام 2008 عندما سجل سعر برميل النفط في الولايات المتحدة رقماً قياسياً في الارتفاع هو 147 دولارا.
وفي كل مرة يملأ الأمريكيون خزان الوقود في سياراتهم يتم تذكيرهم بأن سوق النفط عالمية وليست محلية.
تخضع صادرات الخام الأمريكي لقيود مشددة حسب قوانين تعود إلى أزمة الطاقة في السبعينيات، عندما فرض حظر لدعم تنظيم الأسعار. ومع ذلك لا يواجه تصدير منتجات نفطية، كالبنزين أو الديزل، مثل هذه القيود، ما يعني أن مصافي النفط تستطيع بيعهما بالأسعار العالمية. ويحدد خام برنت سعر النفط المرجعي في العالم، وهو الذي يحدد ما يدفعه المستهلكون الأمريكيون من ثمن، لكنه في الشهر الماضي عانى أوقاتا عصيبة.

اضطرابات العراق
فقد ارتفع خام برنت في حزيران (يونيو) الماضي إلى أكثر من 115 دولاراً للبرميل بسبب استيلاء مسلحين من تنظيم دولة الإسلام في بلاد العراق والشام، المعروف باسم داعش، على كثير من الأراضي العراقية، وبدا كما لو أنهم على وشك الاستيلاء على العاصمة، بغداد. ويعتبر العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، بطاقة إنتاجية تقدر بـ 3.3 مليون برميل يوميا. وكان يمكن أن تتسبب خسارة الأسواق العالمية للصادرات العراقية في جعل الأسعار تحلق إلى مستويات عالية جداً.
ومنذ ذلك الحين بدا أن تقدم “داعش” توقف، وأن أغلب إنتاج العراق من النفط مستمر كما كان من قبل. وحكومة إقليم كردستان، الحريصة على تصدير مزيد من الخام، استولت على حقلين نفطيين بالقرب من المدينة الشمالية، كركوك، وقالت “إنها تعتزم حماية البنية التحتية الموجودة هناك”.
ونتيجة لذلك قلت مخاوف الأسواق من احتمال إعاقة الواردات من العراق. وفي الأسبوع الماضي انخفض خام برنت ثانية إلى ما دون 107 دولارات للبرميل، ليفقد بذلك كل المكاسب التي حصل عليها في الوقت الذي كانت فيه “داعش” تكتسح شمالي العراق.
ومع ذلك، يمكن أن تصبح فكرة أن بإمكان المستهلكين الآن الاسترخاء والراحة من مسألة العراق قناعة خطرة. فلا تزال الأوضاع متفجرة، وضعف الجيش العراقي يشير إلى أن أمن الصادرات لا يزال إلى حد كبير غير مضمون.
وحتى لو لم توجد إعاقة فورية للإنتاج، إلا أن الجولة الأخيرة من الاضطرابات تحمل معها تهديداً بعيد المدى لإنتاج العراق. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن العراق سيكون واحداً من أكبر المساهمين في توريد الطاقة في السنوات الخمس المقبلة. ومن المتوقع أيضاً أن يوفر نحو 60 في المائة من الزيادة في قدرة “أوبك” على النمو من الآن حتى عام 2019. ومع ذلك يحتاج العراق لكي يكون قادراً على لعب ذلك الدور، إلى استثمارات أجنبية مستمرة للمساعدة على تطوير حقوله النفطية.
ويجادل إيد مورس، رئيس مركز أبحاث السلع العالمية في مجموعة سيتي، بأنه حتى على الرغم من استمرار كثير من الشركات الأجنبية في العمل الآن في العراق، إلا أن العنف الأخير سيزيد كثيراً من صعوبة جذب رؤوس أموال إضافية.
كل هذا يحدث على الرغم من حقيقة أن احتياطيات البلاد من النفط كبيرة جداً وزيادة الإنتاج مسألة واضحة من الناحية الفنية. ويقول مورس “عندما أصبحت دولة كولومبيا أكثر أمناً، تزاحمت الشركات فيها ثانية وتضاعف الإنتاج. ولذلك للأمن تأثير كبير، وفقدانه مانع حقيقي للتقدم”.
ستكون الاضطرابات في العراق أقل إثارة للقلق لو كانت الدول الأخرى قادرة على زيادة الموارد النفطية لسد أي فجوة تحدث من هذه الاضطرابات. لكن أسواق النفط العالمية هي أصلاً تعاني انقباضا.

إمدادات متقطعة
وفي ليبيا تراجع الإنتاج بصورة حادة وبدأ الآن فقط في الصعود ثانية بعد أن انخفض بنسبة 90 في المائة تقريباً عندما حاصر متمردون عدداً من الموانئ في العام الماضي. كما عملت العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي على تقليص إنتاجها، والجرائم التي تعصف بالإنتاج في نيجيريا لا يبدو عليها علامات التراجع.
وتلاحظ بوبي ألونبي، المديرة المشاركة لقسم الطاقة في صندوق الاستثمار في شركة بلاك روك، أن الانقطاعات غير المخطط لها في إنتاج النفط زادت بشكل ملموس في السنوات الثلاث الماضية.
وتقول “في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2014 كان يوجد خروج عن نظام الإنتاج قدره 3.8 مليون برميل يوميا، مقارنة بمعدل 850 ألف برميل يوميا خلال الفترة من 2008 إلى 2010، وقد جاءت 80 في المائة من انقطاعات الإنتاج حتى الآن من ليبيا وسورية والعراق ونيجيريا، وهي في أغلبها مرتبطة بعدم الاستقرار الإقليمي والأمن.
ويرى أندرو جولد، المدير التنفيذي السابق لشركة شلومبيرجر لخدمات النفط، الذي يعمل الآن رئيساً لمجموعة بي جي، أن الأمن أصبح في الـ 15 عاماً الماضية مشكلة كبيرة لشركات النفط حول العالم.
وقال جولد في مؤتمر عقدته “فاينانشيال تايمز” في أيار (مايو)، “إن شلومبيرجر التزمت قبل عام 2001 باتخاذ إجراءات أمنية في دولتين فقط، هما كولومبيا ونيجيريا. أما اليوم فعلى الشركة القيام بعمليات أمنية في 20 دولة على الأقل”.
وأضاف “أشعر شخصياً في هذه اللحظة أن وكالات التنبؤ والمحللين يقللون بدرجة خطيرة من إمكانية حدوث اضطرابات في السنوات المقبلة أو نحو ذلك، حتى داخل أوبك”. وأكدت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقرير لها هذا الشهر حول أسواق النفط على الشيء نفسه، وحذرت في الوقت نفسه من أن “الخطر على إمدادات “أوبك” لا يزال عالياً”. وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية على هذه المخاوف في الحالة الليبية، وذلك بإصدارها في عطلة نهاية الأسبوع الماضي بيانا تقول فيه إن واشنطن “ينتابها قلق عميق من العنف المستمر في ليبيا وأن الموقف الخطر يمكن أن يؤدي إلى انتشار الصراع هناك”.
وعلى الرغم من أن إنتاج النفط الليبي بدأ يعود إلى وضعه العادي، مع توقعات باستئناف الصادرات، إلا أن مخاطر حدوث مزيد من الاضطرابات لا تزال عالية.
وبحسب أمريتا سين، المختصة في مؤسسة الاستشارات اللندنية، إينرجي أسبيكتس، لدى كثير من دول الشرق الأوسط وإفريقيا جيولوجيا مواتية أكثر من الولايات المتحدة، وذلك يعني وصولاً مادياً أسهل إلى نفطها، لكن الأمن كان نقطة المقتل بالنسبة إليها.
وتقول “شهدنا مجموعة بأكملها من هذه الدول مثل العراق تفتح أبوابها في السنوات الأخيرة للشركات الأجنبية بسبب حاجتها لعائدات النفط. لكن هذه الدول لم تكن قادرة على ضمان السلامة الضرورية”.

تراجع عائد الاستثمار
وأصبح إنتاج النفط في بعض المناطق المطورة، مثل بحر الشمال قبالة الشاطئ البريطاني، يتراجع بصورة حادة. وبدأ كثير من شركات النفط العالمية يعاني العوائد المتقلصة على رؤوس أمواله، بسبب التكاليف المتزايدة التي ضغطت على أرباحه.
وأظهرت دراسة أعدها محللون في بنك باركليز في الشهر الماضي، أن إنفاق شركات النفط في أنحاء العالم ارتفع في هذه السنة بنسبة 6 في المائة ليصل إلى 712 مليار دولار. ومع ذلك استمرت مجموعات نفطية عالمية كبيرة، منها إكسون موبيل ورويال داتش شل وتوتال في الإبلاغ عن تناقص معدل العائدات على استثماراتها. واستجابة لضغوط من حاملي الأسهم، لجأت هذه المجموعات إلى التقليل من نفقاتها بدرجة طفيفة. ويزعم محللو بنك باركليز أن هذه “فترة ملائمة للتقليل من الاستثمار، وهو ما سيؤدي إلى فترة من تخفيض الإنتاج ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع هيكلي في أسعار النفط العالمية”.
وتعتبر صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة مورداً عالي التكلفة نسبياً، بسبب الجهود اللازمة لاستخراجه من الأرض. لكن الشركات تمكنت من تخفيض هذه التكاليف ولا يزال الاستثمار فيها يرتفع.
ويجادل جولد بأنه رغم أن موارد النفط الصخري “إلى حد ما ضعيفة وغير مؤكدة”، إلا أن الاستثمار في الولايات المتحدة لا يزال “يبدو جذاباً للغاية”. وتلاحظ ألونبي أن زيادة الإنتاج الأمريكي ناتجة عن محاولات الشركات الخاصة لتعظيم الأرباح وليس قراراً استراتيجياً من قبل الحكومة، كما يمكن أن يحدث في السعودية مثلاً، إلا أنها تعرضت لتأثير مماثل من حيث الموازنة بين الخسائر والإنتاج في بلدان أخرى واستقرار الأسعار.
وتقول “بالنظر إلى كمية النفط غير الجاهز والمعطل عن التصدير، من المرجح أن يكون سعر النفط أعلى بكثير لولا الولايات المتحدة”. ومن عام 2005 حتى 2013 كان جميع صافي الزيادات في إنتاج النفط الخام يأتي من الولايات المتحدة.
وتعتبر آفاق أسعار النفط دائماً غير قابلة للتنبؤ، ويمكن لحدثٍ معين مثل هبوط اقتصادي حاد في الصين أن يدفع بالأسعار إلى أدنى لفترة لا بأس بها. لكن على الأمد الطويل، لن يكون هناك مجال أمام الطلب على النفط في الأسواق الناشئة إلا النمو، وهو ما يضع الضغط على الإمدادات ويفرض ارتفاع الأسعار.
وبدون زيادة الإنتاج الأمريكي، سيكون الإجهاد هائلاً. ثورة النفط الصخري لها تأثير عجيب منذ فترة. سيرجو مستهلكو النفط في كل مكان أن تتمكن من الاستمرار.