IMLebanon

الإهمال المزمن للمتقاعدين في لبنان

al-hayat

عدنان الشهال

يضطر الموظفون في دائرة حكومية لبنانية ذات دور إنساني وخدمي مخصصة للموظفين الحاليين والمتقاعدين في الدولة، وكذلك المتعاقدين معها، عند انقطاع التيار الكهربائي إلى تسلّق أربع طبقات مشياً على الأقدام. والمشهد يصبح أكثر مأسوية عندما يأتي المتقاعدون المسنون لتقديم طلبات المساعدة المرضية أو الاستشفائية.

هذه الدائرة هي فرع تعاونية الموظفين لبيروت وجبل لبنان. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ إن موظفي الفرع هم في معظم الأحيان تحت ضغط المعاملات والمراجعين. وهذا الضغط يسبب حداً من التوتر غير مريح لتأدية العمل الإداري بالسرعة المطلوبة. ويبدو ان هناك نقصاً في الموظفين خصوصاً ان المراجعات بواسطة الهاتف تبدو أحياناً مستحيلة فيضطر الموظف أو المتقاعد إلى ان يأتي بنفسه ليسأل الموظف المسؤول عن معاملته.

وهناك إضافة إلى ذلك بعض العراقيل البيروقراطية أمام المنتسبين إلى التعاونية: مثلاً، إذا قدّم المنتسب وصلاً من طبيب أو صيدلي ولم يرفق نص الوصل بعبارة عداً ونقداً. ويتحمل الموظف أو المتقاعد الفارق بين الأجور التي يقبضها الأطباء ومستوى الأجور المحددة من قِبَل التعاونية، فيدفع المريض، مثلاً، 120 ألف ليرة (80 دولاراً) للطبيب المعالج ولا يسترد سوى 40 أو 50 ألف ليرة.

وهكذا يبدو ان على المريض ان يدعم الخزينة بدلاً من ان تتشدّد أجهزة الرقابة في الدولة في منع الهدر والسرقات في مواقع كثيرة من الدوائر الرسمية، فمثلاً، انخفضت عائدات الجمارك عام 2013 بمقدار 700 مليون دولار عما كانت عليه عام 2008 على رغم ارتفاع الواردات. وفي هذه الأثناء ما زالت سلسلة الرتب والرواتب المخصصة للقطاع العام متوقفة منذ ثلاث سنوات بسبب الخلافات السياسية أكثر من الاختلافات في المقاربات الاقتصادية.

وكان الموظفون والمتقاعدون يتقاضون كل سنتين بدل غلاء المعيشة، إلا ان هذا الإجراء الضروري متوقف على مدى عقدين وما زال. وبماذا نفسر هذا التعاطي مع الموظفين بغير التضييق على وسائل معيشتهم ودفعهم إلى اتباع وسائل غير مشروعة لتلبية متطلبات المعيشة؟ واليوم تصل الأمور إلى حد التلويح بعدم دفع الرواتب والأجور إلى موظفي القطاع العام بسبب الخلاف السياسي على آلية الدفع، علماً أن سلف الخزينة المستخدمة في دفع الرواتب والأجور منذ توقف صدور الموازنات في 2005 هي دين، فالسلف تُعطى مثلاً لمؤسسة كهرباء لبنان لتعيده إلى الخزينة في وقت لاحق.

ويتقاضى النواب رواتبهم عند آخر كل شهر فيما هم لم يقوموا بأي عمل تشريعي يُذكَر منذ شهور. ووفق إحدى الصحف المحلية يتقاضى النائب يومياً مليون ليرة لبنانية علماً أن بعض الدول تدفع أجراً للنائب الذي يحضر الجلسات ويمارس واجباته وتحجبه عمن لا يفعل. وفي فرنسا يتقاضى النائب نصف ما يتقاضاه نظيره في لبنان وبعد انتهاء ولايته لا يتقاضى أي راتب أو تعويض.

نعود إلى تعاونية الموظفين لنبدي بعض الاقتراحات التي قد تساهم في تسهيل الأمور سواء بالنسبة إلى الموظفين العاملين في الفرع أو الموظفين المنتسبين إلى التعاونية. أولاً: لا بد من إيجاد مقر للفروع أكثر ملاءمة ويسهل الوصول إليها من دون عناء أو مشقة. ثانياً: هناك اقتراح بأن يبدأ تقديم طلبات المساعدات المرضية في كل وزارة أو إدارة على حدة بتكليف موظف أو أكثر لتلقي طلبات التعويضات قبل إحالتها إلى إدارة الفرع التي تتولى إجراء التدقيق النهائي.

ثالثاً: ضرورة دفع أثمان الأدوية كما يصفها الطبيب المعالج وعدم استثناء أي دواء يرى الطبيب ضرورته للمريض. رابعاً: التوافق مع وزارة الصحة في شأن تحديد أجور الأطباء في وجه عام ومنع مبالغة بعضهم لاستيفاء بدلات المعاينات على ان تلتزم التعاونية بتعويض هذه الأجور كاملةً، علماً أن أجور الأطباء في فرنسا محددة وبنسب غير خاضعة لمزاج بعض الأطباء، فالطبيب العام يتقاضى 23 يورو والطبيب الاختصاصي 33 يورو.

ولا بدّ أخيراً من الإشارة إلى ان بعض المسؤولين تراودهم فكرة إلغاء نظام التقاعد وتحويل الدولة إلى شركة تجارية حتى إذا بلغ الموظف سن التقاعد يُعطى تعويضاً قد لا يكفيه سوى أشهر، علماً أن هناك صندوقاً للتقاعد يغذى من رواتب الموظفين. وأخيراً ثمة ضرورة للتذكير بأن علماء التنظيم الإداري يقولون بضرورة إيجاد توازن بين حجم العمل المنوط بإدارة ما والجهاز الإداري المنوط به بتنفيذ العمل.