IMLebanon

12 مليون دولار يومياً للتوليد وخسارة محطات كثيرة…”كهرباء سوريا” إلى عصر ما قبل حرب تشرين!

Safir
علاء حلبي

بعد حرب تشرين الأول العام 1973 بين سوريا ومصر من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، تدفقت المساعدات العربية (الخليجية بالتحديد والتي ساهمت بدعم الفصائل المسلحة في سوريا مع بداية الأحداث عام 2011) إلى كل من مصر وسوريا، حيث شكلت هذه الأموال رأسمالا كبيرا، أقيمت عن طريقه نسبة كبيرة من البنى التحتية في سوريا.
ورغم أن الأموال التي تدفقت إلى سوريا لم تدخل في العملية الإنتاجية، وصرفت على القطاعات الخدمية، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في تمهيد الأرضية للعمليات الإنتاجية اللاحقة في البلد.
ويعتبر قطاع الكهرباء الأكثر استفادة من هذه الأموال، حيث وفرت البنية التحتية، التي ساهمت في مراحل لاحقة بتوفير التيار وإيصاله إلى أبعد النقاط على الأرض السورية عبر سلسلة مشاريع، كمحطة التوليد في الطبقة على نهر الفرات، والمحطة الحرارية في حلب التي وفرت الكهرباء لعاصمة سوريا الاقتصادية، التي تغط حاليا في الظلام، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المحطات وفق شبكة متكاملة.
ومع بداية الحرب، بدأ الخناق يضيق على قطاع الكهرباء. وأولى الضغوطات التي تعرضت لها عملية إنتاج وتوليد الكهرباء جاءت عبر استهداف الخطوط الحديدية السورية، وشل حركتها، حيث باتت عمليات نقل الفيول اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء عملية معقدة جداً، ومكلفة في الوقت ذاته.
ويقول مصدر مطلع على ملف الكهرباء “في تلك المرحلة وضعت وزارة الكهرباء بالتعاون مع وزارة النفط مجموعة خطط عاجلة، حيث تم توظيف مجموعة كبيرة من الصهاريج لنقل النفط إلى المحطات، وتم دفع مبالغ طائلة لسائقي الصهاريج لإقناعهم بالعمل ضمن الظروف الأمنية العصيبة”، موضحا “دفعت الوزارة حينها نحو 3 مليارات ليرة سورية (الدولار بحدود 175 ليرة في الوقت الحالي) كتكاليف إضافية لنقل الفيول إلى محطات التوليد”.
وفي حين يشير المصدر إلى أن “استمرار الحرب، ودخولها مراحل عنف جديدة، ألحق الضرر الكبير بقطاع الكهرباء”، يشدد، خلال حديثه إلى “السفير”، على أن “الوزارة خسرت الكثير من محطات تحويل الكهرباء، حيث تعرضت هذه المحطات لعمليات تفجير متتالية، وبعضها تعرض للسرقة، في حين نالت الشبكة الكهربائية نصيب الأسد من الدمار”، كما خرجت المحطة الحرارية شرق حلب، التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” – “داعش” عن الخدمة.
وجاءت سيطرة الفصائل المسلحة على آبار النفط في المنطقة الشرقية من سوريا لتزيد الطين بلة، فلم تعد المشكلة في نقل النفط فقط، بل بتأمينه أيضاً، ليضاف إلى “أعباء توليد التيار عبء تأمين النفط، حيث تستورد الحكومة يوميا 15 إلى 20 ألف طن مكافئ نفطي (غاز ـ فيول ـ مازوت) بقيمة 9 إلى 12 مليون دولار أميركي، أي ما يعادل 1530 إلى 2040 مليون ليرة سورية، ما يبين حجم المبالغ المطلوبة بشكل يومي في حال تم استيراد الوقود”، وفق المصدر.
وإضافة إلى سيطرة الفصائل المسلحة على آبار ومنابع النفط، تتعرض خطوط نقل الغاز إلى محطات التوليد للاستهداف بشكل مستمر، وقد ارتفعت وتيرته خلال الأشهر الأربعة الماضية، ولا سيما في المنطقة الجنوبية (دمشق ـ ريف دمشق ـ درعا ـ السويداء ـ القنيطرة).
وبحسب وزارة الكهرباء فقد “تسببت الاعتداءات الأخيرة بتوقف ثلاث محطات توليد رئيسية في المنطقة الجنوبية عن العمل، على الرغم من جاهزيتها التامة للعمل وإنتاج الطاقة الكهربائية، ما أدى إلى انخفاض كميات الطاقة الكهربائية المولدة بشكل كبير”.
وتفيد إحصاءات وزارة الكهرباء بأن كميات الطاقة المولدة انخفضت إلى ما بين 1500 و1600 ميغاواط، في حين أن الطلب على الطاقة الحالي يبلغ حوالي ستة آلاف ميغاواط، بمعنى أن الطاقة المولدة المتاحة لا تتجاوز نسبتها 25 في المئة من الطلب على الطاقة، الأمر الذي دفع الوزارة إلى “تطبيق برنامج تقنين صارم تجنباً لانهيارها”.
وفي وقت تقدر فيه وزارة الكهرباء الخسائر التي لحقت بقطاع الكهرباء بنحو 200 مليار ليرة سورية، إضافة إلى الخسائر البشرية، حيث استشهد أكثر من 150 عاملاً أثناء قيامهم بعمليات إصلاح الأعطال، أصبح قطاع الكهرباء “دجاجة تبيض ذهباً” بالنسبة إلى كثيرين بدأوا استثمارات صغيرة بتوليد التيار الكهربائي عن طريق مولدات صغيرة منتشرة في الأحياء. كما أصبح استهداف محطات التحويل مصدر دخل لكثير من الفصائل المسلحة التي تعمل على استهداف محطات التحويل، لابتزاز الجهات الحكومية مقابل السماح بإصلاح الأعطال، إضافة إلى جعل هذا القطاع عنصر ضغط على الحكومة لتنفيذ بعض طلبات المسلحين، كما حصل مؤخراً في إدلب حيث تعرض 11 عاملاً في وزارة الكهرباء للخطف في ريف إدلب، أحدهم تعرض للضرب المبرح، للضغط على الحكومة ودفعها لتسليم قياديين قام الجيش بالقبض عليهم.
ولا يمكن في ظل الحرب الطاحنة التي تمر بها سوريا في الوقت الحالي، والتي تعيش عامها الرابع، الحديث عن إجراءات جدية يمكن من خلالها إعادة عملية توليد وتوزيع التيار الكهربائي إلى ما قبل الحرب، إذ يحتاج الأمر إلى خطوات كبيرة ومتلاحقة ذات تكاليف عالية، تدخل ضمن خطط إعادة الإعمار التي يجري الحديث عنها في مرحلة ما بعد الحرب، التي لا يبدو أن نهايتها قريبة، الأمر الذي يبقي سوريا في “عصر الظلام” بانتظار نهاية سيل الدماء الجارف.