IMLebanon

المصارف تتنافس على تمويل الدولة: أرباح الديون السيادية

تتنافس المصارف على تمويل الدولة اللبنانية. بالنسبة إليها، توظيف أموالها في «الدين العام» هو الأكثر ربحية والأكثر سهولة والأقل مخاطرة. على سبيل المثال، تحقق مصارف «ألفا» الـ 14 أكثر من 3.8 مليارات دولار من توظيف أموالها في سندات الخزينة وشهادات الإيداع

محمد وهبة
تتغذّى أرباح المصارف على ديون الدولة وأدواتها النقدية. هي المستفيد الأكبر من هذا الربط اللامتناهي بين استمرار التدفقات النقدية وقدرة الدولة على سداد كلفة عجزها السنوي وثبات سعر صرف عملتها. هكذا، تصبح الاستدانة والسداد هما محور الحياة الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان، ويصبحان أيضاً أهم مصدر لأرباح المصارف.

ففي حزيران 2014، تبيّن أن مصارف «ألفا» الـ 14 (أي المصارف التي تفوق ودائعها ملياري دولار) توظّف 52.2 مليار دولار في سندات دين حكومية من أصل ودائع إجمالية قيمتها 151.3 مليار دولار. أما العائد الصافي من هذا التوظيف، فيقدّر بنحو 5700 مليار ليرة، أي ما يعادل 3.8 مليارات دولار.

«أرباح ديون سيادية»

وفق إحصاءات «بنك داتا» عن مصارف «ألفا» التي تمثّل حصّة الغالبية الكبرى في السوق المصرفية، فإن هذه المصارف الـ 14 تحمل في محفظتها سندات خزينة بالليرة اللبنانية بقيمة 27407 مليارات ليرة (18.18 مليار دولار)، وتحمل سندات خزينة بالدولار (يوروبوندز) بما قيمته 23294 مليار ليرة (15.4 مليار دولار). كذلك تحمل هذه المصارف شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بالليرة اللبنانية قيمتها 23056 مليار ليرة (15.29 مليار دولار)، وشهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بالدولار قيمتها 5269 مليار ليرة (3.4 مليارات دولار).
وقياساً على متوسط فوائد سندات الخزينة بالليرة اللبنانية والبالغ 6.92% في نهاية حزيران 2014، فإن العائد المحقق من توظيفات مصارف «ألفا» في سندات الخزينة بالليرة يصل إلى 1892.5 مليار ليرة. أما الفوائد على سندات اليوروبوندز (سندات دين سيادية بالعملات الأجنبية) فتبلغ 6.58%، وبالتالي فإن عائداتها منها تقدّر بنحو 1532.7 مليار ليرة. كذلك، فإن عائداتها من مجمل شهادات الإيداع التي تصل الفوائد عليها إلى 8.15% تقدّر بنحو 2300 مليار ليرة.

مخاطر أقلّ

يعدّ هذا النوع من التوظيفات الذي يشبه المراباة المشروعة الأكثر إدراراً للأرباح والأكثر سهولة أيضاً والأقل مخاطرة، لأن مخاطر شهادات الإيداع وسندات الخزينة توازي مخاطر لبنان السيادية. وبالتالي، فإن تصنيف المصارف مرتبط مباشرة بتصنيف الدولة اللبنانية وليس مرتبطاً بالسوق، وهو ما يجعل درجة المخاطر أقلّ لأن ما تتعرض له الدولة سينعكس على كل مفاصلها، خلافاً لما هي عليه القروض للقطاع الخاص، حيث تضاف إلى المخاطر السيادية مخاطر السوق ومخاطر الائتمان، فيما هذا النوع من التسليف مكلف أكثر ولا يسهل تقديمه للزبائن إلا بالإغراءات والتنافس على الحصص السوقية. لذلك ترغب المصارف أكثر في الاستمرار بالتوظيفات السيادية، على الرغم من تهديداتها غير المنقطعة بوقف تمويل الدولة، وعلى الرغم من ادعاءاتها المتواصلة بأن قدرتها على الاستمرار في هذا النوع من التمويل محدودة. فلم يعد خافياً على أحد أن الدور الأساسي ووظيفة المصارف المحمية من مصرف لبنان متصلة بأولوية توفير التمويل الكافي للدولة اللبنانية، بما يتطلبه ذلك من إجراءات على جهتي استمرار التدفقات النقدية ومواصلة التوظيف في الديون السيادية. كذلك، لا يناقش أي مصرفي في «إيجابيات» هذه المعادلة التي أمّنت توسيع رؤوس أموال المؤسسات المصرفية مئات الأضعاف خلال العقدين الأخيرين، ووفّرت لمساهمي المصارف أرباحاً طائلة، فيما دفعتها إلى تكثيف دورها من خلال الانتشار في الخارج بحثاً عن المزيد.

ورم أم توسّع؟

أما في عمق العمل المصرفي، فقد أصبحت هذه المؤسسات «متبلّدة الذهن» وعاجزة عن توجيه السوق في اتجاه اجتراح حلول لتوسيع كعكة التسليف المحلية من دون زيادة مخاطرها. واللافت، بحسب أحد المصرفيين، أن المصارف «اكتشفت» فجأة أنها أصبحت في حاجة إلى النمو الاقتصادي كعلاج لمشكلة انخراطها في الدورة القائمة على تمويل الدولة، وقد تبيّن لها أن تسليفاتها في السوق تعادل 57 مليار دولار في نهاية حزيران وهي تكاد توازي 80% من الناتج المحلي الإجمالي، وربما تصل إلى 100% إذا احتسب الناتج بطرق مختلفة غير معلنة. هذا يعني أن العلاج «الوحيد» للخروج من هذه الحلقة مرتبط بالنموّ الذي يفتح المجال أمام تسليفات جديدة في السوق.
لا شكّ أن المصارف لم يكن لديها فرصة لمثل هذا التوسع الرأسمالي والانتشار الدولي وتحقيق كل هذه الأرباح الطائلة لو أنها لم تنخرط في الدورة المذكورة. وبذلك، أصبح هذا التوسّع أشبه بالورم السرطاني الذي يستمر بالانتفاخ ما دام في حالة تغذية، ويصبح علاجه مكلفاً أكثر كلما انتفخ.
لكن، أيّ نوع من النموّ هو المطلوب؟ هل هو نموّ القطاعات الإنتاجية؟ أم القطاعات الريعية؟ الإجابة نفسها تعود على لسان المصرفي: القطاعات الريعية ستوفر أموالاً سهلة وسريعة، فيما القطاعات الإنتاجية صعبة المراس وفيها «وجع راس كتير»!

ديون متعثّرة

هذه الإجابة تقود نحو أمرين: مستويات الديون المشكوك في تحصيلها ومستويات المؤونات التي يجب على المصارف الالتزام بها وكيفية تأثير هذا الأمر على أرباح المصارف. ففي الواقع، تبيّن أن مصارف «ألفا» تحمل في محفظتها ديوناً إجمالية مشكوكاً في تحصيلها بقيمة 3.3 مليارات دولار في نهاية حزيران 2014. أما بالنسبة إلى المؤونات التي أخذتها هذه المصارف في مواجهة الديون المشكوك في تحصيلها، فقد بلغت 522 مليون دولار حتى نهاية حزيران 2014، مقارنة مع 528 مليون دولار في نهاية السنة الماضية، وهذا يعني أن مستويات الديون المتعثّرة بدأت ترتفع وتضغط على الربحية، فيما بات على المصارف أن تعمل أكثر في اتجاه تدوير الأرباح واقتطاع جزء أكبر منها لاتخاذ تدابير احترازية أكبر في مواجهة هذه الأزمة.