ماجد منيمنة
لا رقابة مالية، ولا متانة إقتصادية، ولا نظافة بيئية، ولا حماية أمنية، ولا سلامة صحية!!. لقد فشلت الحكومات المتعاقبة فشلاً ذريعاً بتشخيص الداء القاتل الذي أصاب الإقتصاد اللبناني، وكان الفشل الأكبر لهذه الحكومات عدم استطاعتها مجاراة الخطوات الإنمائية حتى أصبحنا نصطدم بواقع لا مفر منه وهو أن لا فرق بين حكومة جديدة وقديمة، لكنها ترتبط مع بعضها بقاسم مشترك واحد وهو إغراق لبنان بمزيد من المديونية ومزيد من غلاء الأسعار وترد في الخدمات ونقص حاد في مياه الشفة وغياب تام للتيار الكهربائي ومزيد من الفقر والبطالة، حتى أصبح المواطن يكفر بالإنتماء والولاء لهذا الوطن بعد أن أصبح عاجزاً عن تأمين لقمة عيش أطفاله بسبب أصحاب الولاءات الموسمية، الذين لا ينتمون إلا لجيوبهم ولا يوالون إلا الألقاب التي تمنح لهم. وأصبح أصحاب الولاء والإنتماء الحقيقيون مهمشون بفضل سياسة أنا أو لا أحد التي يفرضها أصحاب النفوذ الذين تسببوا بخراب الوطن وإغراقه بالمديونية.
لقد ساهم وجود العمالة النازحة في إرتفاع معدلات البطالة في سوق العمل اللبناني والتأثير على النمو الإقتصادي إضافة إلى زيادة العبء الإداري والأمني على مختلف أجهزة الدولة المعنية ناهيك عن زيادة الضغط على الخدمات بكافة أنواعها سواء المائية أو المواصلات أو الصحة، إلى جانب إستفادة العمالة النازحة من الدعم الحكومي المقدم على كثير من السلع والخدمات الأساسية وهو ما يتطلب إعادة النظر في آلية دعم بعض السلع بحيث يصل هذا الدعم إلى المواطنين المستحقين ولتضمن المؤسسات الرسمية وصولها إلى المحتاجين منهم.
لذلك لا بدّ من تفعيل عمل الصندوق الإئتماني الخاص بدعم لبنان لمواجهة تداعيات الأزمة السورية والنزوح السوري إلى الأراضي اللبنانية، لأن هناك أعباء كبيرة على لبنان ومن المهم أن تكون المساعدات بقيمة الحاجات الجمة للبنان. كما إنه مطلوب من الحكومة اللبنانية وضع خطة لمواجهة خطر النازحين السوريين ولصنع مستقبل أفضل ليس فقط من الناحية الإنسانية وإنما أيضاً من الناحية الإقتصادية. وقد أثار البنك الدولي في تقرير أعده بطلب من الحكومة اللبنانية وبمشاركة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي العديد من خيارات التي يمكن أن تقلّص الكلفة المفروضة على لبنان من جراء الأزمة في سوريا وانعكاساتها على المستويات كافة، لا سيما التأثير بشكل كبير وسلبي على الإقتصاد والمجتمع اللبنانيين وذلك من خلال إنشاء مخيمات على الحدود اللبنانية بدلا من العشوائية المتبعة التي خلًفت 700 مخيم في أنحاء لبنان. ولقد قوّم البنك الدولي في تقريره الجوانب الإنسانية، مع التركيز على القدرة لتقديم الخدمات في مجالات الصحة والتعليم والطاقة والمياه والصرف الصحي حيث تبين أن مجمل الخسائر المترتبة على الإقتصاد اللبناني من جراء الأزمة السورية، لا سيما تدفق النازحين قد بلغ نحو 7.5 مليار دولار. وفي هذا السياق رجحت منظومة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إرتفاع عدد اللاجئين السوريين إلى 1.7 مليون لاجئ. ورجحت أن يصل هذا العدد في نهاية العام 2014 إلى 2,6 مليون لاجئ، أي ما يعادل تقريباً 61% من سكان لبنان.
و في ظل الظروف التي نعيشها لا بد للحكومة أن تسعى لوقف العجز في ميزانية الدولة والعمل الجاد على تخفيض البطالة. كما عليها استخدام سلطتها في حث أرباب العمل على تشغيل يد العمالة المحلية وعدم السماح بتشغيل النازحين إلا في حال تعذر وجود لبنانيين مستعدين للقيام بنفس الأعمال. فهي إن فعلت ستصطاد عصفورين بحجر واحد، توفير السيولة للداخل ومعالجة نسبة البطالة لدى اللبنانيين. وإذا كنا لا نزال نتحدث عن ثقافة العيب فعلى شبابنا أن يدركوا أن الكثير من الأعمال التي يشغلها اللاجؤون هم أولى بها ويستطيعون أن يتقنوها ويوفروا تسرب المال خارج الوطن، وعليهم أن يتساءلوا لماذا يقبلون بأعمال أقل من تلك الأعمال حين يتغربون ويهاجرون للخارج حيث تتلاشى لديهم ثقافة العيب هناك؟.
إن العمالة الأجنبية أصبحت هاجساً يؤرق مجتمعاتنا، فقد تسببت العمالة النازحة وخصوصاً المخالفة لنظام الإقامة والعمل والعمالة غير الماهرة في رفع مستويات الجريمة، وأدخلوا على مجتمعاتنا أنماطاً وأنواعاً لم تكن معروفة مثل ترويج المخدرات والتزوير والتزييف. وأدخلوا العديد من الأفكار والسلوكيات والتصرفات مما يؤثر سلباً على مجتمعاتنا والآداب العامة فالواجب الحذر لمنع أي انحراف سلوكي أو إجتماعي. إن حجم العمالة الأجنبية يشكل الغالبية في سوق العمل ضد أبناء البلد، فأصبحت تحارب لقمة عيش المواطن مثل وجودهم كعصابات في سوق الخضار فتبيع أقل من سعر التكلفة أحياناً مما يتسبب في خروج اللبناني من السوق ومثلها العمل في سيارات الأجرة وغيرها. فقد أصبح هذا الأمر ملحاً، وخاصة عندما تكون أعداد كبيرة منهم من جنسية واحدة فهنا مكمن الخطر، حيث يتجمعون في تنظيمات إجرامية وعصابات تسيطر على بعض الأحياء السكانية، وعلى بعض النشاطات التجارية مما يتوجب تدخل الجهات الأمنية والرقابية، لضمان عدم حدوث إشكالات أمنية وإجتماعية.
وتعقد مؤتمرات وندوات هنا وهناك منذ سنوات طويلة ولكن من دون حلول واضحة. والدليل أن هذه القضية تطرح منذ زمن بعيد في الإعلام دون التصدي من الجهات الرسمية لها ولكنها في المقابل تتفرع وتتجذر أكثر فأكثر، وإن البحث عن حلول يستدعي فهم طبيعة المشكلة فهماً حقيقياً قبل أي شيء، وعلى الحكومة اللبنانية أن تولي هذا الموضوع إهتماما كاملاً خاصة بعد الأشكالات الأمنية والعسكرية التي حصلت مؤخراً في عرسال. لذلك على الجهات المعنية أن تتحرك لتنفيذ خطة تطويق أمني في المناطق التي يتزاحم فيها وجود النازحين.
ومن أهم هذه الأخطار أن هذه العمالة تشاركنا لقمة عيشنا بحيث أصبحت أسعار المواد التموينية لا تطاق, كما أن الوافدين يشاركوننا بالمياه ونحن تشح مواردنا المائية مما تسبب بحرمان اللبنانيين شهوراً من مياه الشرب, كما أنهم يشاركوننا بالسكن مما أدى إلى ارتفاع أجور السكن بصورة عشوائية وجنونية, مما يعني أن هناك شعب آخر يعيش على الأرض اللبنانية علاوة على تهجير مليارات من الدولارات لخارج الوطن بسبب الأحوال الأمنية المستجدة مما أثر سلباً وأدى إلى مزيد من تدهور للإقتصاد الوطني.
رغم كل هذه الصعوبات التي سيواجهها الإقتصاد اللبناني، فليس أمام الحكومة اللبنانية غير خيار الاستمرار في مسار الإصلاح بعزيمة. فعجز الحكومة عن توظيف المزيد من المواطنين في القطاع الحكومي المنتج، وتزايد أعداد الشباب الداخلين لسوق العمل، قد يشكّلان تهديداً أمنياً حقيقياً، فارتفاع معدلات البطالة يرتبط بشكل مباشر مع تزايد نسب الجريمة والسخط الإجتماعي، كما أن أحداث الربيع العربي أبرزت أهمية ضمان الاستقرار الإقتصادي لتأثيره المباشر على الاستقرار الإجتماعي والسياسي. ولكن الصعوبة الحقيقية ليست في اتخاذ قرار إصلاح سوق العمل، وإنما في إصلاح الإقتصاد ليكون قادراً على خلق ما يكفي من الوظائف لامتصاص الأعداد المتزايدة من المواطنين الذين يدخلون سوق العمل سنوياً. فالمستويات المرتفعة لنمو الناتج المحلي ونمو القطاع الخاص في بداية التسعينيات كانت مرتبطة بشكل مباشر بزيادة الإنفاق الحكومي الناتج عن القروض الدولية والهبات العربية، هذا النمو تباطأ في السنوات الخمس الأخيرة بسبب العجز في الانفاق الحكومي. حيث لم يتجاوز النمو لسنة 2013 مستوى 1.5%. هذا المستوى من النمو لن يكون كافياً لخلق أعداد كافية من الوظائف، حيث يجب أن يتراوح النمو السنوي المطلوب ما بين 9% و12%، وهو المستوى الذي يمكن أن يجنب الوطن ارتفاعات حادة في معدلات البطالة بين الشباب خلال العقد القادم. كما أن الوظائف التي سيخلقها القطاع الخاص يجب أن تكون ذات جودة وقادرة على منافسة الوظائف الحكومية من ناحية معدل الرواتب والمميزات. وهو تحد صعب، خاصة مع ضعف الإنتاجية في القطاع الخاص بشكل عام والضعف في التعليم العالي الذي يعيق خلق وظائف ذات قيمة مضافة.
لذلك، فمن الراجح أن ترتفع مستويات البطالة على المدى المتوسط الى ما فوق 47% وفي حال لم تجري الحكومة إصلاحات على المدى القصير، كما أن هناك فجوة إجتماعية ستبرز بين العاملين في القطاع الخاص والعام خاصة إذا اقرت سلسلة الرتب والرواتب بنسبة 121%. أما على المدى الطويل فإن النجاح في تنمية الإقتصاد لمستويات مرضية مرهون بالنجاح في إصلاح سلك التعليم وإصلاح هياكل الإقتصاد وتحسين البنية التحتية، حتى يتمكن القطاع الخاص من النمو بشكل مرن وكاف. وعلى الجميع أن يعلم أن الشعب اللبناني يعاني من أزمة إقتصادية كبيرة ويجب العمل على وضع خطة تعالج هذه الأزمة على الصعيد الإنساني وتحفيز النمو الإقتصادي بسرعة ومن دون تأخير لصالح العباد والبلاد حتى لا يبقى الإقتصاد الوطني ذمة في رقبة المعنيين.