IMLebanon

60 % من المياه العذبة في العالم موجودة في 9 بلدان…خطر نفاذ مياه العالم قبل النفط

FinancialTimes
بيليتا كلارك

نهر نار Nar، وهو ممر مائي صغير يقع على بعد نحو 100 ميل شمال لندن، بالكاد معروف للبريطانيين العاديين. للوهلة الأولى، من الصعب فهم سبب رغبة شركة تهتم بعلامتها التجارية مثل كوكا كولا في أن تكون لها أي صلة به.

جزء من نهر نار يشبه إلى حد غير مريح شكل الخندق، وذلك بفضل عشرات الأعوام من إعادة توجيه النهر التي تركته مستقيماً وضيّقاً جداً إلى درجة أنه يمكن عبور مياهه العكرة بخطوة واحدة. على عكس ما قد يبدو في بريطانيا المشبعة بالماء، فهو يعاني نقصا في المياه بسبب قواعد الترخيص التي عفا عليها الزمن التي سمحت بأن تتم المبالغة في استخدامه.

لكن النهر مهم بالنسبة لـ “كوكا كولا” لأنه يتدفق عبر منطقة تقوم بتزويد جزء كبير من بنجر السكر الذي تستخدمه الشركة لتحلية المشروب الذي تبيعه في المملكة المتحدة. كذلك تصريف مياه الأسمدة التي تخرج من المزارع ساهم في متاعب النهر.

تُدرك “كوكا كولا” أن هذا النوع من المشكلات يمكن أن يشكل خطراً على أعمالها. قبل 11 عاماً واجه أحد مصانع التعبئة التابعة لها في الهند احتجاجات غاضبة بسبب تأثيره في إمدادات المياه المحلية، ما أدى إلى إغلاقه في النهاية. وقد أصرّت الشركة لفترة طويلة على أن الاتهامات كانت غير عادلة.لكن منذ عام 2003، كانت “كوكا كولا” ومصانع التعبئة فيها قد أنفقت ما يقارب ملياري دولار للحد من استخدام المياه وتحسين نوعية المياه في أي مكان تعمل فيه. ذلك الإنفاق امتد الآن إلى حقل مُشبع بالمياه بالقرب من نهر نار، تحيط به مجموعة من نبات القرّاص اللاذع والماعز الغريب، حيث قامت الشركة أخيرا بدفع مبلغ مقابل القيام بأمر نادر جداً لتحسين النهر. قدمت “كوكا كولا” 1.2 مليون جنيه لمجموعة صندوق الحياة البرية العالمي للحفاظ على البيئة، التي كانت قد حفرت قناة ملتوية لاستعادة امتداد مباشر للنهر ليصبح نسخة متعرجة من طبيعته القديمة والطبيعية.

وتقول روز أونيل، مديرة برنامج المياه في صندوق الحياة البرية العالمي “إنه بالتأكيد ليس من مشاريع المحافظة على البيئة التي اعتاد عليها الناس”، موضحة أن البرنامج وغيره من الأعمال ذات الصلة التي تموّلها “كوكا كولا” ستساعد النهر على تنظيف نفسه ومعالجة مشكلة ندرة المياه.

استثمارات “كوكا كولا” البالغة نحو ملياري دولار ربما تبدو كبيرة لكنها في الحقيقة مثال صغير على المبالغ التي بدأت الشركات بإنفاقها على المياه في جميع أنحاء العالم. بعد نحو 20 عاماً من بدء البنك الدولي بالتحذير من أزمة مياه تلوح في الأفق، حيث يعمل الجمع بين عدد السكان المتزايد، وطبقة وسطى عالمية متنامية، ومناخ متغيّر، على إرهاق إمدادات المياه. وبالنسبة للشركات – المتعددة الجنسيات والشركات الصغيرة – هذا يؤدي إلى ارتفاع تكاليف مورد لطالما كان يعتبر أمراً مفروغاً منه.

يقول كريستوفر جاسون، من شركة جلوبال ووتر إنتيليجانس للأبحاث “إن التكلفة الهامشية للمياه ترتفع في كافة أنحاء العالم. في السابق، كانت المياه تعتبر مادة خام مجانية”، مضيفا أن “الشركات تُدرك أن ذلك يمكن أن يُلحق الضرر بعلاماتها التجارية، وصدقيتها، وتصنيفها الائتماني، وتكاليف تأمينها. وذلك ينطبق على شركة صناعة رقائق الكمبيوتر وشركة المواد الغذائية بالقدر نفسه الذي ينطبق به على شركة توليد الطاقة أو شركة البتروكيماويات”.

وهناك أمثلة كثيرة على مثل هذه التكاليف منها:

* خصصت شركة نستله، وهي واحدة من أكبر شركات المواد الغذائية في العالم، مبلغ 38 مليون فرنك سويسري (43 مليون دولار أمريكي) لمرافق توفير المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي في مصانعها في العام الماضي.

* في أستراليا أطلقت شركة تابعة لمجموعة الغاز البريطانية، هي شركة النفط والغاز البريطانية، نظاما لرصد وإدارة المياه بقيمة مليار دولار أسترالي (938.7 مليون دولار أمريكي) ينقل المياه المُعالجة من حقول الغاز التابعة لها، لتعزيز إمدادات المياه للمزارعين والبلدات.

* شركة الغاز الصخري الأمريكية، أنتيرو ريسورسيز، تعتزم إنفاق 525 مليون دولار على خطوط أنابيب لنقل المياه لعملياتها، وذلك لتعزيز إمكانية الاعتماد على إمداداتها.

* أطلقت كل من ريو تينتو وبي إتش بي بيليتون برنامج تحلية مياه بقيمة ثلاثة مليارات دولار في تشيلي من شأنه ضخ مياه البحر المُعالجة على ارتفاع عشرة آلاف قدم إلى منجم نحاس مشترك الملكية، وبالتالي تخفيض استخدامها لإمدادات المياه المحلية الضعيفة.

* شركة صناعة السيارات، فورد، بنت نظاما لمعالجة المياه بقيمة 2.5 مليون دولار في مصنع تجميع في بريتوريا في جنوب إفريقيا يزيد إعادة استخدام المياه بنسبة 15 في المائة. ويقول جون فييرا، المدير العالمي للاستدامة في الشركة “نحن نرى أن هذه بالتأكيد مسألة ناشئة نشعر بالحاجة لمعالجتها”.

* أنفقت مجموعة الطاقة الفرنسية، EDF، 20 مليون يورو لتحويل نفق يجلب المياه إلى واحدة من محطات الطاقة الكهرومائية التابعة لها في جبال الألب الفرنسية، لأن الطبقة الجليدية التي تغذّي توربيناتها بمياه الثلوج المُذابة تراجعت كثيراً بحيث إن النفق القديم لم يعُد يستطيع اقتناص كمية كافية من المياه. ويقول كلود ناهون، مدير التنمية المستدامة في الشركة “إن إدارة المياه ليست قضية تهم البلدان النامية فقط”.لقد أنفقت الشركات منذ عام 2011 أكثر من 84 مليار دولار في جميع أنحاء العالم لتحسين طرق الحصول على المياه، والحفاظ عليها، وإدارتها، وذلك وفقاً لبيانات من مجموعة جلوبال ووتر إنتيليجانس، وإفصاحات من الهيئات التنظيمية ومقابلات أجرتها “فاينانشيال تايمز” مع مسؤولين تنفيذيين.

وأسباب هذه الاستثمارات مختلفة؛ بعضها مدفوع بنقص المياه الطبيعية، وبعضها بعمليات صناعية جديدة تتطلب مياهاً بكميات كبيرة أو ذات جودة عالية. وتوجد شركات أخرى ترغب في أن تُظهر للزبائن أنها تهتم بالمحافظة على المياه. وبعض الاستثمارات بسبب الأنظمة البيئية الجديدة التي تتطلب معالجة أفضل لمياه الصرف الصحي.

ومبلغ الـ 84 مليار دولار ليس شاملاً ولا تسهل مقارنته بمستويات الإنفاق الماضية، لأن الشركات بشكل عام لا يُطلب منها الإفصاح عن رأس المال أو التكاليف التشغيلية الخاصة بتدابير المحافظة على المياه. وفي حين إن بعض الشركات تبرز الاستثمارات المتعلقة بالمياه في تقاريرها للاستدامة، إلا أن عدداً قليلاً منها نسبياً يفصح عن تكلفة مثل هذه البرامج.

النتيجة النهائية

مثلا، ترفض “جوجل” التصريح بالمبلغ الذي أنفقته على مصنع شيدته في أحد مراكز البيانات التابعة لها في ولاية جورجيا الأمريكية، يتيح لها استخدام مياه الصرف الصحي المُحوّلة للحفاظ على خوادمها باردة. ولم تكشف أيضاً عن المبلغ الذي تنفقه على مركز بيانات بلجيكي يستخدم المياه من قناة صناعية.

وحذّر جو كافا، مدير عمليات مراكز البيانات في الشركة، من أن المياه هي “الحقيقة الواضحة للغاية التي يتجاهلها جميع الأطراف” بالنسبة لشركات التكنولوجيا، التي عادة يمكن أن تستخدم مئات آلاف الجالونات من المياه يومياً. وقال كافا في عام 2009 “لقد كنا نركّز على استهلاك الطاقة وكفاءة استخدام الطاقة وهذا ممتاز. أعتقد أن الأمر التالي الذي نحتاج الانتباه إليه هو ما سنفعله بشأن أزمة المياه التي تلوح في الأفق”. وبما أن المياه أصبحت أكثر نُدرة، فإن استخدام شركات البيانات من المياه يمكن، بحسب كافا، أن يجذب التدقيق من الجمهور، وربما يؤدي إلى إيجاد قوانين تنظيمية تحكم كمية المياه التي تستهلكها.

في الأسبوع الماضي أبلغت “جوجل” “فاينانشيال تايمز” أن تركيزها على المحافظة على المياه جعلها تملك الآن مصنعاً في فنلندا يتم تبريده بالكامل من مياه البحر. وهي تأخذ في الحسبان أيضاً استخدام مياه الأمطار المُحتجزة في ولاية كارولينا الجنوبية.

وتعتبر الضوابط التنظيمية مصدر قلق متزايد بالنسبة لعديد من الشركات، وهو السبب الذي جعل المساهمين يبدأون بالضغط من أجل مزيد من الإفصاح عن مخاطر المياه.

صندوق النفط النرويجي الضخم البالغ حجمه 890 مليار دولار، وهو أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، يعد واحدا من عدد من المستثمرين الكبار الذين يحثون الشركات على تحسين طريقة إعداد تقاريرهم. ويشير إلى ما وصفه جان تومسن، كبير الإداريين للمخاطر في الصندوق، بأنه “زيادة ندرة المياه وأحداث سلبية تتعلق بالمياه” التي بإمكانها التأثير في عائداته طويلة الأجل.

والصندوق واحد من 530 مستثمراً، بأصول تبلغ 57 تريليون دولار، يعملون مع “مشروع الكشف عن الكربون”، وهو جمعية خيرية دولية تهتم بالبيئة. نيابة عن أولئك المستثمرين، يطلب مشروع الكشف عن الكربون من الشركات الكبيرة كل عام الإفصاح عن المخاطر والفرص التي تشكّلها المياه على أعمالهم. وفي العام الماضي، قال 70 في المائة من الشركات الـ 180 المدرجة على مؤشر FTSE 500 العالمي، التي استجابت للطلب، “إن المياه تشكّل خطراً حقيقياً على أعمالها، مقارنة بـ 59 في المائة عام 2011”.

وبرز اتجاه عام مماثل في الإصدار الأخير للدراسة السنوية للمخاطر العالمية التي أعدّها منتدى الاقتصاد العالمي للمسؤولين التنفيذيين وقادة أعمال آخرين. ولم يكُن يتم تصنيف أزمات إمدادات المياه بين أكبر خمسة مخاوف من حيث التأثير في أي عام حتى عام 2011، لكنها باتت من بين أكبر ثلاثة مخاوف يتم إدراجها كل عام منذ عام 2012.

ويقول مارتن ستوشتي، من شركة ماكينزي الاستشارية، إن ندرة المياه لم تعُد مجرد قضية صغيرة على مستوى المصنع بالنسبة للشركات، لكنها أصبحت مسألة استراتيجية للإدارة العُليا: “إنها تستولي على جزء أكبر من مصاريف الإنفاق الرأسمالي”. ويُضيف أن سوق المياه العالمية البالغة 550 مليار دولار – التي تغطي كل شيء من مصانع معالجة المياه إلى خطوط الأنابيب – تتوسع بنسبة 3.5 في المائة سنوياً. لكنها تنمو بسرعة أكبر في بعض الصناعات: بسرعة تصل إلى 14 في المائة سنوياً في قطاع النفط والغاز و7 في المائة في قطاع المواد الغذائية والمشروبات.

قطاع التعدين

التكاليف المتصاعدة تبرز أكثر في قطاع التعدين. لقد زاد إنفاق الصناعة على المياه من 3.4 مليار دولار في عام 2009 إلى ما يُقارب عشرة مليارات دولار في عام 2013، ومن المحتمل أن يتجاوز 12 مليار دولار هذا العام، وذلك وفقاً لشركة جلوبال ووتر إنتيليجانس.

وتقول الشركة “إن مشروع تحلية المياه البالغة تكلفته ثلاثة مليارات دولار الذي تعمل عليه كل من شركة بي إتش بي بيليتون وشركة ريو تينتو، الخاص بمنجم نحاس إسكونديدا التابع لهما في تشيلي، سجل رقما قياسيا لصناعة كانت البنية التحتية للمياه فيها تمثّل تقليدياً نحو 10 في المائة من تكلفة المنجم، لكنها ارتفعت أخيرا لتصل إلى 30 في المائة. وعلى الأقل وضعت سبع مجموعات تعدين أخرى في البلاد خططا لبناء مصانع تحلية مياه بحجم أصغر تساوي مجتمعة ما قيمته مليار دولار. وتعتبر ندرة المياه مصدر قلق بحيث إن المنظمين في تشيلي كانوا يناقشون تدبيراً يفرض على شركات التعدين تحلية مياهها بدلاً من الاعتماد على الإمدادات المحلية.

وتم أيضاً التخطيط لإنشاء مزيد من المصانع لمناجم التعدين في البيرو المجاورة، حيث تملك الصناعة هناك نسختها الخاصة من متاعب “كوكا كولا” في الهند: في عام 2011، تم إيقاف مشروع تعدين النحاس، تيا ماريا، الذي تديره شركة سوذرن كوبر التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة، بعد احتجاجات عنيفة من الزراع بشأن استخدامها المياه، الذي تسبب في مقتل ثلاثة أشخاص. كما تمت ملاحقة مشاريع أخرى بسبب متاعب مماثلة.

مع ذلك، تقلل شركة ريو تينتو، الشريك الأصغر في منجم إسكونديدا، من أهمية الإشارة إلى أن نقص المياه يعد مشكلة مالية لا يمكن السيطرة عليها. وقال ماثيو باتيسون، المدير العالمي للبيئة في الشركة “إننا لم نشعر بأنها اتجاه مهم بالنسبة للعمل، لكنها خطر مادي نُسيطر عليه”.

لكن هناك بعض المختصين أقل ارتياحاً للمسألة. يقول أندرو ميتكاف، وهو محلل استثمارات ومؤلف تقرير عام 2013 لوكالة التصنيف الائتماني، موديز، التي كانت بين أول من حذّر من التأثيرات المالية التي بدأ نقص المياه يشكّلها على صناعة التعدين “من الواضح تماماً أن ندرة المياه بدأت أخيراً تسبب مشكلات مالية”.

ويعتقد ميتكاف أن شركات التعدين ليست الوحيدة المعرّضة للخطر. ويقول “إن المنظمين في أسواق توجد فيها مجموعات النفط والغاز، وشركات المواد الكيماوية وغيرها من الشركات، شددوا القوانين على نطاق واسع، وبالتالي تشديد تكاليف الامتثال، فيما يتعلق باستخدام المياه في الأعوام الثلاثة أو الخمسة الأخيرة. في الماضي كان بإمكان الشركات تنفيذ مشروع ما وإنفاق مزيد من المال على المياه في حال ظهرت مشكلة في وقت لاحق. أما الآن فيجب أن تكون لديها خطة تُبيّن كيف أنها لن تؤثر في إمدادات المياه المحلية قبل أن تبدأ العمل”.

ووفقاً لتقرير ميتكاف، من المرجح أن تستمر التكاليف في الارتفاع، لأن 70 في المائة من المناجم الحالية التابعة لأكبر ست شركات تعدين عالمية توجد في بلدان يتم تصنيف الإجهاد المائي فيها باعتباره مخاطر عالية أو متوسطة، إلى جانب ثُلثي المشاريع التي يتم تطويرها.

والنتيجة “مشاريع تستغرق وقتاً أطول لتكتمل، وتكون أكثر تكلفة وأكثر خطورة، مع آثار ائتمان سلبية بالنسبة للصناعة برمّتها”.

السيطرة على الندرة

أحد التنفيذيين الذي لا شك لديه بشأن ارتفاع تكاليف المياه هو بيتر برابيك، الرئيس التنفيذي لشركة نستله. لقد كان في طليعة جهود الشركة للفت الانتباه إلى ندرة المياه، وهي مشكلة يعتقد أنها لا تزال لا تؤخذ على محمل الجد بالقدر الذي ينبغي لها. ويقول “الماء ينفد من البشرية بوتيرة مثيرة للقلق. ستنفد المياه منا قبل فترة طويلة من نفاد النفط”.

ويقول “إن ندرة المياه مشكلة مُلحّة أكثر بكثير من تغيّر المناخ، لكنها تحصل على اهتمام سياسي أقل بكثير مما ينبغي. لدينا أزمة مياه لأننا نتخذ القرارات الخاطئة فيما يتعلق بإدارة المياه. تغيّر المناخ سيؤثر إلى حد بعيد في وضع المياه، لكن حتى لو أن المناخ لن يتغيّر، فستظل لدينا مشكلة مياه وهذه المشكلة أكثر إلحاحاً بكثير”.

أحد أسباب حصول المياه على اهتمام أقل هو أنه، على عكس ظاهرة الاحتباس الحراري، لا يوجد ما يُسمى أزمة مياه عالمية. بدلاً من ذلك، ووفقاً للأمم المتحدة، توجد سلسلة من الأزمات الإقليمية في عالم توزيع المياه العذبة فيه غير متوازن بحيث إن 60 في المائة منها موجود في تسعة بلدان فقط، من بينها البرازيل، والولايات المتحدة وكندا.

ويصرّ برابيك على أن سبباً آخر لاستمرار المشكلة هو أنه يتم التقليل من قيمة المياه بحيث إنها تُستخدم بشكل غير فعّال – ولا يوجد ما يكفي من الاستثمارات لتعزيز الإمدادات.

وباعتباره رئيس مجلس إدارة شركة رائدة في بيع المياه المعبأة، التي علاماتها التجارية تتضمن بيرييه وبولند سبرينج، فقد جذب الانتباه لهذا الرأي من النشطاء الذين يعارضون أي شكل من أشكال تحويل مسؤولية المياه للقطاع الخاص. كما يوافق أيضاً على أن توفير المياه للشرب والاحتياجات الأساسية هو حق من حقوق الإنسان. مع ذلك، اتخذت “نستله” نهجاً غير عادي لتسعير المياه بإدخال “سعر للظل” داخلي تستخدمه الشركة عند تقييم الاقتراحات لشراء معدات جديدة لتحسين فاعلية الطريقة التي تستخدم بها المياه في مصانعها. السعر هو أكثر من دولار بقليل لكل متر مكعب للمواقع التي فيها مياه وفيرة ونحو خمسة دولارات في المواقع الأكثر جفافاً.

مثل هذه الخطوة تعتبر منطقية من الناحية التجارية بالنسبة لشركة مثل “نستله”. فالقهوة والحبوب ومنتجات الحليب التي تصنعها موجودة ضمن وجبات الإفطار في كافة أنحاء العالم، وهذا يعني أن عليها حماية سمعتها العالمية التي تتمتع بها. ووفقاً لشركة جلوبال ووتر إنتيليجانس، تحتل “نستله” المرتبة 49 بين أكبر الصناعيين استهلاكا للمياه في العالم. وهذا يجعلها عرضة لمقاطعة الزبائن أكثر من مستهلك المياه الأكبر، وهي شركة جوديان الصين لتوليد الطاقة، التي تملك عدداً محصوراً من الزبائن وبالكاد معروفة خارج موطنها الأصلي.إن قابلية التعرّض للخطر هي أحد أسباب استثمار عديد من الشركات في المياه، خاصة “كوكا كولا” التي تحتل المرتبة 24 بين الصناعيين استهلاكا للمياه، وهي واحدة من أكثر العلامات التجارية المميّزة في العالم. وقد أثار إغلاق مصنع التعليب التابع لها في الهند الانتباه لمخاطر المياه في عديد من شركات المشروبات. ويقول كريج كوتش، مدير الإشراف العالمي على المياه في “كوكا كولا”، “إنه بالتأكيد أمر كان له كثير من التأثير بالنسبة لنا”، مضيفا أنه “أظهر أن الشركة كانت بحاجة للحصول على ترخيص عاطفي، على رأس الرخصة التنظيمية”. ويتابع “أنا لا أعني عاطفي بالمعنى الازدرائي (…) أقصد أن المياه روحية، ودينية، وتتعلق بالأحشاء، ويومية. الجميع يملك ذكرى أولى تتعلق بالماء، لكن لا أحد لديه ذكرى أولى تتعلق بائتمان تعويض الكربون”.