IMLebanon

البطالة 40% والعاملون من دون رواتب…الحرب تكشف مأساة اقتصاد غزة المحطم

FinancialTimes

جون ريد

محمد مصباح، ضابط شرطة المرور الذي يعيش في جباليا، الواقعة في شمال قطاع غزة، لم يتلق أي أجر منذ شهرين. آخر ما استلمه كان نصف راتبه الشهري البالغ 2200 شيكل في أيار (مايو) الماضي.
يراكم مصباح، البالغ من العمر 35 عاما، ديونه المستحقة للتجار المحليين لإطعام عائلته الكبيرة التي يبلغ عددها 30 فردا، من ضمنهم أقارب له هربوا من بيوتهم أثناء القصف الإسرائيلي على المناطق الحدودية، حيث إنهم يتكدسون في شقته المكونة من ثلاث غرف.
عندما يُطلب منه تحديد المسؤول عن ذلك، لا يضع اللوم على حماس، التي تشغّل 40 ألف شخص من رجال الشرطة والمدرسين والممرضين وعاملين عامين آخرين في غزة، بل يحمّل المسؤولية لإسرائيل.
هو على يقين من أن حماس التي وقفت في وجه إسرائيل في هذه الحرب، ستكون قادرة على التوصل إلى اتفاقية سلام تشمل التخفيف من الحصار الإسرائيلي على الاقتصاد في غزة – وكذلك استئناف استلامه شيكات راتبه. يقول: “إسرائيل فرضت الحصار علينا منذ ثماني سنوات. وحماس جزء من الشعب الفلسطيني، وسنكون صبورين معها حتى تحقق أهدافنا”.
استغلت حماس الصراع الأخير مع إسرائيل لإعادة تركيز انتباه العالم على اقتصاد غزة المحطم، حيث تصل نسبة البطالة فيها إلى 40 في المائة. وقد ادّعى محللون ومجموعات إغاثة أن الأحوال الصعبة، كانت حاضنة لهذه المجموعة المتطرفة التي تطلق الصواريخ على إسرائيل.

تطالب حماس وحليفها حركة الجهاد بإنهاء حصار إسرائيل لغزة، وأن يُتاح لها بناء مطارها ومينائها. وهي تقول إنه يجب أن يكون لهذه الأراضي الحق في فتح معبر حدودي دولي جديد مع مصر، ويجب منح الفلسطينيين المزيد من الحرية للسفر والعمل في الخارج.

كانت الضغوط الاقتصادية وأهمها عدم قدرة حماس على دفع رواتب موظفيها، واحدة من العوامل الرئيسة التي دفعت المجموعة لتوقيع اتفاق مع منافسها الرئيس، أي حركة فتح، في أيار (مايو) الماضي.

هذه الضغوط أيضا هي السبب في عدم ترجيح استمرار اتفاق السلام في عام 2012.

يقول باسم العشي، الخبير الاقتصادي المقيم في مدينة غزة: “عندما يوجد ضغط على اقتصاد قطاع غزة، تبدأ هذه المجموعة بخلق المتاعب لإسرائيل. إنهم يريدون وضع غزة في العناوين الرئيسة، ويضعونها على رأس أجندة العالم”.

يبدو أن الوسطاء الدوليين الذين يحاولون التوسط لإحلال سلام دائم مع إسرائيل، يعترفون بأن التخفيف من المعاناة الاقتصادية الدائمة سيكون عاملا مركزيا في أي صفقة، وليس لعقد اتفاقات لوقف إطلاق النار فحسب، مثل تلك التي أنهت الحرب في عامي 2009 و2012.

وقد لمح جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي أثناء زيارته لرام الله يوم الأربعاء الماضي، كجزء من جهوده للتوسط لوقف النار، إلى الكثير من ذلك عندما قال: “كل مشاكل غزة ستكون على الطاولة” في أي مفاوضات، جارية أو تالية.

كانت حماس قبل هذا الصراع تخسر التأييد على الصعيد الداخلي والخارجي، فقد نسفت مصر أو جرفت أو غمرت الأنفاق التي تصل غزة بشبه جزيرة سيناء، حيث إن هذه الأنفاق كانت في السابق المورد الرئيس للوقود الرخيص وبضائع أخرى – وهي الصناعة المربحة التي كانت حماس، تأخذ جزءاً منها.
شددت إسرائيل من حصارها الاقتصادي لغزة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقطعت عنها واردات الأسمنت ومواد البناء الأخرى، بعد كشفها لما سمته “نفق الرعب” الذي حُفر من تحت حدودها مع غزة، وهو واحد من كثير من الأنفاق التي تحاول إسرائيل إغلاقها، في ظل العملية العسكرية الحالية التي تسميها عملية الحدود الواقية. سبّب هذا التحرك تدمير صناعة البناء، وهي واحدة من أكبر الصناعات في غزة، وتوظف نحو 30 ألف عامل.
على الرغم من الشرط الذي تضمنه اتفاق المصالحة الذي وقع في القاهرة بين فتح وحماس، الذي ينص على دفع رواتب العاملين في القطاع العام من أمثال مصباح، إلا أن السلطة الفلسطينية أحجمت عن الدفع، بعد ضغوط مارستها عليها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تصنفان حماس باعتبارها مجموعة إرهابية.
سبّب هذا فجوة شاذة بين أفراد المجتمع الفلسطيني، حيث استمر الدفع للعاملين في القطاع الحكومي، للمسجلين على جدول رواتب فتح في غزة – وعددهم 60 ألف موظف – حتى لو كانوا لا يعملون، لأن عملية المصالحة مع حماس كانت تتداعى.
من الأمثلة على ذلك تلقي أحمد، شقيق محمد مصباح، راتب تموز (يوليو) كالمعتاد في يوم الخميس، لأنه يعمل في الحرس الوطني الفلسطيني الذي تسيطر عليه فتح، على الرغم من عدم قدرته على سحب أي مبلغ، بسبب الأعداد الكبيرة المذعورة من الناس الذي تجمعوا في هذا الأسبوع، حول ماكينات الصرف الآلي القليلة في غزة.
أحمد، مثل أخيه محمد، يرى أن أي وقف لإطلاق النار مع إسرائيل سيتضمن صفقة اقتصادية.
قبل أن تستولي حماس على السلطة في غزة في 2007، عمل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في إسرائيل، وكانوا يرسلون الأموال إلى بلدهم لشراء الطعام والملابس لذويهم.
بني معبر إريتز الحدودي الضخم بعد انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005، وصُمم على شكل ممر مسقوف ليخترق المنطقة العازلة، وجهز بآلات متطورة لرصد القنابل ولاستيعاب الآلاف من الناس الذين يعبرونه كل يوم، وليس لمرور الأعداد القليلة جدا من العاملين من فرق الإغاثة، أو مرضى الحالات الطبية الطارئة الذين يعبرونه، عادة الآن.
على الرغم من كل الجهود التي بذلتها إسرائيل بالتعاون مع مصر لعزل اقتصاد غزة منذ عام 2013، إلا أن ذلك لم يؤثر على شعبية حماس بين السكان. ويقول محللون إن هذه المنظمة تقدم نفسها على أنها المدافعة البطلة عن الحقوق الاقتصادية للفلسطينيين، وهو الشيء الذي تأمل بأن يعطيها ميزة على فتح.
يقول هاني البسوس، الباحث السياسي في الجامعة الإسلامية في غزة: “الحرب غيّرت كل شيء. أصبحت حماس أكثر شعبية بين الناس، خاصة بسبب الشروط التي وضعتها هي والجهاد الإسلامي، التي تطالب بها الجانب الإسرائيلي”.