IMLebanon

مخاوف انفجار الفقاعات تخفي مخاطر استمرار الركود

FinancialTimes

روبن هاردينج

إذا تبيّن أن “الاحتياطي الفيدرالي” قد ضخّم فقاعة أسعار الأصول في الأعوام الأخيرة، عندها بإمكاننا تنفُس الصعداء. بالطبع سيكون ذلك بمثابة خطأ مُحرج بشكل كبير بالنسبة لـ “الاحتياطي الفيدرالي” وغيره من البنوك المركزية، لكنه قد يُشير إلى أن المخاوف الأكثر سوءاً، ومن ضمنها تلك التي تكون تحت تسمية “الركود طويل الأمد”، هي خاطئة أيضاً.

أولئك الذين يرون أن هناك فقاعة يعتقدون أن البنوك المركزية قد أبقت على أسعار الفائدة منخفضة دون مبرر. من خلال شراء السندات ضمن برنامج التسهيل الكمي، خلقت البنوك المركزية طفرة خاطئة في أسعار الأصول. إن ارتفاع التضخم سيكشف قريباً عورة هذا التقدير الخاطئ، وبالتالي سترتفع أسعار الفائدة.

لكن ذلك في الواقع هو السيناريو المُبهج. ذلك أنه يُشير إلى أن توليد ما يكفي من الطلب لإبقاء الموارد الاقتصادية مستخدمة بالكامل، لن يكون بالصعوبة التي تتوقعها البنوك المركزية – وهو ما يعني أنها في الأصل تمادت كثيراً ببرامج التحفيز التي أطلقتها.

في تلك الحالة، يمكن أن نتوقع ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض أسعار الأصول. على المدى القصير، سيُعاني الاقتصاد، وقد يكون الأمر مؤلماً بالنسبة للمستثمرين، لكن، بما أن القطاع الخاص لم يعُد مُثقلاً بكميات لا يمكن السيطرة عليها من الديون، فإن التداعيات ينبغي أن تبدو مثل انفجار فقاعة الإنترنت عام 2000، أكثر من الأزمة المالية عام 2008.

البديل الكئيب هو أن أسعار الفائدة منخفضة لسبب وجيه، ومن المرجح أن تبقى كذلك. في تلك الحالة، تكون أسعار الأصول المرتفعة منطقية، لأن الطلب على الاستثمارات الجديدة ضعيف، ومن غير المرجح أن يتسارع. كما أن المستثمرين لن يعانوا من خسائر مقدماً على محافظهم، لكن العائدات ستبقى منخفضة لفترة طويلة. إذا كان هذا ما يُحدث بالفعل، فإن الاعتقاد بأن الوضع هو عبارة عن فقاعة سيؤدي إلى سياسة سيئة.

أيّ التقييمين هو الصحيح؟ التقييم المُبهج، حيث أسعار الفائدة منخفضة جداً والاقتصاد صحي في الأساس؟ أم التقييم الكئيب، حيث كتب محافظو البنوك المركزية الوصفة الطبية الصحيحة، لكن ظروف المريض تبقى ضعيفة بشكل خطير؟ لا أحد يعرف على وجه اليقين، لكن هناك عديد من الأسباب للاعتقاد بأنه نسخة من الأخير.

أحد تلك الظروف يتطابق مع المبررات التي قدّمتها البنوك المركزية، عندما شرعت في تطبيق سياسة نقدية متساهلة للغاية في أعقاب الأزمة. الفكرة كانت أن الاضطرابات المالية لها آثار دائمة. وكانت معايير الائتمان الصارمة تجعل من الصعب على الأُسر والشركات اقتراض المال، الأمر الذي يبطئ من خطط إنفاقهم. كما كانت الشركات أيضاً تبدأ بمعدل بطيء، وهو ما أدى إلى تراجع الطلب.

إذا كان هذا صحيحاً فإن معوقات الانتعاش ينبغي أن تتلاشى تدريجياً. في تلك الحالة، ستكون أسعار الأصول كما توقعت البنوك المركزية، عندما أطلقت برامج التسهيل الكمي.

لقد تمادى بنك إنجلترا كثيراً إلى درجة أنه وضع توقعاته ضمن الجداول في عام 2011. هذه التوقعات تُظهر ارتفاعاً في أسعار الأصول عندما بدأ برنامج التسهيل الكمي، مع توقع الأسواق لفترة أسعار الفائدة المنخفضة.

في النهاية، عندما يعود الاقتصاد للوضع الطبيعي وانتعاش التضخم، فإن قيمة الأصول الاستثمارية ستتراجع.

وفقاً لهذا الرأي فإن أسعار الفائدة المنخفضة مبررة بسبب الاقتصاد الضعيف، لكن هذه الظروف مؤقتة. أسعار الأصول ستكون راكدة لفترة من الزمن، حتى يتمكن الاقتصاد من اللحاق. بعد ذلك، أسعار الفائدة وعائدات الاستثمار ستعود إلى مستويات أقرب إلى المستوى الطبيعي.

احتمال آخر، قد يبرر أيضاً أسعار الفائدة المنخفضة، لا يزال أقرب إلى أن يكون عامل تثبيط. ربما كانت الاقتصادات المتقدمة قد عانت من انخفاض دائم في معدلات نموها المحتمل. شيخوخة السكان تعني أنه من شبه المؤكد أن يكون هذا صحيحاً إلى حد ما. المشكلة قد تتفاقم إذا كان نمو الإنتاجية ينخفض، كما يعتقد البعض.

هناك سيناريو آخر مثير للقلق هو فرضية “الركود طويل الأمد” التي طرحها لورنس سَمَرْز، فهو يُشير إلى أن العلاقة بين أسعار الفائدة والإنتاج ربما تكون قد تغيّرت بشكل دائم.

مهما كان السبب الأساسي – سواء كان هو التفاوت الكبير في الدخل أو السياسات التجارية البحتة في الصين – فإن هذا قد يعني أن أسعار الفائدة المنخفضة بشكل كبير، أمر ضروري لإبقاء الاقتصاد ضمن العمالة الكاملة. مرة أخرى، هذا قد يعني أسعار أصول مرتفعة، وعائدات منخفضة بشكل دائم.

وفقاً لهذه النظريات المتشائمة، لا يوجد معنى لتغيير البنوك المركزية السياسة لمجرد خفض أسعار الأصول. ذلك من شأنه أن يكون بمثابة تغيير في المسار، لأن برامج التسهيل الكمي قد حققت النتائج التي توقّعتها.

بيد أن البنوك المركزية يجب أن تبقى في حالة تأهب، حتى لو لم تكن هناك فقاعة الآن، لكن بيئة أسعار الأصول المرتفعة تجعل من السهل تضخيمها.

لقد أصبح المستثمرون يتوقعون عائدات ممثلة برقمين من البورصة؛ ولن يتقبلوا بسهولة أنها قد تعاني من أجل تقديم نسبة 5 في المائة في المستقبل. كما سيحتاج المنظمون إلى مراقبة شركات التأمين، وصناديق التقاعد وغيرهم من الشركات، وذلك للتأكد من أنها لا تفترض عائدات مستحيلة في المستقبل.

بعض الأسواق، مثل السندات ذات العوائد العالية وسوق العقارات في لندن، تبدو بالفعل أنها مليئة بالزبد. الأمر المهم للغاية هو ألا يجري الخلط بين أسعار الأصول العالية وبين النمو في الائتمان. هذا يعني أن يعمل على نجاح سياسة الحصافة الكلية. حاول “الاحتياطي الفيدرالي” تشديد القبضة على قروض الرفع المالي، لكن الحفلة مستمرة حتى الآن. يحتاج البنك المركزي إلى بذل مزيد من الجهود.

هناك أيضاً مضامين بالنسبة للمستثمرين. في الفقاعة، الشيء الذي يجدر بالمستثمر فعله هو الابتعاد عنها، والانتظار إلى أن تنفجر، ثم يستثمر في إمكانية تحقيق عوائد أفضل. لكن إذا لم تكن هناك فقاعة، فعندها لن تتحسن العوائد. سيحتاج المستثمرون إلى التأمل في إمكانية الوصول إلى أهدافهم المالية رغم هذه العوائد المنخفضة – وهو ما يعني على الأرجح مزيدا من الادخار.

الفقاعات تبعث على الخوف، لكن التحذيرات الدائمة منها تشتت انتباه الناس وتبعد أنظارهم عن الخطر الحقيقي: وهو أن عوائد الاستثمار لن تكون عالية بما فيه الكفاية للوفاء باحتياجاتهم. إذا تبين أن الواقع هو الجمود طويل الأمد، فربما نحسد اليوم الذي كان شعورنا فيه بالقلق، يدور كله حول خطر انفجار الفقاعة.