IMLebanon

مستشفيات «الدولة» المأزومة…طبقية مقيتة تحكم النظام الصحي في لبنان

Akhbar

إيفا الشوفي
الإحصاءات الصادرة عن وزارة الصحة منذ سنوات تثير الحيرة، نظراً إلى التناقض الذي تطرحه. خطط لتطوير المستشفيات الحكومية وإنفاق مالي من أجل دعمها وتحسينها، ولكن في الواقع لا يظهر أي تقدّم. في استطلاع بسيط لآراء المواطنين يُلاحظ غياب الثقة بهذه المستشفيات. البعض يفضّل أن يخاطر بحياته ويجتاز مسافة أطول للوصول إلى مستشفى خاص كي يطمئن، بينما البعض الآخر ليس بيده حيلة سوى الاستشفاء فيها. الكلام هنا لا يشمل جميع هذه المستشفيات، ولا يعني أيضاً أنّ جميع المستشفيات الخاصة تقدّم رعاية صحية أفضل من المستشفيات الحكومية.

خريطة المستشفيات الحكومية

ينتشر في لبنان 30 مستشفى حكومياً تتوزع على معظم الأقضية، مقابل 113 مستشفىاً خاص. يعمل منها حالياً 28 مستشفى حكومياً. أمّا المستشفيان الباقيان، وهما مستشفى خربة قنافار الحكومي ومستشفى السكسكية الحكومي، فسيُضافان إلى الخريطة الاستشفائية بمجرد الانتهاء من عملية تأهيلهما. خطة وزارة الصحة تقضي بأن يكون هناك مستشفى واحد على الأقل في كل قضاء، لذلك ستنشئ 10 مستشفيات إضافية في المرحلة المقبلة. بلغ السقف المالي السنوي للمستشفيات الحكومية هذا العام نحو 103 مليارات ليرة من أصل 420 مليار ليرة مخصصة للاستشفاء في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة في لبنان، أي إن حصتها تبلغ 25% من السقف المالي الإجمالي.
تحصل المستشفيات الحكومية على 28% من بطاقات الاستشفاء التي تُعطيها الوزارة، وهي تضم 1765 سريراً ناشطاً (من إجمالي عدد أسرّتها البالغ 2636) من أصل أكثر من 11000 سرير في كل المستشفيات، وتعالج نحو 30% من المرضى. توحي هذه الإحصاءات أن إنفاق الدولة على المستشفيات الحكومية يتناسب مع قدرتها التشغيلية الفعلية، ما يفترض – بطبيعة الحال – تقديم خدمات ذات مستوى عالٍ. أمّا من ناحية الخطط ومشاريع التأهيل، فهي أيضاً كثيرة وتمويلها جاهز من هبات ومساعدات داخلية وخارجية، إلّا أنّها تُعرقل وتتأخّر دائماً لأسبابٍ «إدارية» وفق وزارة الصحة، وأسبابٍ سياسية مثل المحاصصة، بحسب ما هو معروف عن طبيعة النظام القائم.

مشاكل مالية وإدارية وسياسية

إذا كان الحال هكذا، فلماذا يستمر القطاع الصحي الحكومي بالتدهور؟ جواب رئيس دائرة الرقابة على المستشفيات الحكومية ومفوض الحكومة لدى مستشفى الكرنتينا أنطوان رومانوس، يحصر المشكلة بـ«آلية تحصيل الأموال التي تتأخر دائماً، ما يؤدي إلى عجز مالي للمستشفيات الحكومية». يضيف رومانوس: «هناك 3 مصادر لإيرادات المستشفى الحكومي، هي: مرضى وزارة الصحة، الهبات، والسلفة المالية. وفي حال التأخر في تحصيل أموال مرضى الوزارة، تقع بعض المستشفيات في عجز يمنعها من الاستمرار في إعطاء الرواتب للموظفين وتوفير المتطلبات الأساسية لسير العمل. على عكس المستشفيات الخاصة التي لديها الكثير من الموارد».
إلا أن المدير العام لوزارة الصحة، وليد عمار، يؤكّد أنّ مشاكل المستشفيات الحكومية أكبر من ذلك بكثير، وهي تتلخّص بثلاثة أنواع: مالية، إدارية وسياسية. يلفت عمار إلى أنّ «ما أسهم بتأزم الوضع الإداري على مرّ الزمن هو انتهاء مدة ولاية مجالس الإدارة والمماطلة في تجديد ولايتهم من قبل مجالس الوزراء المتعاقبة بسبب الصراعات السياسية وانعكاسها على الأداء الإداري».
ممارسات خاطئة تحصل داخل المستشفيات على حساب صحة المريض وأمواله. يروي أحد الإداريين السابقين في مستشفى حكومي كيف يمكن إجراء أي عمل استشفائي تحت عنوان «مريض طوارئ». كذلك الإفراط باستعمال الأدوية الثمينة واستخدام التكنولوجيا من دون أي حاجة طبية، فقط لتشغيل الآلة، ما يرتّب فاتورة استشفائية ضخمة. إضافة إلى ذلك، هناك إسراف في العمليات الجراحية المكلفة، حيث إن نسبة العمليات الجراحية في لبنان مقارنة بعدد السكان ضخمة جداً. هذا عدا عن التواطؤ بين الأطباء والإدارة والسماسرة الذي يحدث في استقدام «البروتيز» على سبيل المثال، أو الحليب الممنوع إدخاله إلى المستشفيات في إطار مشروع وزارة الصحة لتشجيع الإرضاع من الثدي.

خطة وزارة الصحة

المشاكل التي يواجهها وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور في المستشفيات الحكومية تصبّ في إطار ما ذُكر سابقاً. «عيبٌ بنيوي يشوب معظم المستشفيات، يتعلق بالتوازن المالي»، يلفت مصدر مقرّب من الوزير إلى أنّ «جميع هذه المستشفيات تفتقر إلى التوازن المالي، والسقف المالي لمعظمها لا يغطّي معاشات الموظفين الذين يتجاوز عددهم حاجة المستشفيات بكثير نتيجة التوظيف السياسي». يضيف المصدر أنّ «الرقابة على المستشفيات تعاني أيضاً أخطاءً كثيرة من ناحية الإدارة ونوعية الخدمة الطبية المقدّمة. لا يوجد أي رقابة، وأبرز شاهد على ذلك هو ما عانى منه مستشفى رفيق الحريري الجامعي».

يردد وزير الصحة أن توجهه
هو لتعزيز المستشفيات الحكومية لا الخاصة
العمل جارٍ على تحسين وضع المستشفيات الحكومية تدريجاً. «بعض المستشفيات يعاني من مشاكل إدارية رهيبة، وقُدِّم اقتراح لمجلس الوزراء يتعلق بمجالس الإدارة، لكنه توقف لاعتبارات سياسية. مجالس إدارة المستشفيات منتهية ولايتها منذ 6 سنوات، وهذه الأوضاع الإدارية المزرية لم تعد تُحتمل». يتعهّد الوزير أبو فاعور أنه خلال شهرين سيُنهي كل الأمور الإدارية العالقة، ووفق كلام المصدر «لن يضع الوزير نفسه وصحة المواطن تحت رحمة السياسيين، نقوم بتشكيل لجان مؤقتة لإدارة المستشفيات من دون انتظار توافق سياسي في مجلس الوزراء. أنشأنا لجاناً في مستشفيات حاصبيا، راشيا، زحلة، عكار… وقريباً في الكرنتينا ما لم يقر مجلس الوزراء في جلسته المقبلة تعيين مجلس الإدارة».
يردد وزير الصحة أن توجهه هو لتعزيز المستشفيات الحكومية، لا الخاصة التي لديها اعتبار واحد هو الربح. وبناءً على ذلك، وُضعت خطة لاستنهاض القطاع الصحي العام. إلّا أن هذه الخطة لن تصل إلى غاياتها إلا بعد توافر مبالغ مالية للتصرّف بها، وهو أمرٌ لن يحصل قبل الشهر الأخير من هذه السنة لأسباب قانونية تتعلّق بعدم القدرة على إعادة النظر بالسقوف المالية قبل نهاية العام. لذلك فالتركيز الحالي ينصب على حل المشاكل الإدارية. هذا التوجّه سيُترجم بتسريع عملية دفع الأموال للمستشفيات الحكومية وإعطائها الأولوية في ذلك على حساب المستشفيات الخاصة، «لن تحصل أي عملية تأخير في دفع الأموال للمستشفيات الحكومية، حتّى عقود المصالحة بُتَّت، كذلك ستُحوَّل جميع الهبات والإعانات الخارجية إليها، وسيُرفع السقف المالي المخصص لها مع انتهاء هذه السنة».