IMLebanon

هل اقتصاد لبنان على حافة الخطر؟

Akhbar

محمد وهبة

لم يكن أمام حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، سوى أن يقول ما قاله أول من أمس؛ الفوائد لن ترتفع رغم التوقعات العالمية بارتفاعها، نموّ الودائع واستمرار التدفقات النقدية متواصلان، الليرة مستقرّة. ضبط السيولة وإدارتها أمران لن يتوقفا، الإمساك بالسوق والإشراف على تسليفات القطاع الخاص. قد تكون هذه النقاط هي العناصر الأكثر تعبيراً عن مؤشرات المخاطر التي تحيط بلبنان، غير أن ترك انطباع تفاؤلي في وعاء يغلي بمخاطر «عظيمة»، يستدعي وجود جهة قادرة على تحديد الخيارات واتخاذ قرار، وهو أمر شبه غائب عن اقتصاد لبنان الخاضع للخارج والريوع. فما هي حقيقة هذه المخاطر؟ وما هو نوع التداعيات المرتقبة؟ وما هي أصناف المعالجات القائمة؟

تدفقات تستولد أزمة

في الواقع، ليس صعباً تشخيص الأزمة لأنها مرتبطة بأزمة بنيوية في النظام الاقتصادي. فهذا النظام ينتج عجزاً كبيراً يعبّر عنه بعجز الميزان الجاري. هذا الميزان يحتسب كل التبادلات التجارية الخارجية، سواء كانت سلعاً وبضائع أو خدمات أو عوائد الفوائد وأنصبة الأرباح وسواها من عائدات عوامل الإنتاج. عجز الميزان الجاري يعني أن حجم التبادلات المنتج محلياً هو ضعيف، ويعني أيضاً أن تمويل العجز الإضافي يتطلب تغطية بتدفقات نقدية خارجية، سواء عبر الاستدانة أو عبر آليات وقنوات أخرى. وبحسب الوزير السابق شربل نحاس، فإن «التدفقات النقدية المشار إليها تنتج وتعزّز تنامي عجز الميزان الجاري لأنها ستموّل شراء حاجات لا تنتج غالبيتها في لبنان». هذا يعني أننا ندور في حلقة مفرغة تفرض علينا أن نزيد التدفقات النقدية التي تسبب زيادة في العجز، وهذا الأخير يتطلب زيادة التدفقات. إذاً النظام الاقتصادي في لبنان يولّد وحده زيادة في هذا العجز، وهي الزيادة التي تعكس حقيقة مفاصل الوضع الاقتصادي من تغليب الريوع على حساب القطاعات الإنتاجية التي تدهورت اليوم بفعل الأزمة الإقليمية والتطوّرات غير المتوقعة في المنطقة، كذلك يعزّز هذا النمط الاستدانة لتمويل الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري للدولة وما لهذا الأمر من تبعات اقتصادية واجتماعية… حول هذا النظام بعلّاته، تدور قصص المصارف وأرباحها والعقارات ومضارباتها وأزمة الإنتاج وإلغاء الزراعة والضغوط على الرواتب والأجور ومنع التقديمات الاجتماعية، فضلاً عن دكاكين السياسة وتأثيراتها».
يعتقد نحاس أن هناك مسلّمات اقتصادية وواقعية تفرض علينا أن نجري مقاربة مختلفة؛ في رأيه أن ارتفاع أسعار الفوائد هو اتجاه عالمي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفوائد المحلية، وبالتالي لا خوف على استمرار التدفقات النقدية التي يحتاج إليها الاقتصاد. أما زيادة العجز في الميزان الأولي، فهي ليست كارثة كبرى، لأن هذا النظام يستولد من التدفقات النقدية عجزاً إضافياً يضخّ في النظام الحياة ويجعله قابلاً للاستمرار أكثر فأكثر. هذا لا يمنع أن العبء سيزداد على النظام بكامله، وستزداد حدّة التداعيات «لكننا أصبحنا أسيري الرهان على استمرار دخول مبالغ إضافية أكبر في كل سنة، أي أن التداعيات التي ستحصل بنتيجة المخاطر ستترجم من خلال زيادة سوء التركيبة الاقتصادية التي نعتقد أن معالجتها يجب أن تكون في مسار مختلف تماماً».

«المركزي» متفائل

الأوضاع صعبة
لكنها لم تصل إلى مرحلة الانهيار الذي يهوّلون به

إذاً، ينزف لبنان يومياً من دون أمل بإغلاق الجرح. يعبّر بعضهم عن النتائج من دون الاعتراف بالأسباب والتشخيص، وبعضهم الآخر يصرّ على أن الخيارات المتاحة ترتبط سلفاً بالأسباب، وليس فقط بالنتائج. سلامة عبّر عن مقاربته أول من أمس: رغم الظروف (…) ما زلنا نتوقع أن يتراوح النموّ الفعلي للاقتصاد اللبناني بين 1.5% و2%. إنّ الأوضاع النقدية في لبنان مستقرّة، ولم نشهد في أسواقنا طلباً على التحويل من الليرة إلى الدولار، فهذا الأمر بالنسبة إلينا بمثابة معيار أساسي يُظهر الثقة بالاقتصاد اللبناني. مصرف لبنان سيبقى منخرطاً في الأسواق لتأمين استقرار سعر الصرف».
ويلفت سلامة إلى أن «الفوائد بقيت أيضاً مستقرّة، ولا نتوقّع ارتفاعاً في الفوائد رغم التوقعات العالمية بارتفاعها»، مضيفاً «سنبقى موجودين في الأسواق لضبط السيولة، ونرى أن هنالك إشارات إيجابية لجهة نموّ الودائع التي سجّلت نحو 6%، أما المصارف فتتجه أكثر فأكثر نحو منح التسليفات التي نمت بنسبة 7%». وأشار إلى أن 50% من نمو التسليفات يعود إلى برامج التحفيز التي أطلقها مصرف لبنان «وكان التحدي بألا تؤدي هذه البرامج إلى تضخّم أو ضغط على الليرة اللبنانية، وهذا ما توصّلنا إليه بفضل إدارة السيولة بشكل صحيح وصائب».
لم يتوقف سلامة عن عرض المؤشرات الإيجابية. في رأيه أن ميزان المدفوعات «إيجابي» ويعزز ثقة مصرف لبنان إلى جانب موجودات البنك المركزي من العملات الأجنبية «الأعلى تاريخيّاً وتتخطّى الـ 38 مليار دولار». ويؤكد سلامة «إننا جديون في مكافحة تبييض الأموال، سواء كان مصدرها غير شرعي أو ناجماً عن تهرّب ضريبي أو عن ممارسات غير قانونية عند التداول بالأوراق المالية».
أما لجهة مديونية الأسر، فيرى سلامة أن حصّة التسليفات تبلغ 50% من مداخيل الأسر «وهي نسبة كافية وليس لدينا أي قلق من القروض الشخصية بما أن تسديدها يجري طبيعياً، لكن ينبغي وضع ضوابط ومعايير حتى لا تصبح عنصراً يشكّل مخاطر على الاستقرار التسليفي».

الحفاظ على التدفقات

حصّة التفاؤل ليست واسعة لدى مستشار رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، مازن سويد. يبدأ من القطاع المصرفي، مشيراً إلى ضرورة الانتباه إلى وتيرة النمو في الودائع كونها مصدر التمويل للقطاعين الخاص والعام والسيولة اللازمة للقطاع وفق مقتضيات بازل 3. لكن سويد، خلافاً لحاكم مصرف لبنان، يعبّر عن «قلق من ارتفاع معدلات الفائدة العالمية وانعكاس هذا الأمر على تراجع التحويلات إلى البلدان النامية، ومنها لبنان. ويأتي هذا الأمر في وقت يزيد فيه العجز المالي ونتبع سياسة مالية تعتمد أكثر على التمويل المصرفي، فيما السياسات النقدية العالمية تتجه إلى التقليل من هذا التمويل». كذلك، يعتقد سويد أن اضطرار لبنان إلى زيادة أسعار الفوائد للإبقاء على هامش بين الفوائد المحلية والعالمية، ضمن سياسة جذب الودائع لأن الفرق بين الفوائد المحلية والخارجية هو المحفّز الأساسي للتحويلات إلى لبنان، يضع لبنان أمام خطر خفض تصنيفه في عام 2015، وهذا الأمر يستدعي من المصارف زيادة رأس مالها».
ومن أبرز المخاطر التي تواجه لبنان، هي تلك القواعد المستحدثة المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال، فهي تستدعي التوصل إلى سياسات نقدية ومالية متلائمة مع التغيّرات الطارئة، «فلم يعد مسموحاً بأن نحقق عجزاً في الميزان الأولي للسنة الثالثة على التوالي». طبعاً انعكاسات انكشاف لبنان أمام هذه السلّة الواسعة من المخاطر، ستترجم عملياً في القطاعات الاقتصادية، إذ لن يعود بالإمكان خلق فسحات مالية للاستثمار في القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية، وبالتالي لن يكون النمو متاحاً بالمستويات المطلوبة، أي سيكون نمواً متدنياً وارتفاعاً في الدين العام وفي وتيرة تسارعه.

أزمة تهدّد الأرباح فقط

لدى الخبير الاقتصادي زياد الحافظ نظرة مختلفة. فهو يعتقد بأن «الأوضاع صعبة، لكنها لم تصل إلى مرحلة الانهيار الذي يهوّلون به». ففي رأي الحافظ، أن الاستقرار النقدي، ووجود ودائع كبيرة يعكسان ثقة بالقطاع المصرفي، ومحفظة المصرف المركزي من العملات الأجنبية تكفي لتمويل الاستيراد لسنتين، استمرار ورش البناء، الإمساك بالقطاع المصرفي… كلها عناصر لا توحي بأن الأزمة واقعة، فباستثناء قطاع السياحة وأرباح الشركات، ليست هناك تداعيات كبيرة ناتجة من الأزمة سوى أن «الزمرة الحاكمة عبر جماعتهم في ما يسمى الهيئات الاقتصادية هي نفسها التي تحكم البلد وترفض إجرء أي إصلاح في النظام الذي تستفيد منه، لكن لديهم مصلحة في تكبير المشكلة والتخفيف من أي مبادرات».
وفي رأي الحافظ، أن الوضع الصعب يتحمله المواطن، فهناك غلاء في كل الأسعار، انعدام للتقديمات الاجتماعية، غياب الكهرباء، المياه، المواصلات العامة… «ليس هناك بوادر للانهيار، فمن يفترض أنهم سيعارضون هم أبناء الطبقة السياسية المتفاهمون على عدم المس بهذا النظام، والاقتصاد ليس سوى مرآة لهذا التفاهم. ليس هناك مخاطر على المالية العالمة، ولدينا واردات تكفي لخدمة الدين العام، لكنها لن تؤدي إلى تسديد الدين ولا أحد يريد أن يزيد الدين للإنفاق الاستثماري وتعزيز التنمية، بل من أجل الريوع والفساد فقط. كلام النخب الحاكمة حول المخاطر المالية والاقتصادية يستند إلى حدث ما يجري تغطيته بالتضخيم والتهويل. طالما ليس هناك إقبال خارجي على استنزاف لبنان، وطالما التغطية السياسية لا تزال قائمة، فلا خوف من أي خطر» يقول الحافظ.