IMLebanon

عام «ندرة المياه» ساوى لبنان مع «دول الجفاف» إنتاج زراعي إلى الوراء.. وهدير الصهاريج يملأ الأحياء

Liwa2

زينب شعبو

بلد المياه بلا مياه، ولا كهرباء وكأن عدوى فراغ المناصب قلّصت العمل على أدنى حق للبناني ألا وهو حصوله على المياه، ان كان في منزله، عمله، ولا تقتصر بطبيعة الحال على الاستهلاك الشخصي بدافع النظافة، بل تتخطاه لقوته، فكيف يسقى الزرع؟ كيف نحصل على الطعام؟
للأسف حالة مأساوية نعيشها في بلدنا الأزرق الذي صنف ثالث بلد عربي في غزارة المياه، فهل سنصل لمرحلة إستيرادها؟
علامات استفهام وتعجب تطرح… ما الذي يحصل؟! فبعد إعلان مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان وكل المناطق عن برنامج تقنين، عَلَتْ أصوات الصهاريج والسكان من جهة، وأصوات المزارعين من جهة أخرى، علماً أن الزراعة في لبنان واجهت مؤخراً عدداً من المشاكل المرتبطة بالأساليب الزراعية القديمة، ولكن ما يعاني منه اللبناني اليوم بشكل عام «ندرة المياه»، التي باتت مشكلة أساسية لدى المزارعين ولدى محصولهم بسبب شح المياه وندرة المياه الجوفية، وأمام هذا الواقع الأليم حاورت «اللــــــواء» كل من المهندس الزراعي ومدير مشاريع التنمية الزراعية في مؤسسة الحريري إبراهيم الحريري، والمزارع محمد أحمد اليوسف، والمدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني زياد الصائغ وصاحب صهريج للمياه أحمد الخرفان.

الصائغ
بداية من «ملتقى التأثير المدني»، كان اللقاء مع زياد الصائغ الذي شرح لنا ان المشكلة ليست بندرة المياه بل بكيفية استخدامها.
{ ما هي المشكلة الأساسية التي يعاني منها قطاع المياه في لبنان؟
– تكمن المشكلة الأساسية في كيفية إدارة قطاع المياه في لبنان وليس في نقص المياه، ففي الحقيقة نحن نعاني من ندرة المياه ولكن المعضلة ليست بالكمية، وهي تحتاج لحل على المدى القصر والمتوسط والبعيد.
{ ان لم تكن المشكلة في الكمية إذن كيف نستطيع تفسيرها؟
– في البداية ان شح الأمطار أدى لانخفاض كمية المياه الجوفية، بالإضافة لعشوائية الآبار الارتوازية التي تستنزف بدورها المياه الجوفية، ولكن كيف تفسر ظاهرة بيع المياه عن طريق الصهاريج وفي منازلنا ومصانعنا لا يوجد مياه؟ أي هناك كمية مياه تباع لنا لما إذا لا تدخل بيوتنا مجاناً!!
{ أين يكمن الحل برأيك؟
– طرحنا في ملتقى التأثير المدني على لجنة الطاقة والمياه والأشغال والنقل النيابية التي اجتمعت وأطلقت «خلية أزمة لنقاش أزمة المياه» 5 حلول وهي:
1- اعتماد الحل التقليدي وهو أن تتولى البلديات بنطاقها البلدي عملية توعية لترشيد الاستهلاك بالمياه، بالإضافة لدور وسائل الإعلام على كافة المستويات، لأن ما نفتقد إليه هو الثقافة المائية، ومن هنا أطلق الملتقى شعار «المياه ليست سلعة في لبنان بل هي حق وثروة».
2- ان منسوب المياه في نهر الدامور والعاصي ما زال جيداً لما لا نستفيد منهما بدلاً من اعطائها لأصحاب الصهاريج؟
3- لدينا ينابيع مياه «حلوة» تحت البحر موجودة في منطقتي شكا وصور، تستطيع أن تضخ من 75 الى 85 ألف متر مكعب، وهنا أجرينا في الملتقى دراسة من خلال خبراء Blue Gold وضعناها بتصرّف رئاسة الحكومة اللبنانية وقيادة الجيش لأنها تتعلق بسيادة الدولة، واقترحنا أن يقوم الجيش اللبناني باستخراجها بعيداً عن حساسية موضوع منطقة صور.
4- كما اقترحت لجنة الطاقة والمياه التي نحن عضو فيها والاشغال والنقل أن يتم حفر 7 آبار جديدة، وبنفس الصدد اقترحنا هل سيقتصر الحفر في مدينة بيروت وجبل لبنان أم ان مناطق أخرى ستستقيد بدورها؟ لأن المياه الجوفية محددة التواجد في أماكن معينة، ونتساءل أيضاً هل هناك دراسة جيولوجية دقيقة لمعرفة الأماكن التي ستحفر بها الآبار، كي نتفادى موضوع «ملوحة المياه»؟
لأنه لا يكفي أن نأخذ القرار بل لا بد أن نستتبعها بأين؟ وما هي نوعية المياه التي ستعطينا إياها الآبار؟
5- وفي الزراعة: هناك هدر بنسبة 65% في هذا القطاع بسبب عملية الري التقليدي، وضرورة إيجاد تعاون بين وزارة الزراعة والطاقة والمياه، لبدء عملية الانتقال من اسلوب الري التقليدي الى الري بالتنقيط.
ونحن اليوم ننتظر تفعيل العمل بهذه الاقتراحات لاننا عرفنا بوجود لجنة مصغّرة أنشئت في وزارة الطاقة والمياه تعمل على دراستها.
{ ما هي الخطوات التي بادرتم بها لحث المعنيين على البدء بالعمل؟
– حقيقةً نحن نريد أن يتم تنسيق العمل بين كافة القطاعات ان كان عام أم خاص أم مجتمع مدني، ولماذا وجود خليتي أزمة؟ لذا اقترحنا على رئاسة مجلس الوزراء بالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة، لانشاء لجنة مصغرة في مجلس الوزراء تضم كافة الأفرقاء ويقومون بدراسة كيفية التعاطي مع أزمة المياه والسياسة المائية بشكل عام، وهناك فكرة اعداد لمؤتمر وطني يهدف للانتقال من مرحلة ردة الفعل بأزمة حالية الى مرحلة الفعل الاستراتيجي على المدى المتوسط والبعيد.
{ ما هو المجلس الوطني للمياه؟
– سنستكمل عملنا لانجاز اقتراح قانون مع خبراء وقضاة لإنشاء «المجلس الوطني للمياه» الذي برأينا ان انجز سوف تتحوّل المياه من حاجة الى ثروة وطنية، والذي سننهي البحث به ونسلمه لمجلس الوزراء للنقاش في شهر تشرين الأول المقبل، لأن خطتنا في الملتقى تتبنّى اقتراحات وخطة الحكومة عام 2012 لديها اقتراحات، لذا تطلعنا لالتقاء نقاط القوة بين الخطتين في مشروع أجاز هذا القانون بهدف إيجاد خطة وطنية تنسّق بين كافة الفئات، وتعيد تنظيم عمل الجميع، وهو «المجلس الوطني للمياه»، وفي الوقت عينه نقوم بمبادرات نموذجية مع عدد من البلديات.
{ ما هي النصيحة التي تقدّمها للبنانيين بهذا الصدد؟
– أن يعيد اللبنانيون الاعتبار لثرواتهم الطبيعية والبشرية، ووضع القضايا الإقتصادية والإجتماعية في سلم الأولويات في ظل الشلل الذي نعيشه.
ميدانياً
عندما نزلنا الميدان الذي يشبه ساحة الحرب وجدنا إستياء عام في كافة مناطق بيروت «البسطة، رأس النبع، زقاق البلاط، طريق الجديدة، الضاحية الجنوبية، وبربور…» والناس يرددون جملة واحدة: «لا ماء ولا كهرباء وغلاء معيشي وظروف أمنية صعبة ومخيفة» وهذا يترجم فعلاً يوميات المواطن اللبناني. فالكثيرون يشترون المياه من شركات التوزيع التي رفعت الأسعار فور إنقطاع المياه، وغير القادرين على شراء المياه اضطروا للنزوح عند أقاربهم الذين يملكون في مبانيهم آبارا، وهذا ما أدى إلى تغيير في أسلوب حياتهم وحياة أبنائهم في المدارس والجامعات، كما ورددوا: «ألا يكفينا نزوح أثناء الحروب التي مر بها البلد، أم أننا سنعايش مع أبنائنا نفس الظروف؟».
مياهنا ذهب.. فهل سيدفع اللبناني «تقلا ذهب»؟
بالعودة لموزّعي المياه، كان لنا لقاء مع موزع للمياه «أحمد الخرفان» الذي أكد زيادة الطلب في بيروت على شركات المياه في الشهرين الماضيين، وعن سعر «النقلة» يقول: «تختلف بحسب كمية المياه التي يريدها الزبون حيث تبلغ بين الـ 20 ألف والـ 30، ومع هذا الوضع المأساوي لم يعد للبناني أي مصدر طبيعي للمياه حتى مياه الشرب للأسف تعاني من تلوث».
معاناة في الزراعة
{ محمد أحمد اليوسف، مستأجر لأرض في منطقة الدامور يزرع فيها الملوخية، يحاكي معاناته في الزراعة مع النقص في المياه فمحصوله يبس، نتيجة شح المياه، ويقول: «احتاج لـ 4-5 صهاريج في الأسبوع الواحد أي ما يعادل الـ 200 و250 ليترا من المياه للاستخدام، علماً ان الملوخية تحتاج لكمية مياه عالية كي تعطي النتيجة المرجوّة، بالإضافة لما ينتظرنا كمزارعين من مصاريف أسمدة ومواد خاصة بالزراعة».
أما بالنسبة للمحصول، فيضيف: «أنه تدنّى بشكل كبير وملحوظ عن السنة الماضية، ومن هنا نناشد كافة المعنيين بمساعدتنا كمزارعين وللاهتمام بهذا القطاع الغني خصوصاً في بلد أخضر مثل لبنان».
ليس كل من لديه أرض أهل لأن يكون مزارعاً
أما المهندس الزراعي إبراهيم الحريري يرى أن معدل المياه في لبنان انخفض، ولكن لبنان بطبيعته غني بالمياه السطحية والجوفية مما يساعد على إقامة مشاريع الري وتنشيط الحركة الزراعية والصناعية والإقتصادية على العموم.
وبسبب التقصير الناجم عن قلّة الوعي في إدارة المياه يبقى المتضرر الأكبر المزارع الفقير الذي لا يستطيع شراء المياه من أصحاب الصهاريج.
ومن هنا تبقى التربة في لبنان واحدة بالنسبة لحاجتها للمياه، أما في الجنوب اللبناني على وجه التحديد الذي يشتهر بزراعة الحمضيات والموز والافوكادو، وكثرة الخيم الزراعية البلاستيكية، التي تحتاج بشدة للري من شهر نيسان لغاية شهر تشرين الثاني، يعاني بطبيعة الحال، فعلى سبيل المثال شتلة الموز الواحدة تحتاج يومياً لـ 50 ليترا من المياه في شهري تموز وآب، وكلفة المياه الى ارتفاع ما يزيد من معاناة المزارع، وبالتالي ان أضخم صهريج من المياه يلبي 30000 ليتر من المياه ولا تلبي حاجة المزارع.
وعن الحل برأيه بهذا الموضوع يقول: «هناك حلان أساسيان: حفر آبار ارتوازية جديدة لأنه وفي العديد من المناطق غزت مياه البحر المياه الجوفية ما أدى الى تملح مياه الآبار، ولا بد من تطوير السدود وإعادة هيكليتها للحفاظ على المياه، والإستفادة من مشروع الليطاني، علماً أن كل المزارعين الذين تقع أراضيهم بجوار مشروع الليطاني يستفيدون من مياهه، والآخرون بطبيعة الحال يستخدمون مياه الآبار مع كلفة عالية لضخها، فكل ساعة ضخ مياه للآبار تساوي «تنكة مازوت». من هنا لا بد من إيجاد طرق ووسائل لارشاد وتوعية المزارعين لكيفية استخدام المياه، بالإضافة الى موضوع هام لا بد من الإشارة إليه، انه ليس كل صاحب أرض مزارعا أو أهل لاستخدام أرضه والانتاج منها».
وعن النتيجة يضيف «»من خلال زيارتنا للمزارعين وجدنا تقصير في النمو الزراعي نتيجة قلّة المياه، لان المزارع لم يعط التربة حقها بالري بطبيعة الحال بسبب ندرتها مما أدى الى انخفاض في الانتاج، وبطء في الحصول على الحصاد».
نقصت المياه فتأثر الزرع، تخبّط السياسيون، يأس اللبنانيون، انقطعت الكهرباء لا جدوى من حلها، الشباب عاطل عن العمل ولا سياسات تنموية… الخ، الى متى سيبقى اللبناني يأخذ راتبه ليدفعه فقط لحاجاته الأساسية ولا يستطيع الإدخار لكماليات تخرجه من الواقع المرير الذي يعيشه، مع كل أزمة جديدة يفتح الباب لأزمات عدة، البارحة كانت الكهرباء واليوم معها المياه والزراعة، ومن يقطن في مبنى فيه بئر ارتوازي أيضاً تقطع عنه المياه نظراً لانقطاع التيار الكهربائي، فلا بد من إيجاد حلول بنّاءة لنخرج من هذا الواقع المرير.