IMLebanon

توسعة قناة السويس قد تجلب الثروة.. لكن هل ستصل لجميع المصريين؟

SUEZCANAL3
عمرو قطب

كانت سياسة الانفتاح التي قررها الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات مشروعا عملاقا الهدف منه إصلاح جميع المشاكل التي كان يعاني منها اقتصاد بلاده العليل وقتها.
وكانت الفكرة منطقية على الورق حيث أنها كانت تغري المستثمر الأجنبي ليكون منطلق الرفاه الاقتصادي. لكن سياسة الانفتاح تلك، كرّست في الواقع الفوارق الاجتماعية وأنتجت فورة في قطاع البناءات والفنادق والسياحة والصناعات، مركزة الثروة بأيدي قلة قليلة.
وعام 1977، أي بعد ثلاث سنوات من انطلاق تلك السياسة وتدشين تلك المشاريع العملاقة، كان تسعة من كل 10 مصريين يعيشون تحت خط الفقر فيما نصف رجال مصر لا يشغلون وظائف قارة. وانتهى قرار السادات بالتعامل مع الوضع بقرض من البنك الدولي مقابل خفض الدعم على المواد الأساسية بما يعرف بانتفاضة الخبز عام 1977.
والآن تقريبا بعد 40 عاما، ها هو مشروع عملاق جديد بتكلفة 8.4 مليار دولار لتوسيع قناة السويس يلفت الأنظار “لتغيير المشهد الاقتصادي في مصر” وفقا للعبارات التي استخدمها البنك الدولي نفسه، من خلال دفع القطاع الخاص وتوفير ما لا يقل عن مليون وظيفة. ومن المرجح أن يخلق المشروع ثروة، لكن هل سينال الجميع نصيبا منها؟ تاريخ مصر الحديث مع مثل هذه المشاريع يلقي بظلال من الشك. فالرئيس الأسبق حسني مبارك أطلق بدوره عدة مشاريع نيو-ليبرالية تم تقديمها بدورها على أنها البلسم لمشاكل الاقتصاد، استفادت منها في النهاية نخبة مختارة.
وكان تأثير مشاريع مثل القاهرة 2050 وتوشكا، والتي تكلفت مليارات الدولارات، في معالجة الفوارق الاجتماعية ضئيلا حتى انتهت إلى فشل. بل إن المشروعين “هجّرا” نحو 20 بالمائة من سكان البلاد-الكثير منهم كانوا يعيشون في مناطق غير مرخصة من قبل الحكومة حول النيل- إلى مدن وقرى نائية في الصحراء.
واعتمد مشروع توشكا على استثمارات القطاع الخاص في الوقت الذي كان الهدف من مشروع القاهرة 2050 تغيير مناطق محيطة بالنيل إلى منتجعات سياحية ومراكز وحدائق تجارية وشوارع ضخمة ومجمعات سكنية.
وقبل هذين المشروعين، كان هناك مشروع دريملاند الأصغر والذي تشكل من مجمع سكني على امتداد 17 كلم غرب القاهرة وتم تصميمه للفئات العليا من المجتمع التي ترغب في النأي بنفسها عن ضجيج المدينة.
وفي أحد أعماله، قال تيموثي ميتشيل إنّ دريملاند كان “فللا من الألياف البصرية الفخمة وفضاءات التسوق وحدائق وملاعب غولف وبولو” يشغلها موظفون لا يكسبون شهريا ما يجعلهم قادرين على استخدام فضاءات الترفيه تلكز
كما أشار ميتشيل إلى الفوارق الاجتماعية التي كرستها مشاريع مبارك، شارحا أنه في الفترة بين 1990 و1995 تراجع معدل رواتب القطاع الصناعي 8 بالمائة وأنه بحلول 1999 عادت برامج المساعدات الاجتماعية بما فيها توزيع الوجبات كما أن أي مدرس كان يحصّل أقل من دولارين في اليوم.
واليوم تستمر مصر في معاناتها مع عدة ملفات اقتصادية واجتماعية. والكثير من تلك المشاكل مثل ارتفاع معدلات البطالة ومشاكل مياه الصرف والمياه الصالحة للشرب ومياه الري كانت هي تقريبا نفس المشاكل التي تواجهها البلاد عام 1970 عندما استلم السادات السلطة.
كما أن مشاكل أخرى مثل التعليم العمومي والنقص في الكهرباء وحالات التهاب الكبد سي والبنية الصحية الضعيفة، لم تزدد إلا سوءا.وقبل أيام، أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي أنّ أسوأ نظام تعليمي في العالم يحتاج إلى ما لا يقل عن 30 ألف “مدرس كفء” لكنه أضاف أنّ تعيينهم غير ممكن لانعدام الموارد المالية التي تتكلف ما لا يقل عن 2.5 مليار دولار.
لكن ألم يكن ممكنا للحكومة أن تقلّص بعض الشيء من حجم مشاريعها العملاقة وأن تخصص بضعا من مواردها لدعم البرامج الاجتماعية مثل الذي أشار إليه السيسي؟ فعملية توسعة أقل لقناة السويس وإيلاء إشارة الرئيس السيسي “المكلفة” والمتعلقة بإصلاح نظام التعليم كان سيخفض من نسب الأمية وأن يدعم أداء سوق العمل كما سيكون له آثار إيجابية على الصحة العامة للسكان .
كما كان ذلك سيعزز الميثاق الاجتماعي بإظهار أن الحكومة بصدد اتخاذ إجراءات ستحسّن مباشرة نوعية حياة الكثيرين وليس أقلية فقط. وفي الوقت الذي تومض الأضواء في مصر خافتة، يبدو أنّ البلاد تحتاج إلى أكثر من إضافة مشروع عملاق آخر لعلاج أمراضها الاقتصادية.