IMLebanon

إلى متى الأحاديث التي تدور حول «التنمية الاقتصادية الورقية»؟

Liwa2
صبحي حسين عبد الوهاب الهندي

من المعروف، علماً ومنهاجاً، أن البيانات والجداول الإحصائية الإقتصادية والإجتماعية والمؤشرات المتعلقة بالمالية العامة، لا سيما تلك المرتبطة بتطلع المجتمعات الى التقدّم والنمو إنما تشكّل إقتراحات تستنير بها السلطات المعنية وتستعين بها بهدف إعتماد سياسات واقعية قابلة للتنفيذ في مجالات التنمية الشاملة.
ومن المفارقات العجاب، أن مختلف هذه المستندات، التي تكشف حقيقة الأوضاع اللبنانية العامة المتردية في مختلف الميادين والصعد والمستويات، باتت متوافرة «رسمياً» لدى المراجع المختصة بكل أرقامها وإن إختلفت فيها القراءات وهي واقعياً بين أيدي من يمتلكون سلطة القرار السياسي في تحقيق الإصلاحات والنهوض والإنماء.
وما نرمي إليه، بعدما توفرت كل هذه المعطيات، هو أن تبادر السلطات المسؤولة الى ترجمة توجهاتها الإنمائية الى أفعال وأن لا تكتفي بتوصيف الحالات الإقتصادية والإجتماعية، كما ورد في هذه التقارير وتلك الدراسات،لأننا نعتقد أن نجاحها يرتبط الى حد بعيد في مواجهتها للتحديات التي تعددها تلك الوثائق المبنية في غالبيتها على مسوحات ميدانية وتستدعي بالتالي إيجاد الآليات الملائمة للشروع في تطبيقات برامجها الإقتصادية والإجتماعية الفاعلة والتي تفضي الى تحقيق ما تتطلع الى تطبيقه هذه السلطات بالذات من توفير مستويات رفيعة للرفاه الإجتماعي والإزدهار الإقتصادي وإزالة العوائق من أمام عملية الإنماء، علماً أن الأرقام العائدة لمعدلات «التنمية الورقية»، يدحضها إستمرار إنهيار مستوى المعيشة، ومستلزمات تعزيز شبكات الحماية الإجتماعية، وزيادات مجالات الحصول على الخدمات الأساسية، إذ تشير بعض التقديرات المختلفة الى «أن 5% من السكان» يعيشون في حالة فقر مدقع، في حين تشير الأخرى الى الفئات التي تعيش في حالة فقر نسبي تبلغ حوالى 25% من مجموع السكان، واللافت أن مختلف البرامج لمختلف الحكومات تقرّ بالتفاوت الملحوظ في التوزع الجغرافي للفقر، حيث يتركز قسم كبير من الفقراء بحسب ما ورد في متن تلك المؤشرات العائدة لتلك المناطق، وبذلك تبلغ معدلات الفقر المدقع أعلى مستوياتها في منطقتي الهرمل وبعلبك وفي منطقة عكار، في حين لا تتجاوز 7، 0% في بيروت الإدارية.
وما نخلص إليه هو أن السلطات المعنية وأمام هذا «الكشف الحسابي» الذي حققته برامجها وتقاريرها ودراساتها باتت تجحد نفسها أمام خيار يلزمها بإعتماد إستراتيجية وطنية للتنمية الشاملة خصوصاً أن لديها كل الإمكانات في هذا المجال، وأن تتجاوز «إمتناعها» عن الإقدام على تنفيذ برامجها المحركة لعملية الإنماء وتبقى «أسيرة» «الشروط» التي تفرضها الدول المانحة والداعمة، وكذلك المنظمات والهيئات الدولية غير الحكومية، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وأن لا تعتمد في نفس السياق سياسة «التردد» و«التسويف» و«المماطلة» حيث تبقى برامج الإصلاح والنهوض والإنماء ملاحق «ورقية» تودع في ذاكرة وأرشيف الإدارات العامة وربما تصادف من يعيد قراءتها في «المستقبل الواعد».
وما يدعونا واقعياً الى التشاؤم بأنه لا يزال أمام مجتمعنا اللبناني أشواط لبلوغ الغايات النهائية في «إنماء الإنسان» فيه، لأننا نعتقد ولدينا قناعة راسخة في هذا المضمار أن كل شيء يبدأ من الإنسان وله وينتهي من أجله. وأن المسالة الجوهرية تتمحور حول الحرص على تحقيق إنماء لبنان بأسره إذ لم تعد الحركة الإنمائية لتقتصر على مطلب إنمائي يتيم يتعلق برفع الغبن التاريخي الذي تعاني منه بعض المحافظات اللبنانية منذ سنوات طوال.