IMLebanon

المصارف اللبنانية: الصورة الوردية لـ«السيولة الوافرة»

Akhbar
فراس أبو مصلح
حافظت المصارف اللبنانية على «وضع مالي سليم» في مختلف الأسواق التي توجد فيها، «واستمرت في النمو بمستويات أدنى نسبياً من السابق، لكن مقبولة»؛ شكّل ذلك بحسب تقرير صادر عن بنك عوده، «دليلاًً إضافياً على الأسس الصلبة والممارسات السليمة لهذه المصارف»! مع الأخذ بالاعتبار التدهور الأمني والاقتصادي الحاصل في السنوات الأخيرة في العديد من البلدان، حيث تعمل هذه المصارف.

يقول التقرير إن تحليل المخاطر المتنوعة التي تواجهها المصارف اللبنانية يشكل «دليلاًً حسياً على أن المصارف تلك في وضع مؤاتٍ لمواجهة الظروف الناشئة غير المتوقعة». لا يشارك العديد من الاقتصاديين المصارف اللبنانية فرحتها بـ»إنجازاتها»، فهؤلاء يرون أن من الخطأ اعتبار زيادة ربحية المصارف مؤشراً على سلامة الاقتصاد، وخاصة أن المصارف اللبنانية لم تحقق زيادة تذكر في القروض المُعطاة للمشاريع المنتِجة؛ «المصارف تتعمّد مجافاة الاقتصاد، وتشجع الاستهلاك، لا الإنتاج»، يقول هؤلاء.
بحسب التقرير، النشاط الإجمالي للقطاع، الذي يقاس بجمع موجودات البنوك العاملة في لبنان، ارتفع بنسبة 9.7% العام الماضي، ليصل إلى 199 مليار دولار في نهاية السنة؛ ويعود ذلك أساساً بحسب التقرير إلى زيادة ودائع الزبائن بنسبة 9.5% في العام نفسه، مسجلاًً أعلى نسبة نمو خلال 3 سنوات (يمثل تراكم الفوائد جزءاً أساسياً من زيادة الودائع والموجودات، قد يصل إلى حوالى ثلاثة أرباع الزيادة، بحسب أحد الاقتصاديين). كما حافظت المصارف على نسبة سيولة عالية، بحسب التقرير، إذ بلغت السيولة الأولية الصافية كنسبة من إجمالي الودائع عام 2013 «نسبة سليمة» قدرها 30.7%، رغم كونها أدنى من النسبة نفسها لعام 2012. تعكس نسبة القروض إلى الودائع صورة وضع السيولة بدقة، وهي بلغت 37.7% العام الماضي (علماً بأن النسبة تلك تعكس نسبة القروض إلى القطاع الخاص فقط. ويرى بعض الاقتصاديين أن عدم احتساب قروض القطاع العام هدفه التقليل من نسبة المخاطر)، مقارنة بمعدل إقليمي يبلغ 70.2%، ومعدل 77.1% للأسواق الناشئة، ومعدل عالمي يبلغ 83.1%.

يفسد واقع «الانكشاف المتزايد على الدين السيادي الذي شهده القطاع المصرفي خلاف العام الفائت» الصورة الوردية لـ»السيولة الوافرة»، بحسب التقرير نفسه، إذ زادت نسبة (سندات الدين السيادي بالعملة الأجنبية) «اليوروبوندز» للودائع بالعملة الأجنبية من 13.4% عام 2012 إلى 15.7% عام 2013؛ فباتت تشكل 101.2% من حصص المساهمين العام الماضي، مقارنة بـ 84.3% عام 2012.
يلحظ التقرير نمواً في الإقراض العام الماضي «مدعوماً جزئياً» من «رزمات التحفيز الوازنة» التي قدمها مصرف لبنان، إذ نمت القروض الصافية بـ 15.2%، لتصل إلى إجمالي 62 مليار دولار في نهاية العام الماضي. وعلى الرغم من نسبة تحوط «جيدة» بلغت 77.7% عام 2013 (يرى بعض الاقتصاديين أن الإعلان عن معدلات تحوط مرتفعة هدفه «تهريب الأرباح»)، انخفضت نسبة القروض المشكوك في تحصيلها إلى إجمالي القروض من 7.1% عام 2012 إلى 6.78% عام 2013، مسجلة أدنى معدل لها في العقد الماضي؛ ورغم كون المعدل المذكور أعلى من المعدل الإقليمي البالغ 4.6%، فهو يتسق بحسب التقرير مع المعدل نفسه في الأسواق الناشئة والعالمية، والبالغة 6.7% و6.6% على التوالي. ولدى إضافة القروض «دون المعيار» إلى تلك المشكوك بتحصيلها، تصبح نسبة النوعين الأخيرين من القروض إلى إجمالي القروض 7.8%.
كما يلحظ التقرير «تعزيزاً إضافياً» لرسملة المصارف، إذ حافظ ارتفاع قيمة الأسهم بنسبة 8.6% عام 2013 على نسبة أسهم للموجودات بلغت 8.9%. وبالتوازي، ارتفعت نسبة إجمالي رأس المال (لقيمة الموجودات) في النظام المصرفي اللبناني ككل، انسجاماً مع مقررات مؤتمر بازل 2، إلى 14.31% عام 2013، مقارنة بـ 13.86% عام 2012. في السياق نفسه، ودائماً بحسب التقرير، حققت المصارف (عام 2013) أرباحاً صافية بلغت 1894 مليون دولار، مسجلة ارتفاعاً نسبته 0.5%، مقارنة مع عام 2012.
يأتي هذا «الركود» في الربحية في سياق نمو في الربح الصافي المتأتي من (فارق) الفوائد بلغ 5.7%، وزيادة في الدخل الناتج من صافي الرسوم والعمولات بلغ 4.2%(!)، ما أدى إلى نمو إجمالي الدخل التشغيلي بنسبة 3.9%، في مقابل ارتفاع الأكلاف التشغيلية بنسبة 8.4% (لا يوضح التقرير كيفية احتساب هذه الزيادة). بحسب التقرير، فإن إجمالي استثمار الموجودات وهوامش التشغيل الصافية تدنت خلال العام الماضي، متسببة بانكماش في نسب عوائد التوظيف؛ فانخفضت نسبة العائد لمعدل الموجودات عند المصارف من 1.07% إلى 1.00%، بينما انخفضت نسبة العائد لمعدل الأسهم من 12.08% إلى 11.09%.
يرى التقرير أن المصارف اللبنانية «في موقعٍ مؤاتٍ لاستغلال أي انعكاس في منحى الأمور (السلبي)، على المستوى المحلي أو في الأسواق الإقليمية التي توجد فيها»، قائلاًً إن «الأساسات المالية المتينة للمصارف اللبنانية، وتنويعها لنشاطاتها، وفلسفاتها الإبداعية في الإدارة، وخدماتها ومنتجاتها الرائدة، تضعها في موقع مناسب لحصد منافع زيادة الطلب على الخدمات المالية في عدد من الأسواق التي تفتقر إلى الخدمات المصرفية، والتي لها آفاق مهمة للنمو على المديين المتوسط والطويل».