IMLebanon

السياسة الأوروبية في اتفاقات التجارة الحرة مع الدول العربية

Europe-Trade
صباح نعوش

أهمية التجارة العربية الأوروبية
الاتحاد الأوروبي أهم شريك تجاري للدول العربية. فقد وصل حجم التجارة الخارجية (الصادرات والواردات) إلى 393.6 مليار دولار عام 2012. إنه يستحوذ على 13.5% من صادراتها وعلى 26.5% من وارداتها. التجارة العربية الأوروبية تعادل تقريباً ضعف التجارة العربية البينية.
وبالمقابل لا تحتل الدول العربية مكانة مماثلة في التجارة الخارجية الأوروبية. فالصادرات الأوروبية إلى الأقطار العربية تعادل 3.7% من الصادرات الأوروبية الكلية. كما لا تعادل الواردات الأوروبية من الدول العربية سوى 3.1% من الواردات الأوروبية الكلية. وتهبط هذه النسبة وتلك إلى أقل من ذلك بكثير عند استثناء السعودية والإمارات من الصادرات وليبيا والجزائر من الواردات. ينبني على هذه المعادلة أن حاجة الدول العربية إلى أوروبا أكبر من حاجة أوروبا إلى العالم العربي, الأمر الذي ينعكس على الاتفاقات التجارية.
تتسم التجارة العربية مع أوروبا بالعجز المزمن الذي يتجه نحو الارتفاع سنوياً. فقد انتقل هذا العجز من 18.3 مليار دولار عام 2002 إلى 38.8 مليار دولار عام 2012. علماً بأن الميزان التجاري للجزائر وليبيا والعراق يحقق فائضاً في تعامله مع أوروبا.
وأما مكونات هذه التجارة فتعتمد في صادراتها على عدد قليل من السلع والمواد خاصة النفط والغاز الطبيعي والملابس وبعض المنتجات الصناعية والزراعية. في حين تتكون الواردات العربية من أوروبا من عدد كبير جداً من المواد الإنتاجية والاستهلاكية ناهيك عن المعدات العسكرية. وتصدر ليبيا والجزائر والسعودية والعراق النفط والغاز الطبيعي. وتخضع هاتان المادتان لعقود خاصة ولا علاقة لهما بالرسوم الجمركية. وتصح هذه الملاحظة على تجارة الأسلحة. في حين تعتمد تونس والمغرب على الصادرات الصناعية وهي في الواقع متأتية من استثمارات أوروبية قدمت لها تسهيلات واسعة في ميادين عديدة كالإعفاءات الضريبية. كما يحتل المغرب المرتبة العربية الأولى والعالمية الثانية بعد إسبانيا من حيث صادراته الزراعية إلى أوروبا.
وبالنظر للعجز التجاري بات من اللازم على الدول العربية بذل الجهود لتحسين مبادلاتها عن طريق اتفاقات التجارة الحرة التي يمكنها تسهيل نفاذ السلع العربية إلى السوق الأوروبية. لكن الاتحاد الأوروبي وهو أكبر قوة تجارية في العالم يفاوض دولاً عربية متفرقة سياسياً وضعيفة اقتصاديا. لذلك يفرض شروطاً ليست فقط تجارية بل كذلك سياسية وحتى اجتماعية. فانقسمت البلدان العربية بين موافق لهذه الشروط ومعارض لها. وهذه الشروط منظمة تنظيماً محكماً وتخضع لرقابة دورية وفق “سياسة الجوار الأوروبية” التي مرت بمسيرة برشلونة.
تعديل الأورومتوسطية
أصبحت اتفاقات التجارة الحرة جزءاُ من ثلاثة محاور حددتها مسيرة برشلونة لعام 1995 والتي تسمى أيضاً الأورومتوسطية أو الشراكة الأوروبية المتوسطية أو الأوروميد. وتضم الاتحاد الأوروبي من جهة والدول العربية المحاذية للبحر الأبيض المتوسط إضافة إلى الأردن وتركيا وإسرائيل من جهة أخرى.
فالمحور السياسي يتضمن الاستقرار الأمني ومكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان. والمحور الاقتصادي يتناول عقد اتفاق التجارة الحرة ومنح مساعدات مالية لدعم الإصلاحات. والمحور الاجتماعي يهتم بالتفاهم بين الثقافات والأديان وتنظيم البرامج السمعية والبصرية.
ألغت الأورومتوسطية جميع اتفاقات الشراكة السابقة وحلت محلها اتفاقات جديدة تستند إلى هذه المحاور. فعلى سبيل المثال ألغي اتفاق الشراكة الأردني الأوروبي لعام 1977 وحل محله اتفاق عام 2002. وهكذا أبرم اتفاق مع تونس عام 1998 ومع المغرب عام 2000 ومع مصر عام 2001 ومع الجزائر ولبنان كل على حدة عام 2002.
لكن المبادلات التجارية لهذه الدول لم تتحسن لأن تحرير التجارة الخارجية من القيود الكمية والرسوم الجمركية لا يتم بمجرد التوقيع على الاتفاق بل يخضع لفترة زمنية تستغرق عدة سنوات. كما توسع الاتحاد الأوروبي عام 2004 فأصبح يضم حالياً 28 دولة. وبات الهاجس الأمني المحرك الأساسي لعلاقاته الخارجية بما فيها المبادلات التجارية. عندئذ ظهرت الحاجة إلى تعديل مسيرة برشلونة فبرزت سياسة الجوار المعمول بها في الوقت الحاضر. وأعيد النظر مرة أخرى في الاتفاقات المذكورة لتنسجم مع هذا التطور.
سياسة الجوار الأوروبية شاملة
في الأصل صممت هذه السياسة لدول أوروبا الشرقية. واستجابة لاقتراح فرنسي أضيفت إليها بلدان حوض البحر المتوسط. فأصبح عدد الدول المجاورة لأوروبا 16 منها تسعة بلدان عربية. كان العامل الجغرافي يجمع دول الأورومتوسطية رغم اختلافها من النواحي السياسية والاقتصادية. أما سياسة الجوار الأوروبية فهي ليست بالضرورة جغرافية رغم تسميتها. إنها تضم الدول الأعضاء في مسيرة برشلونة باستثناء تركيا. وتضم كذلك أوكرانيا ومولدوفا وروسيا البيضاء وأذربيجان وجورجيا وأرمينيا، علماً بأن الدول الثلاث الأخيرة لا ترتبط مع أوروبا بأية حدود برية أو بحرية. وأما روسيا الاتحادية -جارة أوربا من الناحية الجغرافية- فهي غير مشمولة بسياسة الجوار بل تخضع لاعتبارات خاصة نظراً للأهمية التجارية القصوى لهذا البلد. في حين أن هذه السياسة تشمل الأردن وهي ليست جارة ولا تقع على البحر المتوسط.
ترى هذه السياسة أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للدول المحيطة بالاتحاد الأوروبي تنعكس بصورة سلبية على أوروبا. فالفقر وهو أحد السمات الأساسية لهذه الدول يقود إلى هجرة العاطلين عن العمل بشكل غير قانوني وما يترتب عليها من مشاكل أمنية وكلفة مالية لدول الاتحاد الأوروبي. كما أن للتوترات السياسية والإرهاب وعدم احترام حقوق الإنسان وانعدام الديمقراطية في دول الجوار تداعيات خطيرة على الاتحاد الأوروبي. من هذا الباب أصبح من مصلحة أوروبا المساهمة في التنمية الاقتصادية لجيرانها بطرق عديدة في مقدمتها زيادة التبادل التجاري أي إقامة مناطق تجارة حرة.
ويعتقد الأوروبيون أن هذه التنمية لا تتحقق إلا بإصلاحات واسعة النطاق في جميع الميادين. وبالتالي لا تفتح أبواب السوق الأوروبية أمام السلع العربية إلا بعد تنفيذ هذه الإصلاحات. وكلما كان التنفيذ كبيراً وسريعاً اتسعت الفتحة إلى حين الوصول إلى المنطقة الحرة.
لكن برامج هذه الإصلاحات لا توضع من قبل الدول العربية المطلة على المتوسط بل تنطلق من وثيقة تسمى “التقرير القطري” تعدها المفوضية الأوروبية وتتناول الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لكل بلد مجاور على حدة. ويحتوي التقرير كذلك على اقتراحات المفوضية من أجل معالجة المشاكل وتنمية العلاقات. ثم يعرض أمام مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي للموافقة عليه. وبعد الموافقة تبدأ المفاوضات الثنائية مع البلد الجار لوضع “خطة عمل” تعتمد بالدرجة الأولى على هذا التقرير مدتها خمس سنوات فيما يخص الدول العربية.
وعند الرجوع إلى خطة العمل التونسية للفترة بين 2013 و2017 نلاحظ إنها تتناول مختلف المجالات. فمن الناحية السياسية تلتزم الدولة باحترام حقوق الإنسان واستقلال القضاء. ومن الناحية الاقتصادية لا بد من إصلاح نظام تعضيد المواد الغذائية وتحرير رؤوس الأموال من شتى أشكال القيود. ومن الناحية الاجتماعية تتعهد الدولة باحترام الحقوق الاجتماعية للعمال والمساواة بين الرجل والمرأة. هذه ستة التزامات من مجموع أكثر من 300 موزعة على 99 فقرة تحتويها هذه الخطة.
يتبين أن خطط العمل شاملة لجميع المجالات. وانسجاماً مع هذا المفهوم ظهر جيل جديد من اتفاقات التجارة الحرة يصفها الأوروبيون بالشاملة والمعمقة. فهي لا تقتصر على إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية بل تشمل أيضاً تحرير تجارة الخدمات وحماية حقوق الملكية الفكرية وتشجيع الاستثمارات واحترام المعايير الصحية والبيئية. فأصبحت الشروط أكثر صرامة.
وتخضع خطط العمل لرقابة أجهزة أوروبية متخصصة والتي تضع تقريراً سنوياً عن تنفيذها. فعلى سبيل المثال يظهر التقرير الخاص بالأردن بأن البلد حقق تقدماً في الميدان القضائي بإنشاء المحكمة الدستورية وفي الميدان السياسي بتشريع قانون جديد للأحزاب. لكنه لم يحرز نمواً كفيلاً بتوفير فرص عمل جديدة مما أدى إلى زيادة البطالة. كما لا توجد جهود مالية كافية لمواجهة العجز المزمن في الميزانية العامة.
وكما هو الحال في الأورومتوسطية يمنح الاتحاد الأوروبي لدعم الإصلاحات مساعدات مالية عن طريق “الأداة الأوروبية للجوار” وكذلك القروض عن طريق بنك الاستثمار الأوروبي.
وفيما يلي بعض الأمثلة على المبالغ المقدمة عام 2012. فقد حصل المغرب على 75 مليون يورو لإصلاح إدارة المالية العامة و37 مليون يورو لتنمية الغابات. وقدم الاتحاد الأوروبي لمصر خمسين مليون يورو للتكوين التقني وسبعين مليون يورو لتعضيد سياسة تشغيل الشباب. وحصل الأردن على ثلاثين مليون يورو لإصلاح النظام القضائي وعشرين مليون يورو لتعليم الأطفال السوريين المهجرين إلى الأردن (أرقام منشورة في التقرير السنوي لعام 2013 الصادر عن المفوضية الأوربية).
يتضح مما تقدم أن ثمن المنطقة الحرة هو تنفيذ الإصلاحات بمساعدات مالية. لكن هنالك دولا عربية رفضت دفع هذا الثمن.
رفض دول الخليج لاتفاق التجارة
لعقد اتفاق تجارة حرة اشترط الأوروبيون على دول مجلس التعاون الخليجي أن يجمعهم اتحاد جمركي. وما إن تحقق ذلك عام 2003 بتطبيق التعريفة الموحدة حتى اشترطوا انخراط جميع دول المجلس بمنظمة التجارة العالمية. وما إن تم ذلك عام 2005 بانضمام السعودية حتى وضع مجلس الوزراء الأوروبي شروطاً جديدة تتعلق باحترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية. وهكذا حاول الاتحاد الأوروبي نقل سياسة الجوار إلى الخليج دون أن تكون لهذه المنطقة أية صلة بهذه السياسة وبمسيرة برشلونة.
اقتنع الخليجيون بأن اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي يقابله تدخل أوروبي في الشأن الداخلي الخليجي. عندئذ قررت القمة الخليجية لعام 2008 ما يلي “وعبر المجلس (أي المجلس الأعلى) عن أسفه لعدم تجاوب الاتحاد الأوروبي مع المقترحات التي قدمتها دول المجلس لإنهاء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين، مما أدى إلى تعليق دول المجلس لهذه المفاوضات”.
من المعلوم أن السوق الخليجية متحررة أساساً من القيود خاصة بعد انضمام جميع دول المجلس إلى منظمة التجارة العالمية. وعلى هذا الأساس فإن اتفاقات التجارة الحرة لا تقدم ميزة جديدة للاتحاد الأوروبي. وبالتالي فهي غير مجدية له. كما يرى البرلمان الأوروبي أن تحرير البتروكيمياويات من الرسوم والقيود الأوروبية سيقود إلى تردي الصناعات الأوروبية المماثلة فترتفع البطالة. وطلب من المفوضية الأوروبية إيجاد الصيغة الكفيلة بمنع أية منافسة بين الصادرات الخليجية والصناعات الأوروبية (بيان البرلمان الأوروبي بتاريخ 19 يوليو/تموز 2000). وهذا يعني عدم رغبة الأوروبيين بإقامة منطقة تجارة حرة مع دول الخليج. أي إنهم تعمدوا إطالة المفاوضات التي دامت 19 سنة (في حين أن تنظيم التجارة العالمية في جولة أورغواي استغرق ثماني سنوات) ثم تعمدوا فشلها بوضع شروط ترفضها دول المجلس.
لكن هذه النتيجة لا تضر بالمصالح الخليجية. إذ إن تحرير الواردات الخليجية من الرسوم الجمركية يقود حتماً إلى خسائر مالية لا يستهان بها. أما الصناعات التحويلية الخليجية من الألمنيوم والبتروكيمياويات فإن ارتفاع صادراتها غير حتمي حتى وإن أعفيت فوراً وكلياً من الرسوم الجمركية الأوروبية. لأن هذا الارتفاع يتوقف على عوامل عديدة.
تقدير السياسة الأوروبية
الملاحظة الأولى: نتائج سلبية. على الرغم من مرور عقد على سياسة الجوار الأوروبية التي ترتكز على المبادلات التجارية الحرة مقابل الديمقراطية لا يجد المرء أي تقدم في هذا الميدان أو ذاك في الدول العربية. بل بالعكس تماماً فقد ازدادت الصراعات السياسية بصورة لم يسبق لها مثيل وباتت تتخذ شكلاً مسلحا. كما ارتفعت موجات الهجرة والتهجير واستفحل الإرهاب وتردى الوضع الأمني.
أما على المستوى الاقتصادي فلم تقد الأورومتوسطية وسياسة الجوار الأوروبية إلى تحسن المركز التجاري والحالة المالية للأقطار العربية.
وخلال الفترة بين 2008 و2012 ارتفع العجز التجاري في تونس من 4014 مليون دولار إلى 6105 مليون دولار. وفي الأردن من 7172 مليون دولار إلى 10559 مليون دولار. وفي المغرب من 18979 مليون دولار إلى 20060 مليون دولار (أرقام التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2013).
كما ازداد العجز المالي خلال هذه الفترة في جميع البلدان العربية غير النفطية المحاذية للبحر المتوسط. بل إن المغرب الذي حقق فائضاً مالياً بمبلغ 139 مليون دولار عام 2008 سجل عجزاً هائلاً قدره 14836 مليون دولار عام 2012 أي ما يعادل 15% من الناتج المحلي الإجمالي وهو من أعلى المعدلات على الصعيد العالمي. كما تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتفاقمت الديون الخارجية في غالبية الدول العربية وازداد الفقر فيها.
الملاحظة الثانية: الكيل حسب المصالح. إن المصالح الاقتصادية هي التي تقود السياسة التجارية الأوروبية وليس الدفاع عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ويبدو ذلك واضحاً في أمرين على الأقل:
الأمر الأول: الحقوق الاجتماعية للعمال. في نطاق منظمة التجارة العالمية حاول الاتحاد الأوروبي إقحام المعايير الاجتماعية للعمل في الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف. وتشمل تحسين المستوى الاقتصادي والتعليمي للعمال والضمان الصحي وتحريم تشغيل الأطفال وغيرها. في ظاهر الأمر يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الدفاع عن حقوق العمال في العالم باعتبارها من حقوق الإنسان. والمواطنون الأوروبيون مقتنعون بذلك تحت تأثير أجهزتهم الإعلامية. والواقع يراد بهذه الحقوق الحد من هجرة العمال من البلدان النامية إلى أوروبا. ويراد بها في الوقت نفسه رفع كلفة السلع المنتجة في البلدان النامية حتى تهبط قدرتها التنافسية مقابل السلع الأوروبية المماثلة. لذلك رفضت هذه البلدان -بما فيها الدول العربية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية- التطرق إلى هذه القضية معتبرة أن الإطار المناسب لمناقشتها هو منظمة العمل الدولية. وعندما أخفق الاتحاد الأوروبي في إدراج تلك الحقوق في اتفاقات منظمة التجارة العالمية قام بفرضها في اتفاقات التجارة الحرة على الدول المجاورة له.
الأمر الثاني: تعامل تجاري مختلف مع حالات متشابهة. أوقف الاتحاد الأوروبي مفاوضاته حول التجارة الحرة مع سوريا بسبب الصراعات السياسية العنيفة بل فرض كذلك عقوبات اقتصادية على دمشق. وتجدر الإشارة إلى أن الواردات الأوروبية من سوريا تتكون بالدرجة الأولى من الملابس الجاهزة وبعض المنتجات الزراعية وهي مواد منافسة للمنتجات الأوروبية. ولكن لم يتبع الاتحاد الأوروبي هذه السياسة في تعامله مع العراق رغم تفشي الرشاوى والفساد الإداري والمالي والصراعات السياسية العنيفة وعدم احترام حقوق الإنسان. بل عقد في مايو/أيار 2012 مع بغداد اتفاق الشراكة والتعاون الذي ينص على ضرورة تمتين العلاقات التجارية بين الطرفين.
إن مصلحة أوروبا تقتضي عقد اتفاقات مع العراق الذي يمثل نفطه 3.4% من الواردات النفطية الأوروبية لعام 2013. وهذه النسبة مرشحة للارتفاع في المستقبل القريب خاصة إذا استمر تردي العلاقات الاقتصادية بين الأوروبيين والروس بسبب أوكرانيا. أضف إلى ذلك عدم وجود أية صادرات عراقية منافسة للمنتجات الأوروبية.
الملاحظة الثالثة: تقلب المواقف الأوروبية. قد تتخذ المؤسسات الأوروبية قرارات مناقضة لاتفاقات التجارة الحرة الأمر الذي يقود إلى إحداث أضرار جسيمة بمصالح البلدان المتعاقدة معها. وهذا ما حدث للمغرب في الآونة الأخيرة. فقد عقد الطرفان الأوروبي والمغربي عام 2010 اتفاق تحرير المنتجات الزراعية والصيد البحري الذي دخل حيز التنفيذ عام 2102 والذي ينص على تخفيض الرسوم الجمركية على هذه المنتجات. وفي أبريل/نيسان المنصرم قامت تلك المؤسسات تحت ضغوط إسبانيا بتعديل “السياسة الزراعية الجماعية”. وبموجبه أصبحت الواردات الزراعية الأوروبية خاضعة لنظام جمركي يقود إلى رفع الرسوم على هذه الواردات. وسيدخل هذا الإجراء حيز التطبيق في أكتوبر/تشرين الأول القادم.
عبر المغرب عن استيائه من هذا التعديل واعتبره موجهاً ضده بالدرجة الأولى. سيؤثر هذا التعديل بشكل سلبي على صادرات الطماطم المغربية إلى أوروبا والتي بلغ حجمها 365 ألف طن عام 2013. وسيقود هذا الإجراء إلى رفع أسعار المنتجات الزراعية المغربية في السوق الأوروبية وبالتالي إلى تدني قدرتها التنافسية وتقليص حجم صادراتها. هنالك تقارير تشير إلى أن صادرات الطماطم المغربية إلى أوروبا ستنخفض بنسبة 70% وستتضرر كذلك صادرات الحمضيات والمنتجات الزراعية الأخرى. وقد تصل الخسائر المغربية إلى حوالي 600 مليون يورو في السنة أي ما يعادل نصف حجم الصادرات الزراعية الكلية. وتتوقع الجمعيات الزراعية المغربية أن البلد سيفقد حوالي 150 ألف فرصة عمل بسبب هذا التعديل. وهذا لا يتناسب مع الأهداف المعلنة في السياسة الأوروبية التي يفترض أن تزيد من فرص العمل في دول الجوار تجنباً للهجرة غير القانونية.
إن موافقة البلدان العربية المجاورة لأوروبا على اتفاقات التجارة الحرة المصممة وفق المفهوم الأوروبي ناجمة عن الضعف الشديد لهذه البلدان مقابل أكبر قوة تجارية في العالم من جهة، وحاجتها لهذه القوة من جهة أخرى. وللتخفيف من هذا الضعف لا بد من الاهتمام بالصناعات التحويلية المختلفة الأمر الذي يقلل من التبعية التجارية العربية. كما يجب أن تتطور منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إلى اتحاد جمركي الذي يعني وحدة المفاوض التجاري العربي كما هو حال دول مجلس التعاون.