IMLebanon

قضية جورج خزاقة قضية خطف وطن.. وأهله لموقع Imlebanon: فلتُقْدم الدولة على المفاوضات للإفراج عنه وعن العسكريين (تقرير رولان خاطر)

1466108_10152742432191171_4310551369302581338_n

 

…”العدو ليس تقليدياً، والحرب على الارهاب طويلة، ولسنا في موقف ضعف، وخياراتنا عديدة…” هو موقف لو كان صادراً عن البنتاغون، أو وزارة الدفاع البريطانية، أو أي مرجع دولة عظمى في العالم لكان مفهوماً، لكن أن يصدر عن سلطة متناحرة، سياسياً وامنياً..، يزايد أركانها على بعضهم حتى في القضايا الإنسانية، بالتأكيد لن يعطي أملاً لأهل، سمعوا الكثير من هؤلاء المرّائين على عرش السلطة، ولن يمنح طمأنينة لأب يمضي لياليه في البحث عن وسيلة لإنقاذ ابنه، ولأم تحمل أوجاعها الصامتة بين حبات “المسبحة”، وتتمازج دموعها مع كلمات الأبانا والسلام، كما لن تمنح سلاماً لأختٍ تتوالد لديها مع كل ليلة تمرّ بعيدة عن شقيقها المخطوف مشاعر القهر والقنوط والوجع والحزن.

هي حال كل أهالي العسكريين المخطوفين لدى “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الاسلامية”، وبمن فيهم أهل الرقيب الأول في قوى الأمن الداخلي جورج خزاقة، الذين نفذوا تحركاً الأحد 7 أيلول في بلدته جديتا، وقطعوا الطريق الدولية، مناشدين الدولة وكل المسؤولين السياسيين، من كل الجهات، إلى العمل المستمر للإفراج عن ابنهم جورج الذي هو من مسؤولية الدولة، وذلك بعد تلقيهم يوم السبت 6 أيلول اتصالاً من جورج “المخطوف” يخبرهم أنه بخير، وأنه وسائر رفاقه يعاملون معاملة حسنة من قبل عناصر “جبهة النصرة”، طالباً منهم التحرّك ضمن مطلبين أساسيين: خروج “حزب الله” من سوريا، والإسراع في البتّ بملف الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية”.

صوت الأهالي الذين اجتمعوا في ساحة الضيعة، ومنها إلى الطريق الدولية، كان خير تعبير عن رفض الأمر الواقع الحاصل، وهذه الحالة الطارئة والغريبة عن ثقافة المجتمع اللبناني، التي عمد “حزب الله” إلى توريط اللبنانيين فيها.

 

tazahora

 

والد جورج نقولا خزاقة المعروف في الضيعة بـ”الحاج”، وهو إن نظرت إليه في الأيام الطبيعية، لتخيّل إليك أنك أمام “جبل” لا تهزّه مشكلة، ولا تقعده مصيبة، يمضي أيامه بمغامرة البحث الفكري والصلاة، ويعبّر في الوقت نفسه عن امتعاضه من الوضع بسبب العجز وعدم المقدرة عن القيام بحلّ لمأساة ابنه. فلو كان أسيراً في أحد السجون، او لدى أي طرف، لكان الأمر مفهوماً، ومطمئناً أكثر، إلا أن المسألة استثنائية، وهو مخطوف لدى جماعة أيضاً استثنائية في الفكر والممارسة والأهداف والتفكير والاعتبارات، وهي التي باتت “الدولة مكان الدولة”.

منزل “الحاج نقولا” “ينغل” مثل خلية نحل، الأصدقاء والمحبين والأقرباء لا يفارقونه. الهاتف لا يهدأ للاطمئنان عن كل جديد عن جورج. الحاج روى لموقع Imlebanon، بعض التفاصيل التي سبقت تاريخ خطف ابنه، فيقول إن جورج كان المسؤول عن حاجز قوسايا في قوى الأمن الداخلي، إلاّ أنه ولأسباب غير معلومة تمّ سحبه إلى الفوج الذي ينتمي إليه “فوج القوى السيّارة”، وفي الليلة ذاتها، نقل إلى عرسال هو والعديد من رفاقه.

وفي اليوم التالي، أيّ السبت 2 آب، انقطع الاتصال بالمجموعة كلها. وبدأت تتوارد المعلومات عن خطف مجموعة من المسلحين الاسلاميين لجنود من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. وبعد فترة من الوقت، تأكد الخبر، وبث المسلحون فيديو يظهر العسكريين المخطوفين، لكن جورج، وعلى غير باقي العسكريين، وهو تحت إرهاب الخطف، حاول إبعاد الهمّ والخوف عن أهله، فتنكر تحت اسم جورج زغيب، لكن سرعان ما بدأت تصل المعلومات، وبدأ الجميع يعرف أن جورج مخطوف لدى المسلحين الاسلاميين. ويوم الأحد 3 آب كان الاتصال الأول لجورج بأهله، ليكاشفهم بالحقيقة…

ردّت الوالدة، عرفت منه ما يجب معرفته، لكنها لم تخبر الوالد الحاج نقولا خوفاً على صحته. لكنّ الأخير، ومن خلال حركة الاتصالات وتوافد الأصدقاء والأقرباء لبيته، علم أن ابنه جورج أصبح ضيفاً لدى المسلحين. علم أن لبنان الرسالة ولبنان الوطن بات كله مخطوفاً.

حاول الحاج القيام بالعديد من الاتصالات ومراجعة العديد من الفعاليات والشخصيات ربما يتمكن من تأمين الحدّ الأدنى من الحماية لابنه، وللإبقاء على معرفة مصيره ووضعه، أو حتى الإفراج عنه، ولكن من دون نتيجة ايجابية.

 

nkoula-khazzaka

 

انقطع التواصل مع الجندي المخطوف إلى يوم السبت 6 أيلول. عندما اتصل الرقيب الأول جورج خزاقة بأهله، فطمأنهم عن حاله، طالباً منهم التحرّك تحت عناوين محددة، كشرط للإفراج عنهم من قبل “جبهة النصرة”، العنوان الأول، عدم تدخل حزب الله” في احرب السورية، والعنوان الثاني، مطالبة الحكومة الاسراع بمحاكمة الموقوفين الاسلاميين في سجن رومية.

أهل جورج يرفضون الدخول في التحليل السياسي والخلفيات السياسية للقضية، فهي ليست من شأن الأهالي كما يقولون، لكنهم أبدوا أسفاً لأن يدفع الجنود العسكريون ثمن القضايا السياسية الكبرى، وخصوصاً ثمن قضايا كان يمكن أن يبقى اللبنانيون بعيداً عنها، وعدم التورط بها. كما أسفوا لأن لا تتمكن الدولة من تحرير أبنائها العسكريين، وهي لا تحرك ساكناً امام مشاهد ذبحهم.

وأوصلوا رسالة واضحة إلى الخاطفين من “جبهة النصرة”، أكدوا فيها أن لا دخل لهم بأي حزب في لبنان، وخصوصاً “حزب الله”، وهم لطالما كانوا من المنادين بوجوب أن يرأف الحزب بالبلد وبشبابه، ويعلن انسحابه من المعارك السورية التي تجرّ الويلات على لبنان، كما طالبوا بقرار سياسي سريع من قبل الحكومة للإسراع في محاكمة الاسلاميين الموقوفين في سجن رومية، متمنين عودته سالماً.

nkoula-1georges

 

ولا يرى أهل جورج خزاقة مانعاً من أن تُقْدم الدولة على مفاوضات او تنازلات معينة، للحفاظ على أرواح أبنائها العسكريين، فالدول الكبرى، لا تتأخر عن القيام بكل مبادرات وتسويات لحماية عسكرييها، أو أسراها، أو حتى موتاها، فيما قرار الحكومة اللبنانية، حتى في هذه المسألة الانسانية البحتة، يخضع للتجاذبات السياسية، التي من الممكن أن يكون مكلفاً جداً على حياة العسكريين، إذا لم تستعمل الحكومة ادوات الحسم والجزم في هذه المسألة.

فأمام الخطر الذي يتهدد حياة أولادنا تسقط كل الاعتبارات كما يقول رئيس بلدية جديتا العميد المتقاعد وهيب قيقانو، الذي جدد دعوته عبر Imlebanon.org كل السياسيين، إلى أي فئة انتموا، إلى وجوب إبعاد ملف العسكريين المخطوفين عن التجاذبات والمكاسب السياسية، للوصول إلى حل ايجابي لهذا الملف، وإبعاد الفتنة عن الداخل اللبناني، محمّلا السياسيين مسؤولية أي سلبية في هذا الملف.

wahin-kikano

 

أمام هذا الواقع المأساوي، وامام خطورة هذه المسألة، ربما دعوة والد جورج خزاقة الخاطفين إلى رحمة ابنه، والإفراج عنه، خصوصاً ان لا عداء لهم من قبله، ومن قبل المجتمع المسيحي الذي ينتمي إليه، لن تجدي نفعاً، إلا أن المسؤولية الملقاة على عاتق السلطة السياسية اليوم وأسلوب تعاطيها مع هذا الملف، لا يجعلها إلا وبصورة غير مباشرة، شريكة في أي سلبية قد تطال مصير العسكريين المخطوفين. فـ”جبهة النصرة” لا تترك مناسبة إلا لتعبّر عن انها لا تريد إلا تحقيق مطالبها المحدودة في انعكاساتها السلبية على هيبة الدولة، من انعكاس أي أمر آخر قد يضرب ويقضي على كل هيبة للدولة.

 

tazahora-1

 

المشهد القاتم لمصير العسكريين المخطوفين رفع حال الاستنفار الشعبي لدى كل الطوائف ومكونات المجتمع اللبناني، وباتت الأمور تنذر بالعودة إلى مراحل اعتقد اللبنانيون أنها مرّت ولا عودة لها، ما لم يعمد كل القيّمين والمسؤولين عن مقدرات الوطن إلى استرداد الوطن ممن خطفوه فعلاً، وخطفوا قراره السياسي والأمني والعسكري، وخطوا شبابه وكباره ونساءه، وخطفوا قيمه وتراثه وفكره ومعتقداته، وخطفوا تقاليده وثقافته وتطوره، وخطفوا ويخطفون الإنسان وحياة الانسان في لبنان.

فقضية جورج خزاقة وكل العسكريين المخطوفين، هي قضية خطف وطن، والمطلوب اليوم وغدا وبعد وغد، وكل غد آت، العمل والجهد من اجل تحرير هذا الوطن من خاطفيه.

nkoulamom-nicolas