IMLebanon

الأزمات العالمية ومدفوعات الشركات تدعم العملة الخضراء…والدولار‏ في أزمة منتصف العمر‏!‏

Ahram

شريفة عبدالرحيم

يري خبراء ان القوة الاقتصادية الاولي في العالم ما زالت تتمتع بنفوذ هائل بفضل الدولار الذي يعد عملة الاحتياطي الرئيسية في جميع الدول والشواهد عديدة, مثل قدرتها علي فرض غرامات هائلة علي البنوك الاوروبية مثل حالة بنك بي ان بيه ـ باريبا, وحالة ملف الدين الارجنتيني وكذلك إلزام البنوك العالمية بالخضوع لقوانينها الضريبية, فبعد مفاوضات مطولة, فرض علي المصرف الفرنسي دفع غرامة بقيمة9,8 مليار دولار بسبب صفقات اجريت خارج الولايات المتحدة لكنها مخالفة لتعليمات بحظر التعامل مع بلدان فرضت عليها امريكا عقوبات اقتصادية, مثل ايران والسودان وكوبا.

يضاف لما سبق.. حالة ملف الدين الارجنتيني, حيث فرض القضاء الامريكي الذي بت خلافا مرتبطا بافلاس البلاد في2001, الشهر الماضي علي بوينس ايرس تعليق الدفع لدائنيها مادامت لم تبدأ بتسديد ديون صندوقين استثماريين للمضاربات. وهذا المنع الذي لا يفترض ان يشمل حكما سوي سندات الدين الارجنتيني الصادرة في نيويورك, قد يمتد في الواقع ليشمل السندات الصادرة تحت القانون البريطاني وباليورو ولا تمت بصلة مع الولايات المتحدة.

وثمة ملف اخر يثير بعض الاستياء. فمنذ بداية يوليو الماضي وبدء العمل بقانون الامتثال للضرائب الامريكية فاتكا حيث يحق للولايات المتحدة مطالبة عشرات آلاف البنوك في العالم بمعلومات مفصلة عن حسابات رعاياها في الخارج. وهذه الحملة لمكافحة التهرب الضريبي تعرضت للانتقادات لنزعتها الاحادية الجانب.

وآخر الاصوات التي علت كان لرئيس الوزراء الفرنسي الاسبق ميشيل روكار الذي ندد بـ’تجاوز للسلطة’ في مقال نشرته صحيفة لوموند حيث انتقد الولايات المتحدة لقيامها بنوع من الاحتلال الاقتصادي يرتكز علي مبدأ امتداد تطبيق معاييرها خارج الحدود الوطنية.

وقال فرهاد علوي وهو محام في واشنطن ان العقوبات الاقتصادية تحولت من رد علي اعتداءات11 سبتمبر2001 الي اداة اكثر شمولية للسياسة الخارجية.

ومن جانبها دعت السلطات الفرنسية التي اغضبتها قضية بي ان بيه باريبا اوروبا الي حشد الطاقات للدفع قدما في استخدام اليورو, وفي هذا السياق اعتبر رئيس مجموعة توتال النفطية الفرنسية كريستوف دو مارجوري مؤخرا ان’ لا شيء يمنع’ دفع فواتير النفط باليورو في حين يهيمن الدولار حاليا علي سوق المواد الأولية.

لكن في الولايات المتحدة لا تبدو وزارة الخزانة أو أوساط الاعمال قلقة من تحول مفاجئ للتوجه علي حساب الورقة الخضراء.

ويري خبراء انه لا يوجد توازن في القوي. فقال جورج أوغو نائب رئيس بورصة نيويورك السابق’ لا يوجد اجماع لاوروبا امام الولايات المتحدة والجدير بالذكر هنا ان اليورو كان مهددا بالزوال قبل بضعة اشهر فقط’.

في رصدها لتداعيات الأزمة الروسية علي الاقتصاد العالمي أشارت مجلة بيزنس ويك في تقرير لها الي تأثير العقوبات الغربية ضد روسيا من زعزعة هيمنة الدولار, وهو الهاجس الذي يلوح في الافق منذ الازمة المالية العالمية.

واعتبر التقرير هونج كونج شاهد عيان علي ذلك, حيث دفعت موجة بيع الدولار البنك المركزي الي شراء أكثر من9.5 مليار خلال شهر يوليو, وذلك من أجل حماية عملتها من مواصلة الصعود, بعدما عززت العقوبات الغربية ضد روسيا التوقعات بتدفق النقدية بالعملة الروسية كما ارتفعت تداولات اليوان الصيني مقابل الروبل الروسي في31 يوليو الي أعلي مستوي منذ عام2010 بحسب بورصة موسكو.

وأضاف انه في حين أنه لم يذكر أحد فقدان الدولار لمكانته كعملة رئيسية للأعمال التجارية في أي وقت قريب, وانحسار هيمنته, فإن حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية قد تقلصت بالفعل الي أقل من61% مقارنة بأكثر من71% في عام2001. والاحتمالات زادت فقط منذ الازمة المالية العالمية في عام2008, وهو الحدث الذي انطلقت شرارته في الولايات المتحدة, وتعهدت أكبر الدول الناشئة, بما فيها روسيا, بزيادة المعاملات التجارية بعملاتها.

شبح الحرب المالية

ويري جوزيف كوينلان, كبير محللي السوق في بنك أوف امريكا كورب ترست, الذي يدير أصول بحوالي380 مليار دولار أن الأزمة أعادت التفكير في العالم المقوم بالدولار الذي نعيش فيه, ويقول الأزمة المتعلقة بالعقوبات بين روسيا والغرب يمكن أن تؤدي الي الاسراع نحو عالم متعدد العملات.

ومثل هذا التحول قد يستغرق25 عاما, مع بقاء الدولار فوق القمة بالرغم من زيادة الدور الذي تلعبه العملات الأخري. والعقوبات الغربية علي روسيا تعزز اتجاه شركاتها واثريائها الي الاحتفاظ بثرواتهم بعملات مختلفة ليس من بينها الدولار الامريكي.

وتاريخ عملة القوة العظمي في العالم مليء بالبطولات. فمنذ استبدل بالذهب العملة الامريكية باعتبارها حجر الأساس في النظام المالي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية, صمد الدولار أمام العديد من الأزمات, خرج سليما من انهيار نظام بريتون وودز في عام1971, وتحمل منافسة اليورو بعدها بثلاثة عقود تقريبا وحافظ علي مكانته باعتباره عملة ملاذ حتي عندما انتشرت أزمة2008 من وول ستريت إلي الاقتصاديات حول العالم.

ولكن برنامج التحفيز النقدي غير المسبوق للاحتياطي الفيدرالي, من أجل علاج تلك الأزمة ضخ السيولة في الاقتصاد من خلال شراء الديون, مما دعا دولا من بينها البرازيل وألمانيا لاتهام الولايات المتحدة بأنها تضعف عملتها الرائدة.

العوامل الجيوسياسية

ويقول محلل معادن في سيتي جروب في نيويورك ان القلق بخصوص الدولار لم يعد يقتصر علي سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي والمعروض من الدولارات, الآن ما يدعو للقلق امتد ليشمل العقوبات المحتملة ونوع آخر من الالتزامات التنظيمية, فالمنازعات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة تجعل الاحتفاظ بأصول دولارية سائلة أمرا محفوفا بالمخاطر.

وعلي الرغم من كل ذلك تظل المخاطر لدي الشركات العالمية, فقد ارتفعت نسبة المدفوعات العالمية المقومة بالدولار الي38.8% في يناير2014, من29.7% في يناير2012 وفقا لبيانات شبكة الاتصالات المالية العالمية أو سويفت. هذا بينما تراجع استخدام اليورو من44% الي33.5% من المعاملات الدولية خلال نفس الفترة.

الدولار العالمي

وقد زادت أيضا حصة الدولار في معاملات الصرف الأجنبي, شراء أو بيع الدولار مقابل عملة أخري, شكل87% من جميع الصفقات التي تمت في شهر إبريل عام2013, حوالي نقطتين مئويتين أكثر مما كانت عليه في2010, وفقا لتقرير بنك التسويات الدولية الذي صدر في سبتمبر2013.

ووفقا لأحد أعضاء لجنة الصرف الاجنبي التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي, فان حصة الدولار بلغت705 مليارات من811 مليار دولار هي متوسط المعاملات اليومية للشركات المالية الامريكية خلال شهر ابريل الماضي. ويقول محلل عملات في سوسيتيه جنرال في نيويورك انه من الصعب الهروب من عالم الدولار الذي يسيطر علي كل شيء, والمعاناة من عواقب سوء ادارة النظام امر حتمي مادام لا يوجد نظام بديل جيد حاليا.

يذكر انه قد ارتفعت العملة الأمريكية مقابل جميع العملات الرئيسية الشهر الماضي وسط أزمة أوكرانيا وإسقاط الطائرة الماليزية وتحذيرات حلف شمال الأطلسي من التوغل الروسي في أوكرانيا تحت ذريعة المهمة الإنسانية. التحدي الصيني:

من جانبها تسعي الصين للدفع بزيادة استخدام عملتها في التجارة الدولية. ومؤخرا وافق بنك الشعب الصيني( البنك المركزي) علي تمديد السماح لسويسرا بمبادلة اليوان بعد اتفاقه مع البنك المركزي الاوروبي العام الماضي. وقد وافقت الصين ايضا علي السماح للشركات بتسوية معاملاتها في لندن وفرانكفورت باليوان لاول مرة. يذكر ان هيئة النقد في هونج كونج قد اشترت الاسبوع الماضي دولارات امريكية من أجل الحد من مكاسب عملتها المربوطة بالدولار, وذلك بعد قيامها بشراء8.4 مليار دولار في شهر يوليو, وهو أعلي مستوي منذ أكتوبر2012.

وفي رأي خبراء ان العقوبات تكشف عن احتمالية استخدام اجراءات اقتصادية- مثل تقييد استخدام العملة- بديلا للعمل العسكري وهذا يمثل خطوة كبيرة في تطور السياسة الخارجية تجاه روسيا والتحدي الحقيقي هو تحويل تلك القوة المالية إلي نفوذ سياسي.