IMLebanon

كم نحتاج بشير الجميّل! (بقلم طوني أبي نجم)

bachir-el-gemayel

كتب طوني أبي نجم

يستمر الفراغ مسيطراً على موقع رئاسة الجمهورية في لبنان. وتراجع الحلم من رئيس قوي وجمهورية قوية الى مجرّد رئيس لتأمين استمرار الجمهورية!

ومع الذكرى الـ32 لاغتيال الرئيس- الحلم الشيخ بشير الجميّل تعود بنا الذاكرة الى ذاك الزمن الجميل، يوم جسّد ذلك الشاب ابن الـ34 ربيعاً ربيع لبنان الموعود.

بشير الجميّل المقاوم والقائد العسكري الشرس أثبت أنه من طينة نادرة من رجالات الدولة، لا بل من طينة دولة نحلم بها، وليس من قماشة الدولة- المزرعة التي قامت منذ الـ1943 ولا تزال مستمرة!

المعادلة التي أرساها بشير الجميّل تجلّت في السهل- الممتنع: بناء دولة حقيقية وقوية بجيشها ومؤسساتها وعدم القبول ببقاء أي سلاح خارجها. دولة تؤمن الرفاهية الاقتصادية لجميع أبنائها من دون استثناء. دولة بعيدة عن الفساد وتتيح الفرص المتساوية للجميع. دولة الشراكة الحقيقية بين كل المكونات اللبنانية الطائفية ما يحوّل التنوّع مصدر غنى ولا يجعله سبب اختلاف ونزاعات.

والنقطة الأقوى في سجل بشير الجميل المقاوماتية- العسكرية والرئاسية- السياسية تكمن في أنه أحاط نفسه بأصحاب الكفاءات على مختلف المستويات، وليس بشعراء بلاط كل همّهم الحفاظ على كراسيهم، فأمّن بذلك فريق عمل أثبت جديته في مرحلة المقاومة ومرحلة التحضير للرئاسة وكان مهيئا لتقديم أفضل النماذج في إدارة البلاد.

ويمكن القول إن بشير الجميّل جمع كاريزما الرئيس كميل شمعون وحنكته وحزم الرئيس فؤاد شهاب وتواضع الرئيسين شارل حلو والياس سركيس والتماس مع الجمهورية الذي كان يميّز والده الشيخ بيار الجميّل.

وليس أبلغ للدلالة على ما تقدّم أن بشير الجميّل جذب نائبين من أصل 3 نواب من زغرتا لانتخابه رغم الجرح الذي كان لا يزال ينزف يومها، وهما الرئيس الراحل رنيه معوّض والأب سمعان الدويهي اللذين آمنا بأن خلاص لبنان سيتحقق مع هذا القائد الشاب.

هذا لا يعني أن طريق بشير الى الرئاسة كانت مفروشة بالورود والرياحين على الإطلاق، لا بل إن قائد “القوات اللبنانية” عرف كيف يجري حساباته، ففي الداخل المسيحي وضع مسدسه الشهير على الطاولة مهدّداً كل من يفكر بالترشح ضدّه، وعلى صعيد الشراكة الوطنية تمكّن بتحالفه مع الرئيس كامل الأسعد أن يؤمّن غطاء إسلامياً، ولو شيعياً كاملاً، واستكمله بعيد انتخابه بانفتاحه التاريخي على الرئيس صائب سلام ليؤمّن التوازن الوطني كما استقبل مشايخ الموحدين الدروز يومها مع الخط الأرسلاني أتوا يومها الى بكفيا مهنئين.

وبالتالي حافظ بشير الجميّل على التقاليد اللبنانية التي كانت قائمة، سواء بتأمين نصاب الثلثين في مجلس ما قبل “الطائف” حيث كان يضم المجلس 54 نائبا مسيحيا و45 نائباً مسلما ما كان يحتّم وجود نصاب الثلثين لتأمين الشراكة الوطنية في انتخاب الرئيس، كما حافظ على النسيج الوطني اللبناني من خلال نسجه العلاقات المطلوبة، لكنه كان حازماً في منع المعرقلين من العرقلة، مع أنه لم يؤمّن ولو للحظة إجماعاً وطنياً حوله!

وكم نبدو اليوم في حاجة الى هذا الحزم في وجه معرقلي انتخابات رئاسة الجمهورية. كم نحن في حاجة الى رئيس يضرب يده على الطاولة ليصرخ كفى! وكم نحن بحاجة الى قليل من الديكتاتورية الشفافة لإعادة الديمقراطية الفعلية الى مسارها الصحيح…