IMLebanon

«بتروبراس» عملاق النفط البرازيلي عالق في براثن فساد البيروقراطية

FinancialTimes
جو ليهي وسامانثا بيرسون

عمد تحقيق في شركة النفط الحكومية البرازيلية، بتروبراس، إلى تشويه سمعة الرئيسة روسيف، وتسريع السباق الرئاسي، وإثارة مزاعم بانتهاكات منهجية للسلطة بين السياسيين في البرازيل. بعد أعوام من الصفقات السرية المزعومة، يبدو أن المسؤولين المتورطين في ما يُحتمل أن تكون أكبر قضية فساد في البرازيل، قد ارتكبوا خطأ شنيعاً.

في أيار (مايو)، اشترى تاجر أموالا في السوق السوداء سبقت إدانته، وهو ألبرتو يوسف، سيارة فاخرة من خلال أطراف ثالثة لصديقه وشريكه المزعوم، باولو روبرتو كوستا، المسؤول التنفيذي السابق في شركة النفط الحكومية بتروبراس. أثناء التفاوض على شراء سيارة الرينج روفر إيفوك بقيمة 250 ألف ريال برازيلي (110 آلاف دولار) في ساو باولو، وضعا اسميهما معاً على وثيقة تبدو غير ضارة: وهي وثيقة إثبات العنوان.

لقد كانت تلك هي المناسبة الوحيدة الموجودة في أكوام وثائق تحقيقات الشرطة التي اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، ويمكن أن تثبت تعاوناً ما بينهما بشكل طوعي. الشرطة الفيدرالية تحركت بسرعة، حيث دهمت منزل كوستا، وصادرت سيارة الإيفوك وأكثر من نصف مليون دولار نقداً. يزعم ممثلو الادّعاء أن مدى أوسع من الفساد الذي يؤثر في شركة بتروبراس، بما في ذلك الرشا والتبرعات السياسية السرية، يصل إلى أكثر من مليار ريال ضمن عقود مبالغ فيها.

ساعدت الشرطة، في أثناء ذلك، على تسريع مشكلات انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) في البرازيل، بتحويلها مما كان يبدو أنه سباق يتألف من فارس واحد بالنسبة للرئيسة ديلما روسيف، إلى المسابقة الأقرب في التاريخ الحديث. ولكونها الرئيسة السابقة لمجلس إدارة بتروبراس، فإن الادّعات تهدد سمعة روسيف باعتبارها تكنوقراطية. كما يزعم ممثلو الادّعاء أن الشركة كانت تُستخدم من أجل جمع تبرعات سياسية واسعة النطاق.

قال فريق عمل من النيابة العامة الفيدرالية في ولاية بارانا، التي تقود التحقيق: “إن المشتبه فيهم …حوّلوا 250 ألف ريال متحصلة من الفساد واستغلال المنصب العام في شركة بتروبراس، إلى أصول شرعية من خلال شراء سيارة اللاند روفر”. قال محامي روسيف إن شراء السيارة لم يكُن أمراً غير قانوني، وأضاف محامو كوستا أن السيارة كانت دفعة لسداد خدمات استشارية حسنة النية التي تم تقديمها ليوسف. كلا الرجلين محتجزان لمواجهة اتهامات بغسل الأموال والفساد واستغلال المنصب العام. البرازيليون يشعرون بالهلع من ادعاءات أن المجرمين قد تسللوا إلى شركة بتروبراس، التي تعد أكبر شركة في بلادهم، وتمثل الرمز الوطني، إلى جانب كونها رائدة عالمية في مجال التنقيب عن النفط في المياه العميقة جداً.

سجّلت الشركة صافي أرباح يبلغ 23.6 مليار ريال العام الماضي بإنتاج 2.54 مليون برميل من النفط في اليوم. “بتروبراس” تعتبر مهمة جداً، بحيث إن كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ بدأ التحقيق، في هذا الخصوص.

يقول السناتور ألفارو دياس، من حزب الديمقراطية الاجتماعية البرازيلية المُعارض، الذي يُشارك في واحد من تحقيقات القضية الخاصة بالكونجرس: “لقد ساهمت الفضيحة إلى حد كبير في تراجع شعبية الرئيسة”، حيث انخفض تصنيف تأييد الرئيسة من أكثر من 60 في المائة في مطلع العام الماضي إلى أقل من 40 في المائة، الآن. حزب العمال الحاكم برئاسة روسيف يرفض الادعاءات بأن مشاكل “بتروبراس” قد ألحقت الضرر بفرصها للفوز بفترة رئاسية ثانية، قائلين إنه تمت تبرئة الرئيسة من ارتكاب أي مخالفات في تلك الفضائح. ما وراء السياسة الحزبية، فإن الجدل يسلّط الضوء على ما يقوله محللون إنه عيب خطير في مؤسسات البرازيل الوطنية: السهولة التي من خلالها يكون السياسيون قادرين على استخدام الشركات الحكومية كمصدر لتمويل الحملات غير المشروعة. قال سيرجيو لازاريني، أستاذ في كلية الإدارة “إنسبير”، في ساو باولو: “الحقيقة هي أن معظم الأطراف تحاول استغلال الشركات المملوكة للدولة لمصلحتهم الشخصية”. مشروع “بتروبراس” الذي يقع في مركز الفضيحة، ويشمل كوستا ويوسف، هو مصفاة بالقرب من أبريو وليما في شمال شرق البرازيل.

يوجد ميدان في البلدة الصغيرة يُبرز تمثالين، أحدهما تكريمي لخوسيه إيناسيو دي أبريو وليما، وهو ثوري كان قد ترك روسيف وحارب من أجل الاستقلال في فنزويلا وكولومبيا. والثاني للجنرال الفنزويلي سيمون بوليفار، ورفيق آخر من أبطال الاستقلال في القارة. يقول فرانسيسكو دي أوليفيرا، البنّاء البالغ من العمر 21 عاماً، متكئاً على النصب التذكاري: “أعتقد أن الأول لا بد أن يكون أبريو والثاني ليما”.

إذا كان سكان البلدة يبدون غافلين عن مقاتل الحرية البرازيلي، فإن مشروع مصفاة بتروبراس لم يأت بشيء يذكر لتكريم ذكراه. المشروع، الذي تم تصوّره كشراكة بين البرازيل وفنزويلا، أصبح محور تحقيق الشرطة في غسل الأموال، معروف باسم لافا جاتو، أو “جامبو واش”، الذي كان قد تورط فيه كل من يوسف وكوستا. في عام 2006، عندما بدأ المشروع بالبناء، ظهر الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، سلف روسيف ومعلمها، في صورة مع الرئيس الفنزويلي الراحل هيوجو شافيز وهما يتصافحان في الموقع.

كان من المفترض أن تكون المصفاة عبارة عن مشروع أعمال مشترك، من شأنه معالجة كمية النفط الخام الكبيرة في فنزويلا، لكن كاراكاس لم تساهم في تمويله: يقول أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في “بتروبراس” مازحاً: “حتى شافيز المناهض للرأسمالية، كان قد شعر بالنفور، بسبب تكاليف المشروع المتصاعدة”.

من الميزانية الأصلية التي تبلغ 2.5 مليار دولار، ارتفعت تكلفة مصفاة إنتاج 230 ألف برميل يومياً إلى 20 مليار دولار، أي 87 ألف دولار للبرميل من الطاقة الإنتاجية للمصفاة. يقول محللون إن هذا يجعلها واحدة من المصافي الأكثر تكلفة التي تم بناؤها على الإطلاق. علماً بأن متوسط التكلفة الدولية هو ما بين 13 ألفا إلى 39 ألف دولار، وفقاً لتقديرات بنك كريدي سويس. على الرغم من أنها شركة مُدرجة في البورصة، إلا أن شركة بتروبراس كانت دائماً مُسيّسة. غير أن مسؤولي النفط يقولون إن لولا دا سيلفا وحلفاءه قد عمقوا الممارسة، بتخصيص عدد كبير من المناصب العُليا لسياسيين تم تعيينهم فيها، من الرئيس التنفيذي السابق خوسيه سيرجيو جابريلي، عضو حزب العمال، إلى كوستا، الذي يعتبر ممثل الحزب التقدمي المؤيد للحكومة.

يقول أدريانو بيريس، مؤسس المركز البرازيلي للبنية التحتية، وهي شركة أبحاث: “إن حزب العمال رأى … أن شركة بتروبراس يمكن أن تكون أداة كبيرة للحفاظ على السلطة”. إلا أن حزب العمال يرفض هذه الحجج، قائلاً إن ذلك مجرد حملة انتخابية معارضة بشكل غير مسؤول لتشويه سمعة شركة بتروبراس. قال محامي كوستا إنه ربما يكون قد حصل على الدعم السياسي، لكنه كان مهندساً ناجحاً في شركة بتروبراس تم تعيينه على أساس الجدارة.

كان ذلك أيضاً منذ عام 2006 حين بدأت شركة بتروبراس سلسلة من المعاملات التي هي الآن موضع تحقيقات الفساد. وتشمل الاتهامات أنها بالغت بالدفع مقابل بناء مصفاة في باسادينا في الولايات المتحدة، حيث دفعت ما مجموعه 28 مرة ضعف المبلغ الذي دفعه المالك الأصلي، وهي شركة أسترا البلجيكية. هيئة مراقبة الحسابات الفيدرالية في البرازيل TCU، أمرت المجلس السابق في شركة بتروبراس بإعادة مبلغ 792.4 مليون دولار للشركة، الذي تم احتسابه خسائر من معاملات باسادينا البالغة 1.18 مليار دولار.

أكبر المخاوف حتى الآن هو مصفاة أبريو وليما. وفقاً لممثلي الادّعاء، فإن تحقيق غسل الأموال “لافا جاتو” بدأ كتحقيق في عملية غسل أموال مشتبهة للراحل خوسيه محمد جانين، وهو سياسي من الحزب التقدمي. في أثناء ذلك، اكتشفت الشرطة معاملات احتيال تم ارتكابها بين عامي 2009 و2013، بشكل مزعوم من قِبل يوسف وكوستا من شركة بتروبراس.

تشتبه الشرطة في أن يوسف هو (أكبر ديليرو “متلاعب بالأموال” في التاريخ الوطني)، وذلك وفقاً لملف التحقيق، الذي استخدم مصطلحاً برتغالياً للدلالة على تاجر الأموال في السوق السوداء، حيث تمت إدانته بجرائم مالية في عام 2004. تم تعيين كوستا مدير إمدادات الوقود في “بتروبراس” عام 2004 وأصبح التنفيذي المسؤول عن المصافي في عام 2008. تزعم وثائق جهة الادّعاء أن يوسف وكوستا ومتواطئين قد تآمرا على عدد لا يحصى من مخططات شركة وهمية (عبارة عن غطاء) لانتزاع الأموال من شركة بتروبراس ومن ثم “غسلها” عن طريق إرسالها إلى الخارج.

يقول المُدّعي العام كارلوس فيرناندو سانتوس ليما: “لدينا مؤشرات أن باولو روبرتو (كوستا) نقل أكثر من 400 مليون دولار إلى الخارج، من خلال عقود الصرف الأجنبي”. يستشهد الادّعاء، كأحد الأمثلة، بنتائج وجدتها هيئة TCU بأن العقود الممنوحة لإحدى شركات البناء، تُعرَف باسم Consórcio Nacional Camargo Corrêa، تم تضخيمها من حيث القيمة بما يصل إلى 446 مليون ريال.

وفي المقابل تعاقدت هذه الشركة مع شركتين من الشركات الأخرى، وهما سانكو سايدر، وسانكو سيرفيسو، لتوريد المواد والخدمات، حيث دفعت لهما 113 مليون ريال على مدى أربعة أعوام.

هاتان الشركتان، في المقابل، دفعتا 26 مليون ريال لشركة استشارية وهمية مزعومة MO، التي يُسيطر عليها يوسف، وغيرها من الأموال التي لم يُكشف عنها لشركة أخرى من شركاته المزعومة، التي تعمل كغطاء لغسل الأموال، وهي GFD. بعد ذلك يُزعم أن تلك الأموال وجدت طريقها إلى الخارج. شركة CNCC البرازيلية وليس الصينية، أخبرت صحيفة فاينانشال تايمز ردّاً على المزاعم بأنها نالت عقودها من خلال مناقصة عامة مشروعة. وتقول إنها كانت تتعاون مع المحققين. وقال متحدث باسم شركات سانكو إن جميع المعاملات كانت شرعية، وتمت من خلال النظام المصرفي التقليدي. كما أضاف أن الشركات كانت تساعد التحقيق. يزعم ممثلو الادّعاء أن الأدلة المأخوذة من كوستا تُشير إلى أنه تفاوض مع مقاولي شركة بتروبراس لجمع تبرعات سياسية، ويُشيرون إلى وثيقة كتبت فيها أسماء أكبر ستة مقاولين مع شركة بتروبراس، تبرعوا بما مجموعه 35.3 مليون ريال لمجموعة أشخاص في الائتلاف الحاكم خلال انتخابات عام 2010. كما يزعم ممثلو الادّعاء أن الوثيقة يمكن “استخدامها كجدول لحملة تبرعات ممكنة، تصرّف فيها كوستا كوسيط لهذه المساهمات، مع الشركات التي كان لديها عقود مع شركة بتروبراس”.

قال محامو كوستا إن اتهامات ممثلي الادّعاء ضده هي “افتراضات” لا أساس لها من الصحة. كما قالوا أيضاً إنه لا يوجد دليل على تضخيم قيمة العقود. ويوسف أيضاً ينفي المزاعم، حيث قال محاموه: “إن المعايير المعتمدة من قِبل النيابة العامة قابلة للنقض وهذا سيتضح مع تقدّم القضية”.

سياسو حزب العمال أيضاً قالوا إنه من السابق لأوانه استخلاص الاستنتاجات بشأن التبرعات السياسية. وأضافوا أن مشكلة شركة بتروبراس هي استقلالها التجاري، وقدرتها على منح العقود بدون مناقصة مفتوحة من النوع الذي تطلبه وزارة عامة.

عضو الكونجرس ماركو مايا، الذي يقود تحقيق الكونجرس لمجلس النواب، قال إن المشرّعين سيراجعون عمليات الشراء في “بتروبراس” لجعلها خاضعة أكثر للمساءلة. “سنغيّر التشريع ونجعل عملية الشراء ومشاركة المعلومات في شركة بتروبراس، أكثر ديمقراطية”. في مصفاة أبريو وليما، تنقشع غيوم المطر والعمال عادوا ليمشوا على الطين الأحمر السميك في موقع البناء. يقول أحد المنظفين إن كثيراً من العمال: “اختفوا بمجرد أن أمطرت”، موضحاً التأخير في المشروع. مثل مشروع المصفاة، الطين المستخدم ضمن فضيحة مشروع أبريو وليما شوّه حملة انتخابات روسيف، مُضرّاً بسمعتها باعتبارها مديرة مؤهلة. المحللون يشكون في أن الكثير منه سيلتصق بها، رغم أن هيئة المراقبة TCU برأّتها أخيراً من ارتكاب أي مخالفات في فضيحة باسادينا. يقول أحد التنفيذيين السابقين في شركة بتروبراس، إنها ثبتت مهندسة ماهرة في شركة بتروبراس، ماريا داس جارساس فوستر، في منصب الرئيس التنفيذي، التي مضت إلى “تنظيف” أو التخلّص من معظم السياسيين الذين تم تعيينهم في المناصب العُليا.

يقول جواو أوجوستو دي كاسترو نيفيس من مجموعة أوراسيا الاستشارية: “إن شركة بتروبراس ستستمر في كونها المصدر السلبي للأخبار بالنسبة لها خلال الانتخابات، لكن عامل المخاطرة الأساسي هو ضعف الاقتصاد”. الأكثر قلقاً بالنسبة للبرازيل هو الميل الواضح للشركات المملوكة للدولة، بأن يتم استخدامها من قِبل سياسيين عازمين على تمويل حملاتهم. كما كانت فورناس، شركة الطاقة الفيدرالية، أيضاً متورطة في مزاعم الفساد المرتبطة بانتخابات عام 2002، التي نفاها مديرو الشركة السابقون في وقت سابق.

قانون أكثر صرامة لمكافحة الفساد يمكن أن يساعد، لكن التنفيذ سيكون حيوياً، فغالباً ما يسمح النظام القانوني المعقد في البرازيل لأولئك الذين لديهم محامون جيدون، بتجنب السجن. قال لازاريني من كلية الإدارة “إنسبير”: “إن هذا القانون الجديد أمر جيد، لكن ليس لدينا سجل حافل مُشرق من العقوبات”.

الرجل الوحيد الذي بدا أنه يفهم مشكلة الفساد المُستشري كان كوستا. في دفتر ملاحظات ضبطته الشرطة في منزله، دوّن باختصار عبارة من ميلور فيرنانديز، الكاتب البرازيلي، الذي التقط السخرية التي يشعر بها العديد بشأن سياسة البلاد: حيث كتب: “إن اجتثاث الفساد، هو الهدف الأسمى لأولئك الذين لم يصلوا للسلطة، بعد”.