IMLebanon

احتياط «الموازنة» يكفي لدفع الرواتب حتى نهاية آب

Akhbar

محمد وهبة

بحلّ مؤقّت وظرفي، وافق مجلس الوزراء على صرف رواتب العاملين في الدولة من حساب الاحتياط المركزي في الموازنة العامة. هذه الآلية التي عدها الوزراء «قانونية» لا توفّر أكثر من 1500 مليار ليرة، أي ما يكفي لدفع رواتب القطاع العام حتى نهاية آب المقبل. بعد هذا التاريخ، تعود أزمة رواتب القطاع العام مجدداً، لكنها تكون قد استنفدت حساب الاحتياط، وكل المبالغ المدرجة في باب الإنفاق على مدى الأشهر المقبلة. عند هذا المفترق، يعود الجميع إلى نقطة البداية، أي إن «الطقم» السياسي سيعود إلى خيارين لدفع الرواتب: مخالفة القوانين واستعمال سلف الخزينة، او إقرار مجلس النواب قانونا يشرّع صرف الأموال الإضافية.

قبل أكثر من سنة، كان النقاش دائراً عن كيفية إعادة الانتظام إلى المالية العامة بما يتطلبه هذا المسار على مستوى إقرار الموازنات العامة وموافقة مجلس النواب على حسابات السنوات الماضية وتصحيح ميزان الدخول إلى هذه الحسابات… مسار العودة إلى الانتظام كانت دونه صعوبات تقنية متصلة بالمستندات المفقودة والحوالات غير المسجّلة والقروض الضائعة والهبات المنتهكة والسلف غير المسدّدة، وكذلك كانت هناك صعوبات سياسية متعلقة بالضغوط التي تمارسها بعض الكتل لإبعاد شبح المحاسبة، الذي قد ينتج عن العودة إلى الانتظام… برغم كل ذلك، كان الانتظام «على النار» خلافاً لما أصبح عليه اليوم. فقد كشفت أزمة رواتب موظفي الدولة الناتجة من عدم قدرة الحكومة على تشريع هذا الإنفاق، عن إعادة توجيه للنقاش في اتجاه «تسوية» المخالفات السابقة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، يشترط لموافقته على إقرار قانون يشرّع الإنفاق الإضافي، إعطاء إجازة للحكومة بإغلاق كل السلف المفتوحة منذ عام 2006 إلى اليوم. شرط السنيورة يعني «إعدام»، أي فرصة لمحاسبة المسؤولين عن إنفاق السلف، وهو يعني أيضاً أن رواتب موظفي الدولة أصبحت رهينة للحصول على «براءة ذمّة» عن المخالفات السابقة.

وبصرف النظر عن الأسباب السياسية التي دفعت في هذا الاتجاه، فإن معالجة أزمة الرواتب أصبحت في مرتبة الأولوية القصوى التي تلغي كل ما عداها، ففيما كان يفترض أن يعالج الأمر من خلال إقرار قانون في مجلس النواب يشرّع الإنفاق الإضافي على بند الرواتب والأجور في القطاع العام، فشلت الكتل السياسية في الاتفاق على طريقة للعلاج وتمسّك كلّ طرف بموقفه. وزير المال علي حسن خليل، يؤكد أنه لن يوقّع أوامر صرف الرواتب من دون أن يكون هذا الإنفاق قانونياً. وفي المقابل، تمسّك السنيورة بشروطه، فانتهى الأمر باقتراح قدّمه وزير المال علي حسن خليل في جلسة مجلس الوزراء أمس. وزير المال أوضح أمام كل زملائه أنه لن يتراجع عن اعتماد السبيل القانوني في دفع الرواتب، وأن الخيار الأسلم هو قوننه الإنفاق في مجلس النواب، لكن في ظل غياب هذا الأمر ليس لدينا سوى خيار واحد مؤقت وظرفي، وهو أن نعيد جدولة الأموال الموجودة في حساب الاحتياط المركزي وندفع بها الرواتب «وهو ما يعني أنه لن يكون بالإمكان دفع أي قرش إضافي لأي وزارة حتى لو كان الإنفاق مدرجاً على جدول الإنفاق من بند الاحتياط». وأبلغ خليل مجلس الوزراء أن هذا الحلّ الموقت «لا يعني أنه ليس علينا العودة إلى مجلس النواب لإقرار القانون وتشريع الإنفاق على الرواتب، لأن المبالغ المتراكمة في بند الاحتياط ستنتهي خلال فترة محدودة».
إذاً، هذا الأمر «ليس حلاً»، كما يؤكد رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان. والفترة المحدودة لاستنفاد مبالغ الاحتياط «لا تتجاوز شهرا ونصف شهر، ما يوجب العودة إلى مجلس النواب في مهلة لا تتعدى أيلول المقبل، والحلّ المطلوب هو إعادة إدخال المالية العامة في كنف الدستور والقوانين» يقول كنعان. ويشير إلى أن الاحتياط المرتكز عليه لصناعة حلّ أزمة الرواتب، لا يمكن التعويل عليه وهو «يجرّنا إلى المزيد من المخالفات كالتي حصلت سابقاً، والتي أوصلت لبنان إلى رقم خيالي في قيمة سلفات الخزينة غير المسدّدة والبالغة 17 ألف مليار ليرة، لم يسدّد منها سوى 4%».
وبرأي كنعان، فإن من انعكاسات الحل المؤقت، بما تقتضيه من استعاضة عن الاعتمادات بالإنفاق من بند الاحتياط، «تجاوز الرقابة البرلمانية، وهو الأمر نفسه الذي أدّى في السابق إلى تعاظم الدين العام… منذ سنة فقط كانت الزيادة السنوية في الدين العام 5000 مليار ليرة، وأصبحت اليوم 5700 مليار». ويضيف إن زيادة وتيرة الدين من دون رقابة قد تنعكس على تصنيف لبنان وإعادة تقويم ماليته بما أصبحت تتضمنه من مؤشرات سلبية. ويعتقد أن «الحل الذي أقرّ أمس في مجلس الوزراء قانوني، لكنه يحرم الدولة أي مبالغ قد تحتاج إليها أي إدارة أو أي نفقات طارئة نضطر إليها… المخرج القانوني بلع كل الاحتياط، وهو ما سيخلق أزمة في كل الإدارة والوزارات».