IMLebanon

2,5 مليار دولار رؤوس الأموال اللبنانية المستثمرة و 15 ألف لبناني في كردستان العراق

Nahar
موريس متى

“إذا إستيقظت يوماً في العراق ووجدت نفسك في مدينة غابت عنها التفجيرات وأصوات الرصاص، فاعلم جيداً أنك في إقليم كردستان”. هي عبارة لطالما رددتها ألسنة أهل الاقليم شبه المستقل عن الأراضي العراقية، وكل من حمل أمواله واستثمرها فيه بالاضافة إلى من زار هذا الاقليم بغية العمل أو للسياحة. لكن اليوم، قد تكون هذه العبارة في خطر الزوال بعد اقتراب تنظيم الدول الاسلامية في العراق والشام من الحدود مع الاقليم في الوقت الذي تؤكد فيه قوات البشمركة الكردية انها أوقفت تقدم مسلحي “داعش” نحو الاقليم وأجبرتهم على عودة أدراجهم إلى الداخل العراقي وإستعادت مدينتي جوير ومخمور قرب أربيل بدعم من الضربات الأميركية التي إستهدفت المسلحين.

بعد سنوات من القتال، وُقّع يوم 11 آذار 1970 اتفاق الحكم الذاتي بين المعارضة الكردية والحكومة العراقية، وبلغت حينها مساحة الاقليم شبه المستقل الذي يخضع للحكم الكردي، 37 الف كلم مربع وإرتفعت بعد سنوات إلى نحو 40.6 ألف كلم مربع أي إلى مساحة تصل الى أربع مرات مساحة لبنان. ويقدر عدد سكان إقليم كردستان العراق الواقع شمال البلاد، بأكثر من 5.5 ملايين نسمة أكثرهم من الأكراد، بالاضافة الى أقليات أخرى كالعرب والتركمان والاشوريين ويتوزعون على ثلاث محافظات هي أربيل (عاصمة الاقليم) والسليمانية ودهوك، أما جغرافياً فتحد إيران الاقليم من الشرق وتركيا في الشمال، وسوريا إلى الغرب وبقية مناطق العراق إلى الجنوب.
منذ العام 1975 خلال الحرب بين العراق وإيران أي بين 1980 و1988، بقي الجزء الاكبر من المنطقة الكردية تحت سلطة الحكومة المركزية في بغداد، وفي أعقاب حرب الخليج الثانية التي إندلعت عام 1991. وبعد تأسيس منطقة الحظر الجوي لم يعد للعراق تأثير كبير في منطقة الحكم الذاتي التي يسيطر عليها العراق والمعروفة بإقليم كردستان العراق شبه المستقل.

إقتصاد الاقليم
يشكل النفط الركيزة الاساسية لاقتصاد اقليم كردستان الذي سجل نسبة نمو عند 6% خلال 2013، إذ تشير الدراسات إلى احتوائه على أكثر من 45 مليار برميل من النفط مما يجعله ثالث أكبر منتج للخام الأسود في العالم، في الوقت الذي يصدر فيه حاليا الاقليم، الذي تعمل ضمنه أكثر من 24 مجموعة نفطية أجنبية، حوالى 300 الف برميل من النفط يومياً، منها 100 الف برميل عبر ميناء جيهان التركي. (كان أسس الإقليم في العام 2013 بالتعاون مع تركيا أنبوب خاص بين البلدين لتصدير النفط إلى أوروبا عبر ميناء جيهان التركي )، وأدت عملية تصدير النفط الكردي الى إشتعال أزمة بين حكومة الاقليم التي تعتبر أن هذه الخطوة هي من ضمن حقوقها القانونية، وحكومة بغداد المركزية التي تؤكد حقها الحصري بتصدير أي نفط يخرج من الاراضي العراقية.
الاستثمارات اللبنانية في إربيل
منتصف حزيران 2006، صادقت حكومة كردستان العراق على قانون الاستثمار في الإقليم الذي يمنح حوافز عديدة للمستثمرين الأجانب كإمكان امتلاك الأراضي والحصول على إعفاءات ضريبية لمدة عشر سنوات، بالاضافة إلى سهولة تحويل أرباح الشركات الى خارج العراق، فضلاً عن خفوض جمركية كبيرة واعفاءات على رسوم إدخال متطلبات المشاريع واستقدام اليد العاملة.
هذا القانون ساهم في انتعاش اقتصاد الاقليم وتحديداً محافظة إربيل التي شهدت على دخول استثمارات قدرت بـ 14 مليار دولار بين عامي 2006 و2014 بحسب المديرية اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻼﺳﺘﺜﻤﺎر، منها رؤوس اموال لبنانية بلغت حتى يومنا هذا حدود 2.5 ملياري دولار. وتشير إحصائيات وزارة التجارة والصناعة في حكومة الإقليم، إلى وجود 2250 شركة أجنبية تعمل في الإقليم بينها 98 شركة إماراتية و97 شركة لبنانية و12 شركة مصرية مع شركات أردنية وسعودية وكويتية ودول أخرى خليجية.
ويتركز معظم نشاط الشركات اللبنانية في قطاع التطوير العقاري بالاضافة إلى قطاع الخدمات والفنادق والمطاعم التي ساهمت في ازدهار قطاع السياحة في الاقليم الذي يقصده سنويا حوالى 3 ملايين زائر. كما شهد إقليم كردستان دخول 7 مصارف من كبرى المصارف اللبنانية في الاعوام القليلة الماضية (منها بنك بيبلوس، IBL Bank، BLF، فرنسبنك وبنك عوده)
بالاضافة الى العديد من الاستثمارات في مشاريع الاتصالات وتكنولوجيا معلومات ومكاتب محاسبة(…) والجدير بالذكر ان الجالية اللبنانية في الإقليم تجاوز عددها نهاية حزيران من السنة الجارية الـ 15 الفاً ومن المتوقع ان يرتفع عددها إلى أكثر من 35 ألفاً بحلول نهاية 2015. (مع انتظار ما ستؤول إليه الامور الامنية)

أبرز المستثمرين اللبنانيين في “اربيل”
المعروف عن اللبنانيين أنهم صيادو فرص من الطراز النادر، وأنهم يجيدون التقارب مع الشعوب العربية وهذه حالهم في كردستان العراق. وبحسب الارقام، من أبرز المستثمرين اللبنانيين في محافظة اربيل بنك ﺑﻴﺒﻠﻮس الذي كان أول المصارف اللبنانية التي تؤسس فرعًا لها في كردستان، وتحديدًا في أربيل، برأسمال قيمته 700 مليون دولار، تليه ﺷﺮكة “اﻟﺤﺮﻳﺮي ﻟﻠﻤﻘﺎوﻻت واﻟﺒﻨﺎء” (هاركو) التي استثمرت برأسمال حوالى 230 مليون دولار في مشروع “القرية اللبنانية” بالاضافة الى استثمار ﺷﺮكة أوﺗﻴﻞ ﻻﻳﻦ ﻟﻼﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﺴﻴﺎﺣﻲ المحدودة والتي قامت ببناء ﻓﻨﺪق “روﺗﺎنا” مع استثمار في القطاع السياحي بقيمة 35 مليون دولار وﺷﺮكة “ﻣﺎﻟﻴﺎ” اللبنانية مع استثمار برأسمال قيمته 24 مليون دولار من خلال مشروع ﻣركز “ﻣﺎﻟﻴﺎ اﻟﺘﺠﺎري” بالاضافة الى فندق “روتانا هولير” في أربيل، برأسمال مقداره 50 مليون دولار وتعود ملكيته إلى مجموعة “ماليا هولدينغ”. وايضاً في إقليم كردستان العراق إستثمار لشركة اﻟﻮاردة ﻟﻠﺘﺠﺎرة اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻤﺤﺪودة برأسمال 10 ملايين دولار في ﻣﺮكز اﻟﺴﻮق اﻻﻳﻄﺎﻟﻲ، واﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ- اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ التي تضم حوالى 1000 تلميذ، برأسمال فرنسي- لبناني مشترك بحوالى 7 ملايين دولار في قطاع التعليم، وشركة “سانيتا اللبنانية” برأسمال بلغ 6 ملايين دولار في القطاع الصناعي.

امن الاستثمارات مع اقتراب “داعش”
هذه الأرقام تؤكد أهمية حجم الاستثمارات اللبنانية في الاقليم ولكن في ظل التدهور الامني السريع الذي يشهده العراق مع سيطرة مسلحي الدولة الاسلامية على العديد من المناطق قد تكون هذه الاستثمارات اليوم في خطر. في هذا السياق، طمأن عميد الصناعيين في لبنان جاك صرّاف عبر “النهار” إلى أن لا خوف على الاستثمارات اللبنانية في كردستان العراق. وإعتبر أن ما يجري قرب المنطقة الكردية يشكل غيمة سوداء سرعان ما ستنقشع. وكشف الصراف عن التحضير لعقد اجتماع قريباً يجمع كل المستثمرين اللبنانيين في الاقليم مع الهيئات الاقتصادية اللبنانية للعمل على احتواء الازمة وحماية الاستثمارات في المنطقة، وللوقوف على حقيقة ما يجري ولا سيما مدى تأثر أعمالهم والأخطار المحدقة بهم، والخطوات المطلوبة لمساعدتهم. ويضيف صراف لـ”النهار” ان ما يزيد من منسوب التفاؤل هو التوافق الدولي والتفاهم الأميركي – الروسي – السعودي – الايراني على حل أزمة العراق، ما ينعكس إيجاباً على حال وضع أمن الاستثمارات في الاقليم وما يبشر بأن الامور ستعود إلى طبيعتها قريباً، معتقداً أن الاقليم لا يزال المكان الجاذب للاستثمارات، وما زال الأفضل لجهة الأمان، ليس في العراق بل في الشرق الأوسط فحسب، مؤكداً أن اربيل ليست فقط مغارة الاستثمارات الاجنبية والعربية بل هي الملجأ الوحيد للمستثمرين في ظلّ ما يحصل في سوريا، مصر، ليبيا وغيرها.
اليوم، اللبناني الذي عمل ونجح في كردستان العراق، يستمرّ العمل فيه والتوسّع بمشاريعه رغم التهديدات الامنية، فهو ليس بغريب عنها وليست جديدة عليه، ولطالما أدخلها في حساباته ودراسات جدوى مشاريعه، كما تعتبر المخاوف ظرفية ولا تنحصر فقط في إقليم كردستان وإنما تطاول كل المنطقة العربية.