IMLebanon

خسائر الاقتصاد السوري 139.77 مليار دولار …والإعمار هو ديون ثم ديون !

Akhbar

فراس أبو مصلح

«لم يعد بالإمكان تمويل العجز بالمدخرات الداخلية، ولا بد من المنح أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو الديون الخارجية من أجل الاستمرار بتمويل عجز الموازنة»، هذا كل ما أراد قوله عبدالله الدردري، كبير الاقتصاديين في الإسكوا، الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس مجلس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية.
الدردري كان يقدّم الخلاصة والهدف من التقرير «التقني» الذي أطلقته الإسكوا يوم أمس، وعنوانه «النزاع في الجمهورية العربية السورية: تداعيات على الاقتصاد الكلي وعقبات في طريق الأهداف الإنمائية للألفية».

في المقابل، طالب رسلان خضور، عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، الدول الأعضاء في الإسكوا برفع الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها على سوريا، مؤكداً أن ذلك من شأنه تحسين المؤشرات الاجتماعية الاقتصادية التي تتخذ الإسكوا من تدهورها ذريعة للإيحاء بأن سوريا أمام أمر واقع يفرض عليها الاستدانة من الخارج وقبول المنح المشروطة. ويرى خضور أن ثمة «مبالغة» في أرقام التقرير التي تشير إلى تضرر حوالى 50% من المساكن جراء الحرب، وسقوط حوالى 90% من السكان دون خط الفقر، مبدياً توجسه من «خريطة الطريق» ذات البعد «السياسي _ الأمني» الواردة في التقرير. يقول خضور إن لدى سوريا مصادر دخل محلية تكفي لإعادة الإعمار، وإنها تعوّل على دول «البريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) وغيرها من الدول غير الأطلسية لتقديم التسهيلات الائتمانية لتمويل العملية، مضيفاً إن على الدول التي شاركت بتسليح «داعش» و»جبهة النصرة» أن تدفع تعويضات، لا منحاً، عن الجرائم التي ارتكبتها التنظيمات التي ترعاها.

استهل الدردري كلامه بالقول إن «السؤال هو ما الذي بقي من سوريا» التي كانت «بالفعل» على مسار يقود إلى تحقيق «أهداف الألفية للتنمية» عام 2015، وإنها كانت قد «تجاوزت التوقعات» لتحقيق هذه الأهداف قبل اندلاع الحرب عام 2010، أو قبل «تضييع» الفرصة على البلاد التي كانت «على وشك بلوغ مرحلة مهمة من التنمية». يقول الدردري إن معدل البطالة في سوريا وصل إلى حوالى 54% مع نهاية عام 2013، بعدما كانت النسبة تلك لا تتجاوز 9% قبل الحرب، مضيفاً إن البلاد كانت لتشهد «حالات جوع واسعة» لولا تكافل المجتمع السوري، وإن تجربة التكافل «إيجابية يجب البناء عليها». «أرقام التقرير تطرح المزيد من الأسئلة»، يقول الدردري قبل تقديمه الإجابة الجاهزة: الحل «إما منح أو ديون، ويكون الواقع مزيجاً من الاثنين»! ورغم طرحه «الخيارات» تلك كحتمية لا مناص منها، يصر الدردري على أن «التخطيط والتنظيم والتشريع والتنفيذ عملية سورية وطنية»، وأن مهمة الإسكوا «تسليط الضوء على التحديات»، واقتراح برامج «يمكن الاستفادة منها».
ورداً على سؤال صحافي، ينفي الدردري الحديث عن ضرورة الاستدانة، ويقول إن الإيرادات الداخلية «تكاد تصل إلى حدها الأقصى»، معيداً طرح الخيارين إياهما: إما تمويل العجز بالاستدانة، أو قبول «المنح»، مبرراً ذلك بالقول إن حجم الدمار الذي لحق بالمساكن يفوق القدرة المحلية على التمويل، وإن «الكارثة أكبر من أن تكفيها إيرادات النفط والإنتاج»، مكرراً لازمة أن «التقرير تقني، وليس سياسياً»! ويحذّر الدردري من أن استمرار «الأزمة» يضيّق نافذة الفرص المتاحة، ويقول في الوقت نفسه إن الأرقام تشير إلى قدرة مالية ومؤسساتية تسمح بإعادة البناء، «لو سُخرت بفعالية»، وإن «سوريا نهضت من كل كبوة على مدى السنوات الماضية».
يشرح هادي بشير، رئيس قسم النمذجة والتنبؤ الاقتصادي في الإسكوا، أن التقرير يقدّر مجموع الخسائر التي تكبّدها الاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب الثلاث بنحو 139.77 مليار دولار، تنقسم إلى 95.97 مليار دولار تكبّدها القطاع الخاص (68.7 %)، و43.8 مليار دولار تكبدها القطاع العام. وبحسب التقرير، انخفض الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي (بالأسعار الثابتة لعام 2010) من 60 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 33 مليار دولار عام 2013، وبلغت خسارة الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي (بأسعار 2010) خلال السنوات الثلاث الماضية نحو 70.67 مليار دولار. وتشير البيانات الواردة في التقرير إلى دخول الاقتصاد السوري في ركود تضخّمي، وارتفاع مستويات تضخّم أسعار المستهلك بشكل ملحوظ خلال الحرب حتى بلغت 89.62%، مسجلة أعلى مستوى لها في الفترة بين عامَي 2012 و2013؛ إذ إن أسعار المواد الغذائية والمشروبات تضخّمت بشكل خاص، فارتفعت بنسبة 107.87% في الفترة نفسها. ويعزو التقرير تسارع التضخم إلى انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأخرى في السوق السوداء، وارتفاع الأسعار نتيجةً لذلك بنسبة 173% بين عامَي 2010 و2013.
وبحسب بشير، انخفض التحصيل الضريبي بنسبة 65%، فيما ارتفع الإنفاق الحكومي الجاري، مقابل تدني الإنفاق الاستثماري كنسبة من الناتج المحلي (بطبيعة الحال!)؛ كما ارتفع الدين المحلي، وكذلك الدين الخارجي، وإن بشكل بسيط، نظراً «إلى صعوبة الوصول إلى التمويل»؛ ويشير بشير إلى أن زيادة التمويل المحلي للعجز حرمت القطاعات الاقتصادية من التمويل، في ما يُعرف بـ crowding out effect.
«ما حققته سوريا خلال عقود من التنمية، أنفقته في ثلاث سنوات»، قال خالد أبو اسماعيل، رئيس قسم السياسات الاقتصادية في الإسكوا، متحدثاً عن ابتعاد المجتمع السوري واقتصاده عن تحقيق «أهداف الألفية للتنمية»، ليؤكد أن «خيارات» سوريا المحاصرة والمستنزفة تنحصر بتلك التي عبّر عنها الدردري!
وبحسب التقرير، كانت سوريا قد حققت تقدماً كبيراً على صعيد «أهداف الألفية»، حيث تم تصنيفها في تقرير عام 2010 في المرتبة الثالثة بين الدول العربية في تحقيق هذه الأهداف، لتتراجع إلى المرتبة ما قبل الأخيرة عربياً، متقدمة الصومال! كانت سوريا قد نجحت في خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن 1.25 دولار في اليوم إلى إجمالي السكان من 7.9% إلى 0.2% في الفترة بين عامَي 1997 و2010، لترتفع جميع مؤشرات الفقر، وخطّه الأعلى وكذلك الأدنى، والفقر المدقع جراء الحرب، نتيجة الحصار الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والارتفاع الكبير بكلفة جميع السلع نتيجةً لانخفاض مستويات الإنتاج المحلي للبضائع والخدمات وندرة بعضها، وكذلك تراجع القوة الشرائية لليرة السورية. وبحسب التقرير، وصل عدد السكان تحت خط الفقر الأعلى نتيجة الحرب إلى 4 ملايين شخص (18% من السكان)، وانخفضت نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي من 98.4% عام 2011 إلى 70%. وعلى المستوى الصحي، تدهورت معدلات تحصين الأطفال ضد الأمراض بواسطة اللقاحات من حوالى 100% في جميع المحافظات قبل الحرب إلى نسبة تتراوح بين 50 و70% بحسب المحافظات، ووصلت إلى الصفر في بعض المناطق، فيما يُقدر أن معدل وفيات الأمهات وصل إلى 62.7 حالة لكل 100 ألف ولادة عام 2013، نتيجة تضرر البنى التحتية الصحية، وتوقف معظم إنتاج الدواء المحلي في ظل الحصار الخارجي، ما أدى إلى «عودة أمراض كان السوريون قد نسوها، وتفاقم أمراض كانت معدلات انتشارها منخفضة».