IMLebanon

المدرّبون في الجامعة اللبنانية: عمالة غير نظامية

Akhbar

حسين مهدي

أقر مجلس الوزراء في جلسة سابقة ملفات الجامعة اللبنانية ناقصة، وافق على تعيين عمداء اصيلين للكليات وتفريغ نحو 1213 استاذاً متعاقداً، ولكنه اهمل قضية «المدربين» في الجامعة، الذين يطالبون بإبرام عقود «نظامية» مباشرة مع الحكومة بدل عقود «المصالحة» الحالية، التي تحرمهم الحصول على راتب شهري يوفّر لهم الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي

سياسات ضرب التعليم العالي في لبنان قائمة منذ زمن طويل. أحد الأمثلة على هذه السياسات تجميد التوظيف في الجامعة اللبنانية بقرار من الحكومة في عام 1997. خلال السنوات الـ17 الماضية تقاعد عدد كبير من موظفي الجامعة في كليات ومعاهد متعددة، ما أثر سلباً في سير الأعمال الادارية والأكاديمية، وأوقع الجامعة في مأزق كبير، فلجأت، كسائر الادارات والمؤسسات العامّة، الى اساليب ملتوية لتلبية حاجاتها، منها اعتماد صيغة تسمّى عقوداً مع «مدربين» يسيّرون هذه الأعمال الادارية، او بمعنى اوضح، جرى التعاقد مع موظّفين من دون تسميتهم موظفين كشكل من اشكال التحايل المعتادة. ولأن هذه العقود غير نظامية وليس هناك اطار نظامي لتسديد الاجور التي تنص عليها، يجري كل فترة اجراء «مصالحات» لتسديد الاجور بوصفها نفقات مترتبة على الدولة من دون ان تقابلها اعتمادات تغطّيها.

من هم مدربو الجامعة اللبنانية؟

صيغة عقود «التدريب» في الجامعة اللبنانية بدأت في كلية الهندسة، ولم يقصد منها في حينه سد الشواغر في ادارات الكليات أو المعاهد، بل اخضاع الطلاب لتدريب ميداني وتقني هم بحاجة اليه بحكم اختصاصهم، ومنصوص على هذه الصيغة في أنظمة الكلية. وقد اعتمدتها لاحقاً كليات أخرى يحتاج طلابها الى التدريب العملي واكتساب الخبرات، ولا سيما في كليات الزراعة والصحة والسياحة. وعقود «المدربين» كانت تبرم بين طرفين (الجامعة والمدرب)، وهي عقود عمل بالساعة، يحفظ من خلالها المدرب حقه بالبدل المالي، على أن لا يتقاضى المدرب أجره كأجر شهري دائم، بل يمر العقد بالإجراءات الروتينية: يبرم العقد مع رئاسة الجامعة بناءً على توصية العميد ومديري الفروع، بعد ذلك ترسل العقود الى ديوان المحاسبة لإبداء الرأي، ثم يعاد ارسالها الى رئاسة اللبنانية مجدداً لتسديدها. هذه العملية تتطلب عاماً بالحد الأدنى، وتمتد الى عام ونصف في معظم الأحيان، ما يحرم المدرب راتباً شهرياً يؤمن له الاستقرار، ويحرمه أيضاً بدل النقل والضمان الاجتماعي، علماً أن أي عمل مهما كان شكله وطبيعته يجب أن يخضع لقانون العمل الذي يلزم أصحاب العمل بتسديد الأجر والتصريح عنه لصندوق الضمان.

رئيس الجامعة: إقرار ملف المدربين لن يكلف أي عبء إضافي

نتيجة تقاعد عدد كبير من موظفي الجامعة اللبنانية (60 الى 70 موظفاً يتقاعدون سنوياً)، ونتيجة افتتاح أقسام ومعاهد جديدة، ودخول المكننة اليها، كانت هناك حاجة ملحة لتوظيف من يقوم بكل هذه المهمات لتسيير العمل في الفروع والأقسام بمختلف الشعب والتخصصات الادارية والفنية وأعمال المكننة والمكتبات والمختبرات. وبما أن مجلس الوزراء بفعل القرار 42 الصادر عام 1997 أوقف التوظيف في الادارات والمؤسسات العامة، كان اللجوء الى صيغة «عقود المدربين» لملء الشواغر الادارية، وبدأت الجامعة منذ أوائل التسعينيات بإبرام عقود المصالحة مع المدربين لإنجاز الأعمال المطلوبة لكي لا تتعطّل الأعمال الادارية أو الأكاديمية.
يتقاضى «المدرّب» 32 ألف ليرة مقابل كل ساعة عمل، وبعضهم يتقاضى 43 ألف ليرة (مدربو كلية الهندسة أو مدربو المختبرات مثلاً). ويصل الحد الأقصى لساعات التدريب الى 750 ساعة، الا أن معظم العقود المبرمة تصل الى 600 ساعة عمل سنوياً، علماً بأن الجامعة تفرض على المدربين المتعاقدين معها أن يعملوا 32 ساعة أسبوعياً، أي ما يعادل (إذا ما استثنينا العطلة الجامعية في آب التي لا يتقاضى فيها المدرب أي أجر، إضافة الى عطل الأعياد الرسمية وغيرها) 1200 الى 1300 ساعة سنوياً، أي ضعف الأجر الذي يتقاضونه بحسب العقد. وبررت مصادر ادارة الجامعة ذلك بأن هناك حاجة لإنجاز الأعمال، وأنه في حال تقاضيهم أجر 1200 أو 1300 بحسب العقد، فهم بذلك يتقاضون أعلى من أجر الموظفين، وتعترف هذه المصادر بأن «المدربين» يعملون دواماً كاملاً، ولكنهم لا يعاملون كموظفين، اضافة الى عدم استفادة المدربين من العطل الرسمية أو الجامعية أو الدرجات التي يحصل عليها موظفو الملاك.
ليس هذا فحسب، فقد ادّى اللجوء الى هذه الصيغة الملتوية في التوظيف الى مخالفات تستدعي في كل مرّة احالة العقود على هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لإبرام اتفاقيات مصالحة عليها لتوفير الغطاء القانوني لتسديد كلفتها، تقول رئيسة لجنة المدربين ليلي التوم إنه يحسم من أجرهم 5% مقابل عقد المصالحة و7.5% ضريبة الدخل من دون الاستفادة من التنزيلات العائلية والإعفاءات الضريبية التي يستفيد منها الموظفون النظاميون، «ومن يتعرض من مدربي المختبرات لأي حادث سبب له أي ضرر جسدي، فعلاجه يكون على نفقته الخاصة». رغم كل ذلك، إن ما يطالب به المدربون بحسب التوم ليس تثبيتهم أو ادخالهم الى ملاك الموظفين (العملية تتطلب خضوعهم لمجلس الخدمة المدنية)، «بل يطالبون فقط بأن تبرم عقودهم سنوياً مع مجلس الوزراء، لكي يستطيعوا أن يتقاضوا أجورهم شهرياً، ويتقاضوا بدل نقل ويحصلون على ضمان صحي، ما يحقق لهم الاستقرار والعيش الكريم، ويجنبهم عناء الانتظار سنة ونصف سنة دون أجر بانتظار إنجاز المصالحة».

لا عبء مالياً إضافياً

رئيس الجامعة عدنان السيد حسين، قال في اتصال مع «الأخبار» إن تسوية أوضاعهم وإقرار ملفهم في مجلس الوزراء لن يكلف خرينة الدولة أي عبء اضافي، فالأموال المخصصة لهم ستصرف نفسها، ولكن شهرياً. ورغم الانتقاد الذي طاول طريقة التوظيف وبعض التنفيعات السياسية في عدد من الكليات، الا أن هذا لا ينفي الحاجات الفعلية والملحة لسد الشواغر.
المدربون الذين أعلنت لجنتهم الاضراب المفتوح في السابق، ثم تراجعت عنه بفعل «الوعود السياسية» بحلحلة الملف، لكن أعادت وأعلنت الاضراب المفتوح مجددا، رُفع نحو 860 اسماً منهم الى مجلس الوزراء، الا أن ملفهم لم يناقش في اي جلسة حتى الآن، وأحد أسباب تأجيل النقاش فيه، اعتراض تيار المستقبل عليه، اذ اعتبر تسوية عقودهم بهذه الطريقة تعني تثبيتهم، لذلك فقد وجهت «لجنة متابعة تثبيت المدربين في الجامعة اللبنانية» في التيار كتاباً إلى رئيس الحكومة تمام سلام عرضت فيه موضوع تثبيت المدربين المرفوع إلى مجلس الوزراء لإقراره، ورأت أن تثبيت المدربين هو مطلب محق لا جدال فيه، لأنه يحقق الاستقرار الوظيفي والأمن الاجتماعي والصحي لهم، و«لكن المفاجأة كانت في تقديم الملف بطريقة غير متوازنة على الصعيد الطائفي والمذهبي، نظراً إلى طغيان مكوّن بعينه على باقي المكوّنات الأخرى». وتمنت على سلام التدخل لتصحيح هذا الخلل الوطني، «ليس لجهة فقدان التوازن بين المسلمين والمسيحيين وبين السنة والشيعة فحسب، بل هناك أيضاً خلل فاضح في توزيع المدربين على فروع كليات الجامعة ومعاهدها».